الخبر وما وراء الخبر

 لماذا نحن بحاجة لمسار انتقالي جديد؟

54

بقلم | عبدالملك العجري

بعد أن وصلوا لقناعة مطلقة بفشل الحَـلّ العسكريّ العالم كله أصبح ينادي بضرورة الحَـلّ سياسيّ في اليمن.. فما هو الحَـلّ السياسيّ الذي يمكن تصوُّرُه؟

إن أيةَ تسوية سياسيّة يُرادُ لها النجاح في إعادة تطبيع الأوضاع وإنهاء الصراع يجب تصميمُها على مقاس المشكلة وإلا فإنها مجرد إضاعةٍ للوقت والجهد؛ لذا فإنَّ تشخيصَ طبيعة الصراع في اليمن هو المدخل الطبيعي لوضع التصميم المناسب.

ما يحدُثُ في اليمن ليس صراعاً بين دولة قائمة تعملُ بكامل مؤسساتها الإدارية وَالأمنية والعسكريّة وتبسُطُ سيطرتَها على كافة مناطق البلاد وبين مجموعات ثورية أَوْ متمردة أَوْ مسلحة تنازع الدولةَ السيطرةَ على جزء صغير من أراضيها، وَيمكن تسويتُها من خلال حلول جزئية أمنية أَوْ عسكريّة مقابل تلبية مطالب المجموعات الثورية والمتمردين أَوْ من خلال الشراكة وإعادة الادماج.

ولا هو صراع بين انقلاب وشرعية منتخبة تملك تفويضاً شعبياً حقيقياً من خلال انتخابات عامة وفقاً للدستور والقانون يمكن معالجته من خلال الضغط على الانقلابيين لإعادة تسليم الحكم للسلطة الشرعية المنتخبة أَوْ من خلال انتخابات مبكرة.

ما يحدث في اليمن أعمق من هذه البروباغندا السياسيّة، فمنذ 2012م البلاد محكومة بالشرعية التوافقية باعتبارها عملية أَوْ كآلية لإدارة الدولة من خلال أكبر قدر من الإجماع السياسيّ حولها وَإعادة بناء السلطة وتصحيح مسارها، والقيام على تنفيذ جملة من المهام الانتقالية في مدة زمنية حدّدتها المبادرة الخليجية بعامين.

القياداتُ الرسمية والحزبية التي تولت مسؤولية إدارة المرحلة الانتقالية لم يكن أداؤها مستوعباً لمنطق الأزمات وتداعياتها ومخاطرها، وتعاملت باستخفاف مع التوترات وتركتها تأخذ مداها دون أي تدابير أَوْ آليات إنذار مبكر لاحتواء التصعيد، إضَافَةً لجمود وافتقادها للمرونة في إدخال تعديلات على تصميم المبادرة الخليجية للمرحلة الانتقالية لتستجيب لمرحلة ما بعد الحوار الوطني.

الرئيسُ التوافقي كان يفتقدُ للمبادرة والقدرة على خلق حالة من التوازن بين القوى السياسيّة،. وفرض مسارا مرسوما سلفاً متجاوزاً مبدأ التوافق الحاكم للعملية الحوارية فـي قضايا مصيرية واستراتيجية، غير عابئ بردود الفعل المحتملة للقوى الفاعلة، ولا بخارطة التوازنات المتشكلة، واضعاً بيضه كله فـي سلة المجتمع الدولي.

تعسف الرئيس التوافقي في استخدام الصلاحيات المطلقة التي منحتها له المبادرة الخليجية على الحكومة ومجلس النواب والعملية الحوارية غير مدرك أن المرحلة الانتقالية تدار من خلال تحقيق أكبر من التوازن بين القوى الفاعلة وليس من خلال أكبر قدر من القرارات الإدارية.

في هذه المرحلة، أنصار الله جماعةٌ ثورية لا تملك الأدواتِ السياسيّة اللازمة، بينما يمسك هادي وقوى المبادرة بكل الأدوات السياسيّة من علاقات وموارد ومؤسسات ويرفضون تمكين أنصار الله من أية أدوات ضغط سياسيّة تمكّنهم من منع أي التفاف على مخرجات الحوار وإفراغها من مضمونها ولم يكن بيدهم إلّا أدوات ثورية والقدرة على الحشد والتعبئة.

قاد أنصار الله وحلفاؤهم احتجاجات 21 سبتمبر 2014م. لم يكن من ضمن مطالب المحتجين الإطاحة بهادي، وكانت مطالبهم واضحةً ليس من بينها إسقاط النظام ولا الإطاحة بهادي، ومعلنة توسيع الشراكة والتنفيذ مخرجات الحوار والتراجع عن الإصلاحات السعرية.

انتهت الاحتجاجاتُ بتوقيع اتّفاق السلم والشراكة الوطنية الذي رحّبت به مجموعةُ الدول الأربعَ عشرة بالاتّفاق وكذلك مجلس التعاون الخليجي والأمم المتحدة والاتّحاد الأوروبي.

لم يكن ما حدث انقلاباً ولا تنطبق عليه التوصيف القانوني للانقلاب وَكل الأطراف المحلية وَالإقليمية والدولية لم تتعامل معه حينها على أنه انقلاب.

لم يكشفْ زلزال 21 سبتمبر كما أسماه المبعوث الأممي السابق جمال بن عمر عن فشل السلطة في إدارة التوافق السياسيّ كآلية لتجنب الحرب، أكثر من ذلك أظهرت كيف أوصلت قوى المبادرة الدولة لمرحلة الفشل والعجز الكامل عن أداء وظائفها في حماية مواطنيها وخروج الوحدات العسكريّة والأمنية عن سيطرتها وَفقدان الثقة بمؤسّساتها، وتحكم الخارج في شؤون الدولة الداخلية.

بحُجَّة مساعدة هادي وإعادة الشرعية، تدخّل تحالفُ العدوان واستطاع من خلال مجاميعَ من المقاتلين اليمنيين وغير اليمنيين السيطرةَ على بعض المحافظات والمدن اليمنية إلّا أن التدخلَ الخارجي تجاوز مساعدةَ هادي والقوى السياسيّة التي معه إلى إلغائها والحلول محلَّها.

أصبحت اليمن منقسمةً بين سلطة وطنية في صنعاء تسيطر على المحافظات ذات الكثافة السكانية وَبين كوكتيل من القوى والمليشيات المسلحة تتنازعُ السيطرة على المناطق الواقعة تحت الاحتلال، أما ما يسمى بالشرعية فلا تحكم شبراً واحداً من اليمن.

أمام هذا الانقسام العميق في مؤسسات الدولة العسكريّة والأمنية والإدارية وفقدانها السيطرة على كامل أراضيها، فإنّ الحديث عن حلول جزئية أَوْ ترقيعية نوع من الهروب إلى الأمام، فلم يعد الوضع قابلاً للترقيع ولا للإصلاحات الجزئية، بل يحتاج لإعادة ترميم شامل يعيد تطبيع الأوضاع وينهي الانقسام الحاصل من خلال مسار انتقالي جديد يعيد بناء وإصلاح مؤسسات الدولة وَيقوم على الشراكة في القرار والتنفيذ ويتجاوز سلبيات المرحلة الانتقالية السابقة ولا يسمح لطرف أن يستأثر بالقرار أَوْ تعطيله ويتسم بالمرونة لاستيعاب أي طارئ وَآليات إنذار مبكر بالصراع ولجان تقصّي الحقائق واقتراح البدائل لمنع الانفجار.