العنوسة في ذمار: فتيات بين مطرقة التقاليد وسندان النصيب.
ذمار نيوز| تحقيقات | فؤاد الجنيد، الجمعة 7 ربيع الثاني 1440هـ، الموافق 14 ديسمبر 2018م.
هي نصف المجتمع ونصف دين الرجل، وهي الجناح الآخر الذي لا يستقيم طيران طائر السعادة إلا به، هي الأم والأخت والزوجة والإبنة، وهي كل تفاصيل الحياة الأنثى. كثيرة هي القوانين التي سنّت وتُسَنّ بين الفينة والأخرى، والتي تنادي في مجملها بحقوق المرأة، مطالبةً المجتمع بمنحها هامشاً أكبرَ للتعبير عن رأيها وممارسة حياتها بعيداً عن قيود العادات والتقاليد التي ما أنزل الله بها من سلطان، فضلاً عن منظمات مدنية محلية وأجنبية ما انفكت تطرح قضية تمكين المرأة في كل محفل، داعيةً إلى تجاوز النظرة الضيقة للمرأة، باعتبارها عورة ليس إلا.
زاوية مظلمة
وبين مطرقة الشعارات المنادية بتحرير المرأة وسندان مجتمع يترنح جهلاً وفقراً، تقع الفتاة في بلادنا ضحية هذه الازدواجية المتطرفة، دافعةً زهرة شبابها ثمناً لهذه الفوضى. ومن بين ركام المآسي التي تسيّج حياة المرأة اليمنية، تطلُّ “العنوسة” برأسها كظاهرةٍ اجتماعية إنسانية تحاصر النساء في مجتمع لا يريد أن يغير نظرته التقليدية للمرأة، ويأبى إلا أن يكون سلطة مطلقة، ترفض التعامل مع المرأة باعتبارها الآدمي. ظاهرة عانتْ وتعاني منها العديد من المحافظات، وهاهي تنتشر في محافظة ذمار كالنار في الهشيم، مع توقعات بتوسع دائرتها ونتائجها الكارثية.
إختلاط ومصدر دخل
باتت ظاهرة العنوسة تنتشر بصورة مخيفة، وخاصة في بيئة المتعلمات- الجامعيات والعاملات تحديداً- حتى وصل الأمر حدّ اتهام هذه الشريحة بتوسيع رقعة العنوسة، إذ بسبب الاختلاط تتغير ثقافة المجتمع تجاههن، فيبحثون عن الأميّات، وهذا ما تعانيه خريجات الجامعات، حينما يحرصن على إكمال تعليمهن، ويحصدن المراتب الأولى من بين الذكور، وبعد تخرجهن يرفضهن المجتمع، رغم أنهن مستعدات للتضحية بكل شيء مقابل أن يصبحن أمهات. من جهة أخرى يمتنع بعض أولياء الأمور عن زواج بناتهم الموظفات حرصا منهم على استغلال رواتبهن، وبذلك تصبح الفتاة مصدر دخل للأسرة على حساب سعادتها ومستقبل حياتها.
الشباب ينفون
بعض الشباب الذين هم في سن الزواج، والذين تعدوا هذا السن، ردوا الظاهرة إلى أسباب مادية، وإلى غياب الوعي بأهمية تعليم المرأة ومشاركتها الإيجابية في الحياة، ويؤكدون أنهم يحلمون بالزواج من فتاة متعلمة، ومع ذلك يرون إن أسباب العنوسة في اليمن كثيرة جداً، وأبرزها غلاء المهور، والتمييز الأسري العنصري الذي استطاع الكثير تجاوزه وبقي اليمنيون متمسكين به. كما أن هناك بعض الأفكار الخاطئة التي تعد تعليم الفتاة عاراً كبيراً؛ فغالبية الشباب يعرضون عن الزواج بالفتيات المتعلمات، وهذا يزيد استفحال ظاهرة العنوسة”. كما حمّلوا رجال الدين جزءاً كبيراً من المسؤولية؛ كونهم يتعامون عن هذه الظواهر، ويحرصون على تناول قضايا أكل الدهر عليها وشرب، منتقدين النظرة الدونية التي يتبناها البعض تجاه البعض الآخر لسبب مناطقي أو عنصري.
الزواج من خارج الإطار
يرى أغلب الناشطين أن الفقر وغلاء المهور جعل الشباب يعزفون عن الزواج من مدنهم وقراهم، ويتوجهون إلى الزواج من المحافظات الأخرى التي يطلب أولياء الإمور فيها مبلغا قليلا حسب عادات وتقاليد المجتمع في تلك المحافظات، وهذا بدوره يفاقم الظاهرة ويدفع بأعداد الفتيات العانسات إلى التزايد. بينما يرى آخرون أن ارتفاع معدل نسبة الخصوبة في ذمار ضليعا في هذه الظاهرة بسبب الأعداد الكبيرة من المواليد الإناث على حساب نسبة الذكور.
نفاق الصوت
رغم تشدق الكثير من المنظرين والإعلاميين والمثقفين بحقوق المرأة، وحرية المرأة، وضرورة تحديد سِن زواجها- نلاحظ أنهم لا يهتمون بقضاياها إلا موسمياً، بل لا يتحدثون عنها إلا بعد توجيه من منظمات خارجية وغربية، متناسين أن من حق المرأة أن تحيا في كنف زوج وتحت رعايته، ومن حقها أن تكون أماً قبل أن يطاردها اليأس، ويبقى السؤال: لماذا لم تنل ظاهرة العنوسة حقها من الدراسة والاهتمام؟، ولماذا لم يلتفت إليها المشرّعون رغم آثارها المأساوية على الفرد والمجتمع، وعلى المرأة تحديداً باعتبارها الحلقة الأضعف وصاحبة الحمل الثقيل من معاناة هذه الظاهرة.
مسك الختام
تعددت آراء الذين تحدثنا إليهم عن ظاهرة العنوسة، ولاحظنا أن الأسباب المادية تقف وراء عزوف الشباب عن الزواج في بعض المناطق، سيّما الريفية منها، بيد أن تعليم الفتاة في المدينة يعد عاملاً رئيساً في حرمانها من حقها في بناء بيتها السعيد، لجهل المجتمع وثقافته التسلطية الظالمة. ومع أن هناك من يبدي استنكاره لهذه الثقافة، ويؤكد تعاطفه مع المرأة، وحقها في التعليم، إلا أننا – للأسف- نكاد نجزم أن الجميع يتفقون أثناء تعاملهم الواقعي مع هذه القضايا، وهذا ما يضاعف المأساة ويبعث على القلق. ولعل ما يزيد الصورة رعباً تواري المجتمع ومحاولته تحاشي الحديث عن تلك الظواهر؛ خجلاً من عورةٍ لا يدرك أنها باتت مكشوفة.ومهما يكن هناك من أسباب وظروف أسستْ لهذه الظاهرة في مجتمعنا فإن الجرح واحد والضحية واحدة.