الخبر وما وراء الخبر

دروس من هدي القرآن الكريم : معنى التسبيح ( ٤)

183

ذمار نيوز | من هدي القرآن 10 جماد أول 1440هـ الموافق 16 يناير، 2019م

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ: 9/2/2002م
اليمن – صعدة

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آله.
نحن قلنا في محاضرة يوم الخميس حول قول الله تعالى لرسوله (صلوات الله عليه وعلى آله) وهو الإنسان الكامل, رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الكامل في إيمانه، في تقواه، في طهارة نفسه، في حرصه على هداية عباد الله. عندما يقول الله سبحانه وتعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ}(محمد: من الآية19) {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ}(الفتح: من الآية2).

فأنا عندما أرى نفسي بأنني أصبحت لا ذنب لي، ماذا يعني هذا؟ أصبحت وكأنه ليس هناك أي ذنب لدي إطلاقاً، ما عاد باقي إلا أن أنتظر، قد القضية عليك أنت يا ألله اما الآن.. أنا… قالوا كما قال الرئيس عندما اجتمع بالعلماء قال: نحن الأمراء أصلحنا نفوسنا, الباقي أنتم تصلحوا نفوسكم، أنتم تقولون أنه فئتان من الناس إذا صلحوا صلح الناس: الأمراء والعلماء, أو السلاطين والعلماء. نحن صلحنا إذاً أنتم اصلحوا.
هكذا قد تكون أنت مع الله تقول: [إحنا خلاص استقمنا! إحنا ما عاد بعدنا] باقي أن تفي أنت بما وعدت به، باقي أنت يا الله تنـزل البركات، وتعطينا كل شيء بسرعة!.

هل أنت ارتقيت إلى درجة محمد بن عبد الله (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ أم أنك قد أصبحت تجعل لنفسك مقاماً هو أعلى من مقام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) الذي يقول الله له: {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} {لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ} أين هي الذنوب التي قد نتصورها نحن بالنسبة للنبي (صلوات الله عليه وعلى آله)؟ لكن مهما ارتقيت، مهما ارتقيت في سلم الكمال لا بد أن تستشعر بأنك ما تزال قاصراً وناقصاً ومقصراً أمام الله سبحانه وتعالى، ما تزال ناقصاً, ما تزال مقصراً، لا تستطيع أن تحيط علماً بكل الدائرة من حولك أنها قد أصبحت كلها طاهرة بنسبة مائة في المائة في كل تصرفاتك، كل أفعالك، كل أقوالك، كل آرائك، كل نظراتك، كل مواقفك، ثم تقول بعد: [ما عاد بعدنا] فإذا لم تر الأشياء تتحقق على ما تريد تسخط على الله سبحانه وتعالى! هذه جهالة.

الإنسان المؤمن يجب أن يكون دائماً مستشعراً للتقصير أمام الله، الله وصف المتقين بأنهم كما قال عنهم: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}(آل عمران: من الآية17) مستغفرين دائماً حتى في تلك الأوقات التي عادة ينهض فيها العبّاد المنقطعون في العبادة. هم عندما ينهضون في الثلث الأخير من الليل، وفي السحر قبيل الفجر هم لا ينظرون إلى أنفسهم بأنهم قد أصبحوا [ما شاء الله]، ولا عاد بقي لديهم أي تقصير، وأنه ما بقي لديهم أي ذنب، يستغفرون الله دائماً {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}, {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}.
اعتقد بالنسبة لقضية التسبيح قد تكون واضحة بالنسبة لنا معناها.. لكن كيف نعمل على أن نرسخها في نفوسنا وفي مشاعرنا؟.
من خلال التكرير الواعي لكلمة: (سبحان الله) عندما تسبح الله داخل الصلاة أو خارج الصلاة في أي وقت من الأوقات.
ثم أن تتلمس دلائل نزاهة الله سبحانه وتعالى, وقدسيته وجلاله وعظمته من خلال آيات القرآن الكريم، ومن خلال صفحات هذا الكون، وآيات هذا الكون الذي بين يديك، هذا العالم؛ لتترسخ في نفوسنا معاني نزاهة الله؛ لأن المؤمن بحاجة إليها دائماً.

ولو أن الناس انطلقوا من هذه القاعدة لكانت الدنيا بخير، ولكان وجه الدنيا على خلاف ما هو عليه الآن.. من قاعدة تنـزيه الله، لكن أصبح وللأسف بدلاً من أن تمتلئ القلوب بمشاعر تنـزيه الله ملئت القلوب بعقائد نسبت القبائح والنقص إلى الله في ذاته وأفعاله وتشريعاته، من أولئك الذين يحملون القرآن بين جنوبهم, في صدورهم، من أولئك الذين يقرأون كتاب الله سبحانه وتعالى فيرون فيه كم كرر الحديث عن تسبيحه والأمر بتسبيحه, واستنفار كل الخلائق لتسبيحه. لماذا لم يجدِ هذا في نفوسهم؟ مع أن بعضهم لهم أوراد ولهم رواتب، قد يطلق في اليوم الواحد ألف تسبيحة، مسابح طولها ألف حبة كان تحصل عند بعض الصوفية, وهم ممن يعتقدون عقائد كهذه.

أحياناً الإنسان إذا لم يكن يعي ما يقول، ويعي ما يقرأ، ويعي ما يشاهد، تكون الأشياء كلها تمر على سمعه وبصره، وتنطلق من لسانه، وتمر مرور الكرام, لا تترك أي أثر، حاول أن ترسخ في نفسك دائماً التنـزيه لله، وإذا لمست بأنك لا تزال في وضعية قد تتعرض فيها لارتياب فاعلم بأنك لا تزال مهيئاً لنفسك أن تكون ضحية للضلال في أي وقت.. فيقولون لك: قال رسول الله كذا، وكان السلف الصالح كذا، وقال الصحابي الفلاني كذا، وكان كذا, والمفسر الفلاني قال كذا….. ويهذفوا عليك حتى تعتقد عقيدة باطلة هي كفر بنـزاهة الله، كفر بقدسية الله،فتؤمن بها على أنها من دين الله، أليس هذا هو من الضلال؟.

الله يريد منا أن نتعبد له بقدسيته, بنـزاهته، فنأتي لنتعبده بماذا؟ بالنقص، نتعبد له بنسبة الفواحش إليه، نتعبد له بالسوء، أليس هذا من الباطل؟ الباطل الذي يعتبر باطل مضحك [وشر البلية ما تضحك].
نجد كذلك التسبيح مما أًمر به أولياء الله، والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول الله له: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} (الطور:48 – 49).

نجد كذلك التسبيح مما أًمر به أولياء الله، والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول الله له: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} (الطور:48 – 49).

وحتى في حالة الشدة كما حدث لنبي الله يونس وهو في بطن الحوت ماذا قال؟ {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ} (الأنبياء: من الآية87) ألم يقل سبحانك؟ أنزهك {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ}(الأنبياء: من الآية87) فأن تكون أنت مؤمن بهذه القاعدة بشكلٍ واعٍ، وفي كل الحالات؛ لأنها قاعدة إيمانية في كل الظروف لا يمكن لحظة واحدة من لحظات حياتك تقول فيها: أما هذه ما تنـزه فيها.. أما هذه ما تنزه فيها.. لا يصح إطلاقاً. في كل الظروف في كل الحالات, في كل الشدائد, في حالة الشدة والرخاء, وحالة السراء والضراء، لا بد أن تكون قاعدة لديك ثابتة.

نبي الله يونس ألم يسبِّح وهو في بطن الحوت {سُبْحَانَكَ}؟. هذه لها أثرها الكبير، أنك دائماً سترجع إلى نفسك في كل حدث تواجهه في الحياة، وأنت تعمل في سبيل الله، وأنت ترى نفسك بأنك تسير على نهج أولياء الله، لا ترد اللوم على الله أبداً، حتى وإن كان من عنده ما أصابك فإنما ذلك إما لأنك أنت كنت جديراً بأن صدر منك ما تستوجب به أن يحصل عليك هذا الشيء, وإما لأن في ذلك مصلحة لك, وحكمة, حكمة من الله أن تلاقي تلك الشدة, أو تحصل عليك تلك المصيبة, لمصلحتك أنت.

من يضعف إيمانهم دائماً يردون – كما نقول نحن – المَحْق, يردون المَحْق في الله، فيحمِّل الله مسؤولية ما حصل، ثم ينطلق ليسيء الظن في الله {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}(الأحزاب: من الآية10) فحصل عند البعض عندما حوصر المسلمون في المدينة مع الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) في غزوة الأحزاب: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} حتى انطلق بعضهم يسخرون من النبي (صلوات الله عليه وعلى آله) وهم يحفرون الخندق، عندما ضرب الصخرة فانقدحت فقال: (الله أكبر إني لأرى قصور فارس، إني لأرى قصور صنعاء) فقالوا: يعدنا بأن يصل ديننا, أو أن تفتح هذه المناطق على أيدينا، وها نحن لا يأمن الواحد منا أن يخرج ليبول. ألم يقولوا هكذا؟ انطلق بعض الناس يقول هكذا.