قبة عرّاف في وصاب: هندسة معمارية أقرب للخيال.
ذمار نيوز | خاص | إستطلاع: فؤاد الجنيد 22 ربيع ثاني 1440هـ الموافق 29 ديسمبر، 2018م
وأنت تطل بناظريك على كتلة جغرافية وطبيعية تدعى “وصاب”، ستجدها جارة القمر المتدلية بالسحاب، وفي تجاعيدها الخضراء الملتوية حول خصر الجبال الشاهقة، سترى السحر بأم عينيه يسلب لبك، ويستهوي حواسك. إنها هبة الرحمن لبعض من خلقه، توسدوا ثراها، والتحفوا تضاريسها، ومنحوها ما تستحقه من معجزات الإستخلاف ومناهل العطاء.
قبة عراف
وفي قلب تلك الطبيعة المدهشة في قمم وصاب العالي محافظة ذمار؛ تبرز “قبة عراف” شامة تأريخية في محيا المعالم الخالدة، وتختزل في كينونتها رصيدا إسلاميا عريقا، وفي قلبها وقالبها هندسة معمارية قل نظيرها، وانعدم شبيهها. وبالرغم من كونها ضريحا تاريخيا شامخا، لا مسجدا أو معبدا دينيا؛ إلا أنها حافظت على حياتها وديمومتها لما تمتلكه من طفرات ساحرة في التشييد، ولمسات مدهشة في الزخرفة والبناء، ومدلولات عميقة في الألوان والنقوش، لتتربع على عرش أبرز المعالم الأثرية التي تزخر بها وصاب، وتقع على بعد “21 كم” في الشمال الشرقي من “الدن” مركز مديرية وصاب العالي.
هندسة معمارية
تتكون القبة من قاعدة مربعة طول ضلعها “9.20 م” تنتهي بشرفة يرتفع عليها مثمن قصير يرتكز على رقبة إسطوانية عليها مقرنصات، وتغطيها قبة دائرية، لها بابان شرقي يعلوه عقد دائري، والآخر جنوبي عليه عقد هلالي مفصص، كما يفتح في كل واجهة من واجهات المبنى نافذتان، وجميع النوافذ يعلوها عقود ذات ثلاثة فصوص، ويتوج عقود الأبواب والنوافذ إطار زخرفي من الأحجار الصغيرة مغطاة باللون الأسود، ويوجد في منتصف جدار القاعدة ونهايتها حزامان يدوران في كل اتجاهات المبنى، وكل حزام مكون من صفين صغيرين من الحجارة الصغيرة المغطاة باللون الأسود، ويحصر الحزامين في كل واجهة نجمتان مثمنة مزخرفة بحجارة صغيرة، ويتوسطها نافذة دائرية مفصصة، ويوجد في زوايا قاعدة القبة شرفات مثلثة الشكل، أما رقبة القبة فتتكون من صفين من الحنايا الركنية تنتهي بشرفة دائرية وتدور بها شرفات على شكل ورقة نباتية وتنتهي القبة بهلال من النحاس.
القبة من الداخل
أما من الداخل فقد استخدم جزء من القبة كمقبرة لأسرة “المثنى” حيث يوجد بها عشرة قبور، أربعة منها توجد عليها أضرحة خشبية؛ إلا أن كثيراً من أجزائها قد نهبت والمتبقي منها كثير من الزخارف قوامها أشرطة نباتية وكتابية وأشكال هندسية جميعها منفذة على الخشب بطريقة الحفر الغائر، ويوجد في الجدار الشمالي للمبنى خزانان يتوسطها المحراب استخدمتا لوضع المصاحف.
المحراب
يتكون المحراب من تجويف معقود بعقد مدبب الشكل تعلوه حلية زخرفية بارزة تأخذ شكل العقد المدبب، ويتوج المحراب عقد مفصص ذو سبعة فصوص ويزخرف الجزء العلوي من الحنية زخارف جصية تتضمن كتابات يحيط بها إطار من الزخارف النباتية والهندسية.
الطاقية
تتزين الطاقية بزخارف كتابية قوامها البسملة وسورة الإخلاص على أرضية نباتية وهندسية، وعلى جانبي المحراب حشوتان زخرفيتان تأخذان الشكل المستطيل نفذت عليها زخارف كتابية جصية، ويحيط بكتلة المحراب شريط زخرفي عريض يأخذ شكلاً مدبباً، وتزينه كتابات بخط الثلث المركب يتوسط قمة العقد عبارة “الملك لله”، ويتضمن الشريط الذي يدور حول المحراب سورة الملك: “ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوماً للشياطين”، يعلو هذا الشريط شكل آخر أصغر حجماً يتضمن نصاً قرآنياً: “إنا فتحنا لك فتحاً مبينا”، وينتهي هذا الشريط بشكل دلايات تأخذ شكل الورقة الثلاثية وأشكال الدوائر، والمنطقة المحصورة بين العقد زينت بأشكال زخرفية تنتهي من أعلى وأسفل بورقة ثلاثية، ومن الزخارف الموجودة في الحنية شريط كتابي عريض ملون يدور بجميع الاتجاهات من الداخل، وفي منتصف كل ضلع من أضلاع المبنى نافذة مفصصة يكتنفها من الجانبين دائرتان مليئتان بالآيات القرآنية والزخارف النباتية.
رقبة القبة
أما رقبة القبة فتقوم على أربع حنايا ركنية خالية من الزخارف وتتكون من صفين من المقرنصات الترسية يفصل بينها نوافذ صغيرة مصمتة ذات عقود زينت بكتابات قرآنية على أرضية من الزخارف النباتية، ويؤطره من أعلى حزام زخرفي من الشرفات التي قوامها الورقة الثلاثية، ويغطي مركز القبة آيات قرآنية، ويوجد عليها ثمان جامات موزعة على جدار القبة، وبصورة عامة فإن هذه تكتسب أهمية من الناحية المعمارية وطرازها الزخرفية البديعة، ناهيك عن الأهمية التاريخية والأثرية.