من ملامح العدوان الناعم والطريق إلى سوقطرى!
بقلم د/ عبدالعزيز البغدادي
حاولت إقناع نفسي بأن هناك صحوة ضمير هبطت فجأة على الدول التي تدير العدوان على اليمن وتشارك فيه مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا وبعض دول الغرب التي صَدمَتْ إنسانيتَها الحساسة قضية مقتل خاشقجي فكانت وفق بعض التحليلات مناسبة للتفكير في مأساة شعب يتعرض لأبشع عدوان منذ أربعة أعوام جُرِّبتْ فيها أفتك الأسلحة واستُخْدِم فيه حكام السعودية والإمارات ومن أعلنوا أو قبلوا أن يكونوا ضمن قائمة تحالفهما العدواني الذي لا يعرف الهدف منه إلا من يديره!!
حاولت إقناع نفسي بهبوط هذه الصحوة لكنها أبت!
قرأت نص قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2451) بشأن اليمن عدة مرات لعلي أجد ما يقنعها ولأن القرار كان بناءً على مشروع تقدمت به بريطانيا فإني كلما أعدت القراءة ازددت توجساً!
لاقتران الدولة صاحبة المشروع بالماضي الاستعماري ودورها القذر في القضية الفلسطينية وقضايا العرب والمسلمين عموماً، رغم ذلك قلت لعل بريطانيا تريد التكفير عن ذنوبها وغسل ماضيها ببعض أعمال إنسانية وفتح صفحة جديدة في العلاقة السوية مع الشعوب وهي العلاقة المؤهلة للبقاء!
لم تكن قرارات مجلس الأمن ولا منظمات الأمم المتحدة عموماً منذ ولدت سوى انعكاس لسياسات وتوازنات القوة بين الدول ذات التأثير الفعلي في سياسات وتوجهات المنظمة الأممية ومنها بريطانيا!
تساءلت لو أن هناك صحوة ضمير لدى هذه الدول والمنظمة الدولية فما الذي يحول بينها وبين إدراك مسألة بديهية جداً وهي أن العدوان على اليمن باستخدام عنوان الشرعية الدولية كان أوقح عدوان حصل على الشرعية الدولية، وباسمها انتهكت من خلاله جميع حقوق الإنسان دون استثناء وارتكبت أبشع الجرائم بحق شعب حضاري مسالم عبر التاريخ نفَّذَته دويلات بدوية صنعتها بريطانيا كما صنعت إسرائيل وهي كيانات لا يذكرها التاريخ سوى بالبشاعات التي ارتكبها مؤسسوها بدعم مهندسها بريطانيا أضيف إليها رديفتها أمريكا اللتان لعبتا دوراً واضحاً في تأسيس هذه الدويلات أبرزها السعودية والإمارات والكيان الصهيوني وتساءلت، ما الذي يمنع بريطانيا صاحبة المشروع لو كان ثمة صحوة ضمير حقيقي من اتخاذ قرار بوقف العدوان وتحميل المعتدي تبعاته؟!
لقد حاولت استحلاب كل عوامل حسن الظن علي أجد بارقة أمل في مراجعة هذه الدول العدوانية سلوكها وفتح صفحة جديدة في العلاقة مع الشعب اليمني لأن الشعب كما تقول كل الدساتير ومنها دساتير هذه الدول هو صاحب السلطة ومالكها وهو من ثم صاحب الشرعية التي يقتلونه باسمها ومالكها !؛
ما يحدث على أرض الواقع أن هذه الدول العظمى التي يفترض أن تكون جزءا من القوة الدافعة بالنظام الدولي نحو تحقيق العدالة واحترام مبدأ السيادة وعدم التدخل في شئون الدول لأن احترام مبادئ القانون الدولي هو الطريق الطبيعي لتحقيق مصالح جميع الدول والبشر في العالم وليس عن طريق المفهوم المتوحش للمصالح!
هذه الدول مع الأسف تقول عكس ما تفعل فكل قرارات مجلس الأمن الخاضع لنفوذها كانت في العدوان الممنهج على اليمن ترجمة قاسية لرغبة النظام السعودي والإماراتي ومن يديرهما ويتحالف معهما ومخالفة بالمطلق للقانون الدولي وكل المواثيق المتعلقة به !!
ولم يخرج القرار الأخير المشار إليه رقم (2451) على الأقل حتى الآن عن هذا النهج العدواني وأكتفي هنا ببعض الملاحظات حوله:
1- تحدث القرار في ديباجته عن القرارات السابقة بشأن اليمن والتي تعد بحق فضيحة دولية لابد أن يكشف تاريخ القانون الدولي مستقبلاً أبعادها ومحاولة شرعتنها للعدوان.
2- أشارت الديباجة إلى التزام مجلس الأمن القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلال أراضيه والوقوف إلى جانب الشعب اليمني، وهذا جميل ولكن القرار في جوهره حرص على الاستمرار في منهج تجزئة الحلول لأنه مثلاً ركز في مسألة المرتبات على ميناء الحديدة ولم يشر من قريب أو بعيد إلى ميناء عدن والمكلا والمخاء وبقية الموانئ اليمنية التي احتلتها أدوات العدوان أو عبيده (السعودية والإمارات) ومن تبعهم بسوء وكان الطبيعي أن تخضع جميع الموانئ والمعابر للرقابة الدولية كي تورد إيراداتها جميعاً لما فيه مصلحة الشعب اليمني الواحد فالموانئ تشكل منافذ وطنيه متصلة بالسيادة اليمنية وليست مناطق الجنوب الواقعة تحت الاحتلال أقل معاناة من مناطق الشمال بل على العكس ويكفي إن تلاحظ كل هذه الوقاحة الإماراتية التي يعبر عنها أحد الإماراتيين في لقائه مع بعض المرتزقة من المحسوبين على جزيرة أرخبيل سُقطرى اليمني يعلن لهم تكرم الكيان الإماراتي الصحراوي منحهم جنسية الصحراء متجاهلاً المقارنة الواجبة عليه بين عمر أصغر شجرة سُقطريه مع عمر جنسية هذه الدويلة الخادمة للمشروع الصهيوني الآيل إلى الأفول!
فهل مثل هذه الخطوات محاولة ناعمة لخدمة العدوان الذي يهدف إلى تطبيق مشروع الأقلمة الأمريكية الذي اخرج باستخدام بعض القوى السياسية كأدوات غير محترمة؟!
3- عبر القرار إياه عن استمرار منهج التعامل مع ما يحدث في اليمن على أنه نزاع داخلي متجاهلاً حجم العدوان المستمر والحصار المطبق الذي يقوم به المال السعودي والإماراتي والعقل الأمريكي البريطاني الصهيوني بصورة واضحة وهذا يهدف إلى دعم استمرار العدوان وعدم الاكتراث بحقوق الشعب اليمني.
4- ساوى القرار بين المهاجم لمدينة الحديدة والمدافع عنها ضد العدوان والجماعات الإرهابية التي هي من أدواته فقرر أن على الطرفين الالتزام بإعادة الانتشار المتبادل ولا ندرِ بتفاصيل هذه العملية ولكن هدفها واضح وهو أن قوات العدوان المهاجمة قد عجزت عن اقتحام المدينة رغم أنها قد تمكنت من الوصول إلى بعض المواقع في مداخلها بعد ارتكاب أبشع المجازر بواسطة طيران العدوان وبارجاته.
ويبدو أن العدوان عبر مشروع القرار يخطط لإنهاء التحصينات التي بنيت على مدى السنوات الماضية للدفاع عن المدينة لإفساح المجال لمهاجمتها من البحر والجو مستغلاً التفوق الجوي والبحري لاعتقاده أن ذلك يسهل احتلال الميناء بواسطة هذه الحيلة المسماة إعادة الانتشار المتبادل!
لا يمكن لأي عاقل إلا أن يكون مع الحلول السلمية لكن ملامح الحل السلمي لم تلح في الأفق بعد، وما يبدو واضحاً أن الأمم المتحدة مع الأسف الشديد كالجامعة العربية لا تزالا أداة في يد العدوان ومحاولة شرعنته ونأمل أن تفسير مارتن غريفيث للاتفاق الذي قيل أنه سيقدمه في آخر زيارة سيكون نافياً لهذه الهواجس والتوجسات!
ذات يومٍ خاطب الفقيد الشحاري السفير السعودي بقوله:
قل للسفير ابن الأميرِ
أخطأت تقدير الأمورِ
ماذا تريد أتشتري
بالمال أقداس الشعورِ
ما ذا تريد أتشتري
شرف الكرامة والضميرِ
المال لا يشري سوى
جيَفِ الزبالة والقسورِ
المال لا يشري سوى
المتعفنين من الجذورِ
*من قصيدة لفقيد الوطن يوسف الشحاري
وللإماراتيين نقول:
لن يضَيِّع اليمانيون الطريق إلى سوقطرى وقد عرفت صواريخهم الطريق إلى أبو ظبي.
نقلا عن صحيفة الثورة