قطع المرتبات: سلاحٌ أخفق في تحقيق مهامه
ذمار نيوز | تقارير |المسيرة نت – عبدُالحميد الغرباني 3 جماد أول 1440هـ الموافق 9 يناير، 2019م
لم يكن قطعُ مرتبات موظفي الدولة خطأً ارتكبه دُعاةُ الشرعية عن جهل أَوْ عجلة، بل جريمة متعمدة بسبق تخطيط، وهدفٌ استراتيجيٌّ حاول طابور هادي تحقيقَه للسير ضمن مشاريع الاستعمار الكبيرة التي تضعُ في حساباتها تغييرَ قناعات الشعب وخارطة توزعه السكاني والحد من ثقل الكتلة الضخمة في المحافظات الحُرة التي يصعُبُ اختراقها، وإفراز غضب شعبي تجاه القوى الوطنية المواجهة للعدوان واستثماره في زعزعة الصمود وتفكيك الجبهة الداخلية، وغير ذلك استكمال شل وظائف البنك المركزي قبيل نقل وظائفه ومضاعفة استهدافه والحد من قدرة البنك في إدَارَة السياسة النقدية للدولة والحفاظ على مستوى سعر العُملة الوطنية وتغطية فاتورة السلع الأساسية من النقد الأجنبي.
وَهذا التقرير يستعرضُ بشيء من التحليل والمقارنة، مظاهرَ استهداف مرتبات موظفي الدولة وردود الفعل تجاه ذلك، ثم التطورات الخطيرة التي أعقبت فشل حملات الضغط والاستهداف للبنك المركزي وقيادته بدء من محافظ البنك السابق محمد بن همّام إلى آخر عضو في مجلس الإدَارَة فيه..
استهدافُ موارد الموازنة العامة كمظهر لاستهداف المرتبات
من المعلوم أن الماليةَ العامةَ تلعب دوراً حيوياً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في اليمن، وأن استهدافها بشكل أَوْ بآخر يؤدي إلى شل وظيفتها التنموية والاجتماعية المأمولة، وهو ما ركّزت عليه الحرب الاقتصادية الموازية للعدوان العسكريّ على اليمن، من خلال وسائلَ عدة وضعت مصادر موارد الموازنة العامة للدولة في دائرة الاستهداف فشكل توقيف تصدير النفط والغاز وفرض الحصار على موانئ اليمن البحرية والجوية أحد أقوى أَدَوَات الحرب الاقتصادية ومثّل تهديداً مباشراً لمرتبات موظفي الدولة المرتبط توفرها بالإيرادات العامة للبلد..
في هذا السياق يذكر أن ما فقدته الموازنةُ العامةُ؛ بسببِ توقف تصدير النفط الخام والغاز يعادِلُ حجمَ نفقات الباب الأول في الموازنة العامة “المرتبات والأجور”، وهو بالتالي ما يؤكّــد استهدافَ مرتبات جميع موظفي الدولة وفي المرحلة الأولى من العدوان على اليمن .
في المقابل وخلال التسعة شهور الأولى من عمر العدوان عام 2015، استطاعت اللجنةُ الثورية العليا وبجهود مختلف المُؤسّسات محاصَرةَ تداعيات استيلاء العدوان على أهمّ مصادر موارد الإيرادات العامة وفرضه الحصار، فلم ينل من مرتبات موظفي الدولة، ونجحت الثورية العليا في الاستمرار بصرف مرتبات موظفي الدولة، خُصُــوْصاً مع حرصه على تحييد البنك المركزي اليمني عن مجمل الصراع وتوفير المناخ الملائم لمواصلة دوره بمهنية عالية ووفق شهادة مُؤسّسات دولية..
حملة ضغوط مباشرة لقطع صرف المرتبات
عقب إخفاق قوى العدوان في تحقيق كُـلّ الأهداف التي راهنت على أن تحرزها عن طريق الضغط الاقتصادي وتجفيف أهمّ موارد الدولة ومنها وقف صرف مرتبات موظفي الدولة قادت عبر حكومة الخَوَنَة حملة ضغوط عدة استهدفت موظفي الدولة في رواتبهم وبشكل مباشر وَمنذ مطلع العام 2016، كما كشف قبل أيام ولأول مرة نائبُ محافظ البنك المركزي حين ذاك الدكتور محمد السياني، وهذا نص حديثه حرفياً:
“كان هناك ضغط على البنك المركزي لإيقاف صرف المرتبات وبشكل عام وفي ظل إمكانية الصرف وتوفر السيولة النقدية اللازمة”، ويتابع السياني ولكن في معرض إيضاحه لردة الفعل من قيادة البنك المركزي “في المقابل البنك المركزي امتنع عن الالتزام بتنفيذ توجيهات حكومة هادي ووزير المالية منصر القعيطي حينها، وأكّــد البنك أن المرتبات حق لكل أبناء اليمن”.
مع ذلك استمرت حملة الضغوط التي قادها طابورُ الخَوَنَة وفي مارس من ذات العام تكرّرت الضغوط باتّجاه تجميد دفع المرتبات.
ولكن مع حشد تهديدات عدة في وجه مجلس إدَارَة البنك المركزي في الاجتماعات التي عُقدت مع حكومة الخَوَنَة في الأردن؛ بهدفِ الحيلولة دون استهداف الرواتب، وهذا حديثُ نائب محافظ البنك آنذاك “وفي مارس 2016 تم اللقاء بمجلس الإدَارَة في عمّان، وعلقت الحكومة عدم الدخول بتصعيد يشمل تغيير العُملة الوطنية بوقف صرف مرتبات الجيش في الحد الأدنى، مع ذلك ولأن ثمة إمكانيةً في الاستمرار بدفع المرتبات ولأنها مستحقات لكل أبناء الشعب مدنياً وعسكريّاً تم رفض ذلك”.
وهكذا يتبين أن قيادةَ البنك المركزي -ممثلةً بمجلس الإدَارَة ورئيسها القامة الاقتصادية المرموقة محمد بن همّام- قد نجحت في إفشال مُخَطّط استهداف مرتبات موظفي الدولة وَاستمر صرف المرتبات، وَلم تفلح حملة الضغوط، وفي نهاية مفاوضات الكويت الثانية مايو 2016 هدّد السفير الأمريكي بتصعيد جديد ضد الشعب اليمني أهمّ أسلحته تصعيد حرب الاقتصاد، وكان ذلك في جلسة لسفراء الدول الـ 18 وَالوفد الوطني، كما أوضح ذلك في وقت سابق رئيس الوفد الوطني الأستاذ محمد عبد السلام بالقول: “في نهاية مفاوضات الكويت آخر الجلسات كانت مع السفير الأمريكي وسفراء الدول الثمانية عشر وقال أمامكم الآن صفقة إما أن توقعوها وإما الحصار الاقتصادي، سننقل البنك ونمنع الإيرادات ونغلق مطار صنعاء”.
وهكذا فقد وضعت قوى العدوان وبالتحديد أمريكا مرتبات موظفي الدولة في دائرة الاستهداف وبشكل مباشر وبوحشية تتباهى بالإقدام على ضرب الحصن الأخير لأكثرَ من مليون موظف يعيلون خمسة أضعافهم من الشعب اليمني، وَفي الشهرين اللذين أعقبا تهديدات السفير الأمريكي كان أَدَوَات الغزاة يعملون على سحب السيولة النقدية من العُملة الوطنية ومحاصَرة البنك عن الاستمرار بصرف مرتبات موظفي الدولة وحين تنبه البنك المركزي اليمني لذلك، وحشد سبل مواجهتها، ومنها الاتّجاه إلى طباعة أوراق نقدية جديدة، سعت حكومة الخونة إلى عرقلة ذلك وشرعت في أغسطس 2016 في العمل على تجميد الاحتياطيات النقدية للبنك المركزي في البنوك الخارجية، بالتوازي مع الاستيلاء على عائدات الغاز المحلي وإيرادات الضرائب والجمارك وَغيرها في المحافظات المحتلّة ولاحت مؤشرات انقطاع المرتبات، لكن البنك المركزي نجح في صرفها وحتى أغسطس..
نقلُ البنك وَردودُ الفعل الذابلة دولياً
مع اتّجاه حكومة الخونة للخطوات السابقة، خرج محافظ البنك المركزي محمد بن همّام عن صمته وتولّى تفنيدَ الذرائع التي سوقت استهداف البنك المركزي وتجميد احتياطاته من العُملة الصعبة، وأكّــد في مذكرة له وَوجهت للخائن هادي أن البنك منذ بدء الحرب على اليمن يعملُ بحيادية مطلقة، وأعلن استعدادَه لمحاسَبة دولية لفحص كُـلّ عمليات البنك الداخلية وَالخارجية، ولاحقاً كشف بن همّام وفي مقابلة مع رويترز أن الاستهداف للبنك المركزي ينصبُّ على المرتبات أولاً، محذراً من تداعيات ذلك، وذكّر حكومة الخونة أن المرتبات مستحقات لكل أبناء اليمن ونفى التهم المختلفة الموجهة للبنك سواء تلك المتعلقة بتمويل المجهود الحربي أَوْ سحب احتياطيات البلد من العُملة الصعبة وتعالت الأصوات المعارضة لاستهداف البنك وكلها، كانت تعبر عن مخاوفها من قطع صرف مرتبات موظفي الدولة وما سيلحقه ذلك من آثار رهيبة على فئة واسعة من اليمنيين..
كان محافظ البنك المركزي محمد بن همّام على درجة عالية من الكفاءة، ويقوم بعمله إلى حَــدّ كبير في ظل ظروف بالغة التعقيد، وكانت صيحته كافيةً لوقف هرولة طابور هادي لكن ذلك لم يحصل..
فمع عدم رضوخ قيادة البنك المركزي لإملاءات الخارج التي كان بيادق الرياض يحملونها، أعلن في سبتمبر عن نقل وظائف البنك المركزي إلى مجموعة موظفين غير شرعيين في عدن وَحينها تعهّد هادي ومن مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة باستمرار صرف المرتبات والالتزام بجميع التزامات البنك الوطنية والدولية وحتى ولو وصل البنك إلى الصفر، كما قال الفار هادي في حالة من التباهي بضرب الدور المهم والوظائف الأكثر أهميّة الذي يقوم به البنك المركزي اليمني..
قوبلت هذه الخطواتُ الخطيرة بردود فعل دولية غلب عليها التنديدُ بتوظيف البنك ضمن الة الصراع وشكّل التحذير من الآثار المدمّرة لنقل البنك الفكرة المركزية في تحليل الاقتصاديين والعاملين في المجال الإنْسَاني وغيرهم، غير أنها لم تفعل شيئاً على أرض الواقع وَأوقف بشكل متعمد صرف مرتبات الدولة التي انتظمت لستةَ عشرَ شهراً قبيل نقل البنك وفي مرحلة صعوبة اقتصادية متصاعدة، كما أكّــد صندوق النقد الدولي مطلع أكتوبر 2016 على لسان ناطقه الرسمي جيري رايس: “من الواضح أن البنك المركزي اليمني لعب دوراً حاسماً خلال الأشهر الستة عشر الماضية في تسهيل الحد الأدنى من واردات السلع الأساسية وبالتالي تجنيب أزمة إنْسَانية شاملة مع الحفاظ على استقرار النظام المصرفي ونظام الدفع”..
كان نظامُ الدفع أَوْ صرف المرتبات هو ما شدّد على ضرورة الاستمرار فيه صندوق النقد الدولي دون فائدة تذكر..
القوى الوطنية ومبادراتُ الحل
على المستوى المحلي، خرج السيدُ عبدُالملك في 21 سبتمبر 2016 وَأكّــد أن استهدافَ البنك المركزي في المقام الأول يعني اختطافَ لقمة عيش الآلاف من موظفي الدولة ويهدفُ إلى زعزعة التماسك المجتمعي واستطرد قائد الثورة في بيان الصورة التي كان البنك عليها قبل نقله والسطو على وظائفه، مع أن البنك عمل في حالة من الحياد التام وبدعم من القوى الثورية التي غلبت المصلحة العامة وتركت للبنك حرية العمل لدرجة أنه استمر في دفع مرتبات طابور المجرم هادي العريض وحُرّاسه وَالمجرم العجوز علي محسن وحراسه، فضلاً عن غيرهم، ودعا حينها إلى حملة دعم واسعة للبنك المركزي ترفده بالسيولة اللازمة، غير ذلك ومع استمرار انقطاع صرف المرتبات بادرت قيادة البنك المركزي السابقة إلى طي الذرائع التي كان طابور هادي يذرها رماداً على عيون الرأي العام وقدمت عدداً من المبادرات الهامة بغرض الدفع بالطرف الآخر إلى استئناف صرف المرتبات، وتضمنت أولى المبادرات جمع الإيرادات العامة المختلفة وصرف مرتبات موظفي الدولة، وفقاً لكشوفات العام 2015 مدنيين وعسكريّين، ولكن الطرف الآخر رفضها، كما أكّــد نائب محافظ البنك المركزي الدكتور محمد السياني الذي أشار أَيْضاً إلى أن قيادة البنك المركزي في صنعاء قدمت مبادرةً ثانية عرضت على الطرف الآخر استئناف صرف المرتبات وفقاً لكشوفات 2015 وَللموظفين المدنيين فقط، وكان مصيرها الرفض أَيْضاً من فريق هادي والإصلاح، مع ذلك استمرت جهود البنك المركزي، وقدم مبادرة ثالثة عرضت استمرار صرف الرواتب وفقاً لكشوفات 2014 للمدنيين والعسكريّين ولكنها رفضت من حكومة الخونة، فقدمت مبادرة رابعة نصت على دفع مرتبات موظفي الدولة وفقاً لكشوفات 2014 ولكن المدنيين فقط وهكذا يتضح أن الرفضَ المتوالي لهذه المبادرات والاقتصار على دفع مرتبات بعض الموظفين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الاحتلال وأَدَوَاته يأتي في سياق الدفع القسري نحو تغيير التوزع السكاني وظناً من الغزاة أن التحديات ستدفع ضحايا انقطاع الرواتب إلى حزم امتعتهم والانتقال للعيش ضمن المدن الواقعة تحت سيطرة المرتزِقة كما يقرأ البعض، فضلاً عن المراهنة على إحداث فوضى اجتماعية ضد القوى المناهضة للعدوان ومشاريعه وأَدَوَاته.
في هذا السياق يذكر أن دبلوماسياً أوروبياً نتحفظ عن ذكر اسمه نقَلَ في اجتماع ثنائي مع قيادات من أنصار الله أن فريق هادي يتخذُ من الاستمرار في قطع مرتبات موظفي الدولة سلاحاً لدفع الجماهير إلى الشارع ضد أنصار الله وشركائهم، وبالتالي استثمار ذلك من قبل التحالف بمختلف الطرق، وهذا الرهان والهدف سقط بفعل الوعي الشعبي العالي الذي يعرف من يبسط السيطرة على مصادر تمويل الموازنة العامة للدولة ومن الطرف الذي استهدف حياد البنك المركزي وعطل وظائفه..
المفاوضاتُ ومساعي تثبيت آلية عملية لصرف الرواتب
لم تتوقفِ القوى الوطنيةُ عن البحث عن إيجاد نوافذ يمكن من خلالها العبورُ إلى اتّفاق يضمن صرفَ مرتبات موظفي الدولة، في المقابل كان العدوان يعمل على احتلال محافظة الحديدة ويجر ذرائعَ عدة، منها تجفيف الموارد التي يستفاد منها في الدفاع عن البلد وَالتي تحصل من موانئ المحافظة؛ ولأن الأهدافَ التي يسعى لها المعتدون غير ذلك وليس المقام لذكرها هنا رحّبت القوى الوطنية بدور فني ورقابي للأمم المتحدة على ميناء الحديدة في مقابل تثبيت آلية عملية لتوفير المرتبات واستئناف صرفها.
كان ذلك في 2017، رفضت هذه المبادرة من تحالف العدوان ونفّذت حملات تصعيد عسكريّ بالتزامن مع تنويع أساليب استهداف الاقتصاد الوطني وشكل ذلك الرد الدائم على مقاربات القوى الوطنية التي حرصت على تغليب مصالح الشعب وراعت كثيراً، بل وبشكل مطلق همومه ومعاناته وكان المجلس السياسي الأعلى يحرص على دفع نصف راتب كلما سنحت الفرصة وبجهود كبيرة بفعل شحة الموارد..
وَفي العام 2018 توجّت القوى الوطنيةُ موقفَها الأخلاقي والوطني تجاه الشعب اليمني بربط المفاوضات بإجراءات فورية تحسن الوضع الإنْسَاني وتوقف استهداف الاقتصاد، أعطى الوفد الوطني المِــلَـفّ الاقتصادي أولوية كبيرة مع جهوزية كاملة لناحية الرؤى والدراسات والحلول الشاملة التي تضمن استئناف صرف الرواتب لكل موظفي الدولة..، وَيتوقف معها وبها تدهور الاقتصاد الوطني وَتتعافي العُملة الوطنية ويتم تحييد البنك المركزي ويجد القطاع المصرفي والتجاري الحماية اللازمة من تعسفات أَدَوَات الاحتلال، وبما يؤدي إلى تدفق الإمدادات التجارية والنفطية بشكل طبيعي وفي ظل آلية تنسق إدَارَة الهياكل المالية لكن وفد الرياض رفض وصفة الشفاء التي قدمها الوفد الوطني لحلحلة ملف الاقتصاد بشكل كامل وتم التوافق فقط على آلية تضمن تحصيل إيرادات الحديدة من قبل فرع البنك المركزي في الحديدة مقابل التزام حكومة الخونة بدفع رواتب موظفي الحديدة وبقية محافظات الجمهورية، وهو ما لم تلتزم به حتى اللحظة، وهكذا يتضح في المحصلة أن قطع صرف مرتبات موظفي الدولة كان هدفاً استراتيجياً لقوى العدوان وأَدَوَاتهم ولم يكن البتة نتاجاً أَوْ أثراً عن نقل استهداف البنك المركزي بل هدف قائم بذاته وعجز عن المضي في تنفيذ المهام التي ربطت به بشكل كلي أَوْ تلك التي ربطت به بشكل جزئي..
ونجح في تقويض المصدر الأول لإعالة عشرات الآلاف من اليمنيين، ويمكن القول: إن أُسَرَ أكثر من مليون ومائتي ألف موظف تتعرض مذاك لمجزرة دائمة تأكلها دون توقف.