الخبر وما وراء الخبر

وفي يوم الجلاء.. سلام للإمام

351

بقلم: هاشم أحمد شرف الدين


 

يلحظ المتابع لتناولات مناسبة ذكرى يوم جلاء الجنود البريطانيين أن ثمة تغييبا كليا لدور الإمام يحيى حميدالدين ملك المملكة المتوكلية اليمنية في مواجهة المحتل البريطاني، وكونه أول من خاض حربا لتحرير عدن والمناطق الجنوبية من البريطانيين.. وهذه السطور هي محاولة لتوضيح الصورة لدى الكثير.. لقد حاول البريطانيون تبرير احتلالهم لجنوب اليمن وبقائهم فيه بالإستناد إلى معاهدة أبرموها مع العثمانيين تضمنت ترسيما للحدود في شبه الجزيرة العربية قسم اليمن لشمال وجنوب. لكن الإمام يحيى حميدالدين الذي كان حاكما على غالبية مناطق اليمن الشمالية لم يعترف بتلك المعاهدة، ولا بخط الحدود الذي رسمته كونها معاهدة بين قوتين غازيتين على أرض ليست لهما.

ومن فوره تحرك لتحرير كامل اليمن، الذي كانت أجزاؤه الشمالية “نجران وجيزان وعسير” تحت سيطرة الأدارسة المتحالفين مع البريطانيين، فيما كانت مدينة عدن في الجنوب تحت سيطرة البريطانيين..

في عام 1919م توجه الجيش اليمني جنوباً واقترب خمسين كيلومتراً من عدن بسهولة، فقصفه الإنجليز بالقنابل والطائرات في أكثر من منطقة، وطال القصف مناطق في محافظتي تعز وإب، ما اضطر الجيش للتراجع. ولم تقف مساع الإنجليز في احتلال اليمن عند حدود محمية عدن، فقد سارعوا نحو الساحل التهامي وسيطروا على الحديدة ثم سلموها لحليفهم الإدريسي في عسير عام 1920م. ثم شرعوا بالتوسع في الجنوب وضم المشيخات المتعددة المحيطة بعدن للحيلولة دون تكون اليمن الكامل على كافة الأراضي اليمنية الذي كان الإمام يحيى مصرا على استعادته. لم يتوقف الإمام بل حرك الجيش غربا لتحرير الحديدة وتمكن من ذلك عام 1926م.

كأي وطني حر شريف فقد كانت علاقة الإمام يحيى حميد الدين سيئة جدا مع المحتل الإنجليزي، فخاض حروباً لتحرير جنوب اليمن، وكان يواجه بمقاومة من قبل سلاطين الجنوب المرتبطين بالمحتل الذي كان يسندهم بطائراته الحربية ومكنته العسكرية المتفوقة في حينه.

وبينما يقوم الجيش اليمني ورجال القبائل بحروب تحرير الجنوب، كان آل سعود يوجهون قواتهم نحو مناطق اليمن الشمالية “جيزان وعسير ونجران” وصولا إلى سيطرتهم على عسير وجيزان بحلول عام 1930م. وبرغم التركيز على جبهات الجنوب تمكن الجيش اليمني عام 1932م من تحرير نجران وطرد الجيش السعودي من المنطقة. ومع وصول التوترات مع السعودية إلى مستوى الحرب العسكرية عام 1934م واشتداد خطر الأطماع البريطانية في احتلال كامل اليمن من الجهة الجنوبية، ومع وجود الفارق الهائل في الميزان العسكري لصالح قوات آل سعود وقوات سلاطين جنوب اليمن وكلاهما كان متعاهداً مع الإنجليز ارتأى الإمام يحيى حميد الدين – الذي تمكن من انتزاع اعتراف دولي بقيام أول دولة يمنية في العصر الحديث – أن يوافق على وقف الحرب عبر التوقيع على معاهدة تحتوي – ضمنيا – على تأجيل لاستكمال تحرير اليمن من آل سعود ومن البريطانيين عدة سنوات، فكان أن تم توقيع معاهدة الطائف في 1934م، ومعاهدة أخرى في العام نفسه مع البريطانيين، إذ نصت المعاهدة بين الإمام والإنجليز على ضرورة تجديدها كل أربعين سنة ومع بن سعود كل عشرين سنة.

لنا أن ندرك كيف سارع المحتل البريطاني لمواجهة مساعي الجيش اليمني لتحرير اليمن من خلال ملاحظة سلسلة من الإجراءات التي نفذها تباعا منها: أولا: توسيع الاحتلال البريطاني في الجنوب، بعد أن كان وجوده مقتصرا على محمية عدن التي كانت جزءا من الهند البريطانية من 1839 بداعي حمايتها من المحررين الشماليين.

ثانيا: بدء إنشاء تشكيل عسكري نظامي جنوبي. ويكفي أن نعلم حقيقة أن الانجليز لم يسعوا لتكوين جيش يمني في عدن ومحيطها إلا عندما استقل اليمن الشمالي من العثمانيين مباشرة، إذ لم يتقرر إنشاء أول تشكيل عسكري نظامي في ظل الاحتلال البريطاني إلا عام 1918م أي بعد مضي 79 عاماً على الاحتلال، حيث تم إنشاء جيش محلي تحت مسمى “الكتيبة اليمنية الأولى” إلى جانب قوات الاحتلال البريطانية. وهنا نلمح بوضوح ما الدور الذي أناطه البريطانيون بهذا التشكيل العسكري، وهو جعل اليمنيين يتحاربون فيما بينهم عبر جيشين لشعب واحد. إذ استمرت السلطات البريطانية بإنشاء عدد من القوات النظامية المحلية في أكثر من منطقة من مناطق الجنوب، وعملت هذه الوحدات على محاربة الجيش اليمني القادم من الشمال، أي أنها خدمت المحتل البريطاني وحاربت نيابة عنه، وحالت دون تمكن الجيش اليمني من دحر المحتل البريطاني من الجنوب، إلى أن توقفت المعارك عام 1934م بتلك المعاهدة التي اشترط تجديدها كل أربعين سنة..

إن اقتصار تناولات يوم الجلاء ومسيرة التحرر من المحتل البريطاني على الأعمال الثورية التي بدأت في الرابع عشر من أكتوبر 1963م وانتهت في الثلاثين من نوفمبر 1967م لهو اجتزاء للتاريخ لا نحسبه عفويا.. فتغييب دور الجيش اليمني والإمام يحيى حميدالدين في النضال من أجل تحرير اليمن من الاحتلال البريطاني لا يمكن أن يكون عفويا أو غير مقصود، وإنما هو عمل مدروس ومخطط يهدف إلى فصل حلقة من حلقات تاريخ اليمن حيث واحدية الشعب اليمني والأرض اليمنية، ويأتي كمحاولة لتكريس واقع تشطيري في وطن واحد..

ومضة: سلام الله على الإمام يحيى، وعلى كل المجاهدين الذين واجهوا المحتل البريطاني حتى تم دحره من الأرض اليمنية، وسلام الله على قائد ثورة اليوم وقائد التحرير السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي وعلى جيشنا اليمني ولجاننا الشعبية الذين يخوضون معركة تحرير اليمن من الغزاة المحتلين الجدد.. والله من وراء القصد.