الخبر وما وراء الخبر

قبل الوداع: الختام مولد! (1)

220

بقلم/ علي المحطوري


بشهر ديسمبر يؤذِن عام 2015 على الوداع، مسلما الراية لعام 2016.

ولقائل أن يقول: إن الكتابة عن ذلك حاليا قد تبدو سابقة لأوانها، فلو تأخرتْ إلى الأيام الأخيرة من الشهر. والجواب نعم، لولا أن ثمة حدثا جللا واقعا تلك الأيام هو ما فرض الحديث حاليا، وليس “نهاية عام، وقدوم عام جديد”.

والمناسبة المقصودة هي أشهر من نار علم، ولا تخص اليمنيين، بل الإنسانية جمعاء خصوصا مليار ونصف مليار مسلم، وهي ذكرى المولد النبوي الشريف، وآخر احتفال بها كان أوائل العام الحالي وتحديدا في الثالث من شهر يناير، واحتشد لها الشعب إلى”حديقة 21 سبتمبر” في صنعاء، ومثلت حينها ترسيخا للتحول الثوري التأريخي الذي شهدته الجزيرة العربية في ركنها الجنوبي اليمن، وذلك بأفول حقبة استبدادية ذات مخالب أمريكية سعودية وهابية، وانبعاث مرحلة جديدة نابعة من ثقافة وفكر الشعب اليمني، ومتصلة بتراثه العربي الإسلامي الإنساني، وبرز معها اليمن بلدا حاملا “مشروعا وقضية”.

والمشروع هو بناء دولة ذات سيادة واستقلال قائمة على مبادئ سيادة القانون والمواطنة المتساوية واحترام حقوق الإنسان والحكم الرشيد، بإدارة محكومة بالشراكة الوطنية، كما يشير إلى ذلك اتفاق السلم والشراكة، الموقع بين القوى السياسية عصر الإطاحة بأخطر مرتكزات النفوذ الخارجي، المتمثل في الجنرال الدموي علي محسن الأحمر.

أما القضية فهي تتمثل في اعتبار فلسطين القضية الأولى والمركزية، وأن اليمن في سياسته الخارجية يمد يد السلام والإخوة الإنسانية – – إلى كافة الشعوب والدول، وذلك من موقع “الاستقلالية، والاقتدار وعلى قاعدة  الاحترام المتبادل” وليس التبعية. ما عدا كيان العدو الإسرائيلي فهو يمثل للجمهورية اليمنية عدوا مركزيا، واجبٌ على كل الشعوب العربية والإسلامية أن توحد جهودها لمواجهته، وتحرير كامل أرض فلسطين.

وشكل ذلك التوجه السياسي للخارجية اليمنية أحد بواعث القلق الإقليمي والدولي المتواطئ مع الصهيونية، مما جرأهم على شن عدوان واسع النطاق على اليمن.

وحتى لا يأخذنا الاستطراد بعيدا، فمثلما ابتدأ العام الحالي باحتفال له ما قبله من ثورة سبتمبرية، وله ما بعده من تطور تمثل بالعدوان على الثورة وعلى اليمن..- فكذلك هو العام نفسه سيُختَتَمُ باحتفال بنفس المناسبة، إنما في ظل متغيرات أوسع وأشمل أبرزُها: صمود الثورة والشعب في وجه العدوان، وتألق اسم اليمن إقليميا وعالميا في غضون تسعة أشهر كبلد  قاهرٍ للغزاة، وعصي على الانكسار، كما هو كذلك على مر التأريخ.، ومع هذا التألق ستحل ذكرى المولد النبوي أواخر الشهر الجاري، متزامنة مع مرور تسعة أشهر من العدوان –  كمناسبة فيها ما فيها من الدلالات منها:

أن مرحلة التسعة أشهر من العدوان تعتبر مخاضا عسيرا لولادة تأريخ جديد ليمنٍ ضَمن – بدماء شهدائه ونضال شعبه – الحضورَ في المشهدين الإقليمي والدولي على المدى المتوسط والبعيد، ولم يعد بالإمكان تغييبُه كما أريد له ذلك من خلال شن العدوان عليه، وأن أنوارَ ثورته ستمتد إلى آفاق أوسع كونها مرتبطة بأنوار المولد النبوي الشريف.

ومن المفارقات هنا أنه وفيما تُحاصِر السعودية قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتجعل زيارته بدعة، والاحتفال بمولده بدعة – يسطع اسم محمد وذكرى مولده الشريف من اليمن حيث المكان الذي أرادت السعودية أن يُسحق في أول أسبوع من العدوان فخابت وباءت بالفشل.

وإلى ذلك اليوم – وهو قريب بالنظر إلى ما ينبغي أن يتم من استعدادات، والصمود في وجه العدوان أعظم استعداد – فمن الواجب أن يتحضر الجميع لإحياء المولد النبوي بما يتناسب مع طبيعة المناسبة، ومع طبيعة المتغيرات والأحداث، ومع طبيعة المرحلة التي عنوانها: (في العالم بلد اسمه اليمن، وفي اليمن أمة خالدة بخلود اسم محمد مرفوعا على مآذن المسلمين).

وأخيرًا وليس آخرًا، ليس شيئا يبهج الشهداء إلى ما هم فيه من بهجة، ويدخل السرور إلى عوائلهم مثل تتويج تلك الدماء والدموع بإحياء مولد نبي منكوب بأمة تتنكر له، ولرسالته، ولأخلاقه.، وآن الأوان لأن تعود له قدسيته، وأهلُ اليمن هم أهل الوفاء، وهم أنصاره في مواجهة الجاهلية الأولى، وهم أحفاد أنصاره في مواجهة الجاهلية المعاصرة.