الخبر وما وراء الخبر

عدن ومعركة الاستقلال الثاني

98

عبدالله علي صبري


  • وبلادنا تحتفل بذكرى الاستقلال وجلاء آخر جندي بريطاني من أرض الوطن، يتعين التذكير مجددا أن الاستعمار بصورته التقليدية لم يصمد أمام تطلعات الشعوب نحو التحرر والانعتاق، بيد أن قوى الهيمنة في العالم ما كانت لتكف عن استعباد الشعوب الغافلة عن الأساليب الملتوية وغير المباشرة التي جنح إليها الاستعمار الجديد.

بل أن الأسلوب القديم والتقليدي قد عاد وأطل بأقرانه من جديد مع الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق. وتأتي محاولة الغزاة الأعراب لاحتلال عدن في هذا السياق أيضاً، ما يجعل شعبنا أمام مسئولية تاريخية تحتم على مختلف قواه العمل باتجاه مقارعة قوى الغزو والاحتلال، ونبذ المرتزقة والخونة، وإحباط المحاولات القميئة التي تستهدف كل اليمن، كما فعل أجدادنا على مر التاريخ مع مختلف الغزاة العابرين.

وبالطبع لن يكون مجديا التعلل بالانقسام السياسي الداخل، كمبرر للتهاون عن مجابهة العدوان والخطر الخارجي، فالثوابت الوطنية تحتم على كل يمني غيور أن يخلع عباءة الانتماءات الضيقة والمشاريع الصغيرة، ويرتقي إلى حجم التحديات الكبيرة المحدقة بشعبنا في حال تمكنت قوى العدوان من بسط نفوذها وهيمنتها من جديد على الشأن اليمني، لا سمح الله.

لقد عاشت اليمن نحو نصف قرن حالة من الاستقلال الظاهري، بينما كان القرار السيادي مصادراً في الشمال والجنوب، وكان للنفوذ والهيمنة السعودية سطوتها ليس على الشأن السياسي فقط، ولكنها امتدت أيضاً إلى العمق الثقافي والاجتماعي عبر خطاب ديني ماضوي جرى الترويج له في جامعاتنا ومعاهدنا وفي مختلف المنابر الدينية، حتى كادت الشخصية اليمنية الأصيلة أن تذوب في قالب ديكوري وكاريكاتوري تجلت وقاحته، حين خرجت جموع من بيننا تساند العدوان وتهتف ” شكراً سلمان”!

وتجلت سخرية المفارقة، حين تلفعت جموع متطرفة رداء (المقاومة) في وجه الجيش واللجان الشعبية، ثم هللوا ورحبوا بكل الغزاة والمرتزقة الأجانب الذين جيء بهم من شتى الأقطار، فدنسوا الأرض وكادوا أن يستبيحوا العرض، بينما سارع المرتزقة في الداخل إلى إعلان الولاء التام لحلف العدوان السعوأمريكي. ولم يخف بعضهم مستوى الانحطاط والانبطاح الذي يعيشونه، فسارعوا إلى انكار هويتهم اليمنية، وطالبوا بضم مناطقهم إلى دولة آل سعود العدوانية.

وقريبا من هذا فعل بعض المشايخ مسلوبي الكرامة، الذين استدعتهم  دويلة أبو ظبي، فظهروا في صورة مقززة تنم عن حالة الصغار والانسلاخ التي وصلوا إليها.

 غير أن المشهد المأساوي الذي ظهرت عليه قوى الخيانة والانتهازية، ليس إلا هامشاً  في سجل ناصع البياض لشعبنا الصامد والمرابط في مختلف الساحات، والذي يسطر يوماً بعد آخر اروع الملاحم والانتصارات.

إن شعباً هذا صموده وهذه بسالة جيشه ولجانه الشعبية، حقيق أن  يطهر كل شبر في أرض الوطن من رجس الغزاة ، وأطماع قوى الرجعية والتسلط والوصاية، وينتزع الاستقلال الثاني، كما فعل أبطال ثورتي 14أكتوبر و30 نوفمبر قبل 48 سنة.