الذي لا زال يراعي مقاماً معيناً سيهبط إلى الحضيض، ويتجاوزه الناس، ويعتبر خاسراً في الدنيا وفي الآخرة.
ذمار نيوز | من هدي القرآن 18 ربيع أول 1440هـ الموافق 26 نوفمبر، 2018م
{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} (الأنعام53) الله هو الذي يعلم، إن الله يعلم بالشاكرين المستجيبين، لا يبحث عن كبار الشخصيات، وكبار التجار من أول يوم؛ ولهذا يخاطب المؤمنين جميعاً، هو لا يقول يا أيها الرئيس، يا أيها الوزراء، هل هو يخاطب بالشكل هذا؟ يا أيها القادة والضباط؟ يخاطب المؤمنين جميعاً، وهو أعلم بالشاكرين.
فالفئة هذه في الأخير يقولون {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا}، يعني مثلما نقول ليسوا جديرين بأن يمن عليهم، لو يريد أن ينصر دينه لبحث للناس الأقوياء الشجعان، يبحث عن ذلك الذي في الطائف، وذلك الذي في مكة، ألم يقولوا هكذا من البداية؟ {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (الزخرف من الآية31) أنه لا بأس ذلك القوي إذاً يستجيب وسيظل قوياً؛ ولهذا تلاحظ كيف كان عمل رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، هل هو يحاول أن يحط أحداً من مقامه؟ لا، لم يكن يحاول أن يحط أحداً من مقامه، لكن أسلم وإلا ستنحط أنت، استجب وإلا فستنحط، وسترى من تقول {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا}، أنت ستراهم فوق، وهذا الذي حصل في تاريخ الإسلام، في بدايته، في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله).
فهي فتنة للطرفين {فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا}، هذه واحدة بالنسبة للمستكبرين، أصحاب النفوس المتكبرة، وفتنة للناس أنفسهم الذين يرون أنفسهم أنهم من عامة الناس، من المواطنين ـ الذين يسمونهم ـ من [الرعويين، رعوي] على تعبير أهل صنعاء، أنهم هم يجب أن يكونوا واثقين بالله، ويعرفوا بأنهم معتزون بعزة الله؛ لأنهم ليسوا بحاجة إلى أولئك إذا لم يرضوا أن يستجيبوا، لسنا بحاجة إليهم.
ولهذا كان السبق، فضيلة عظيمة، السبق؛ لأنه قد يكون في معظم المراحل تبدأ الأشياء بناس مستضعفين فقراء، ناس يراهم الآخرون لا يملكون شيئاً، حتى من هم مؤمنون بقضيتهم لا يتفاعلون معهم، يكون عندهم [ماذا يمكن أن يعملوا؟!] أليسوا يقولون هكذا؟ [عمل باهر لكن ماذا يمكن أن يعملوا؟!]، أليسوا بحاجة إلى أن يفهموا الآيات هذه، الله يقدم الموضوع بأنه هو وراء كتابه، وبعد هداه، هم يرونهم [ناس باهرين وشباب طيبين وباهرين لكن ماذا يمكن أن يعملوا؟ ماذا سيعملون؟!] لكن إذا أنت فاهم، ادخل معهم، والثاني يدخل معهم، وحاولوا تدخلون معهم حتى يستطيعوا يعملوا شيئاً، لكن يقول [هؤلاء ماذا يمكن أن يعملوا] وجلس هناك، جلس هناك خارج، وقد صار يعتبرهم أنهم لن يعملوا شيئاً، ولا هم ناجحين في شيء، وجلس هناك بعيداً عنهم، أليس هنا ستفوته فضيلة السبق؟ لأن السبق يقوم على أساس إيماني بحت، السبق عادة يقوم على أساس إيماني خالص، أما وقد صار الناس قوة جبارة، أما وأنت قد صرت تلمس نجاحات كبيرة تنطلق معهم، هذا هو طبيعي بالنسبة لك ولغيرك، لكن في البداية يكون الناس في وضعية قد يكون الاحتمال، بل ربما يكون الكثير قاطعين بأنهم لن ينجحوا في أعمالهم، لا ينطلق إلا من هم ماذا؟ من يسمون سبّاقين، وفي نفس الوقت لاعتبار إيماني بحت، ليس من أجل أننا قد أصبحنا قوة، أو من أجل أن قد معنا، أو من أجل قد يستطيعون، أو أشياء من هذه، لا، ثقة بالله، ويجب أن ننطلق على هذه الطريقة؛ لأن الله هكذا أراد منا أن ننطلق عليها.
وإذا خسر الإنسان مرحلة السبق، فلا تتعوض؛ لأن السبق هو مرتبط بمرحلة وقتية من الزمن، وقتية، أنت لا تستطيع أن تعيد عجلة التاريخ؛ ولهذا قال {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} (الحديد من الآية10)، قبل فتح مكة، {أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}، لكن لو تعمل ما تعمل لا تستطيع أن تعمل تلك النقلة، تلك مرحلة مرت. وهنا يؤكد في تربيته للناس على أن يكونوا سباقين ومسارعين، ثم يذكر فضيلة السابقين، {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ} (الواقعة10 ـ 11).
الله سبحانه وتعالى هكذا يتعامل مع عباده {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ}؛ لأن الله هداه هو يعتبره نعمة، ويعتبره فضلاً، فهؤلاء هم الجديرون بأن يعطوا هذا الفضل، وهذه النعمة؛ لأنهم سيشكرونها، وأنت ابقَ هناك، انتظر هناك، يتكبر يجلس هناك، ما هو متنازل لما ما يدري إلا وانحط إلى آخر درجة، وضاع، وتهمش تماماً.
كان يدخل في أيام رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، كان يأتي بعض الوفود، شخصيات، زعماء عشائر واحترمهم وقدرهم، وأسلم، وأعاده إلى منطقته، لا يقول له ابعد عن مقامك، هل كان يقول له هكذا؟ لا. إذاً أليس هنا يحصل الإنسان على تكريم؟ تكريم في الدنيا وفي الآخرة، لكن متى ما تمسك يقول أبداً .. ، ما زال يراعي مقاماً معيناً عنده، في الأخير يهبط إلى الحضيض، ويتجاوزه الناس، ويتجاوزه الزمن، والتاريخ، ويعتبر خاسراً في الدنيا وفي الآخرة.
لاحظ كيف الرعاية الإلهية بالنسبة لهؤلاء المستضعفين الذين يحتقرهم الآخرون، يذكر الباري بأنهم محط عناية ورعاية إلهية، {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنَا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الأنعام54)، أليس هذا رفعاً لمعنوياتهم، التفاتة إلهية مباشرة إليهم مقابل إعراض الآخرين، وكبريائهم، والذين ينظرون إليهم بأنهم لا يمثلون شيئاً {أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا} ألم يأت بالتفاتة مباشرة إليهم؟ ويأمر رسوله هكذا أن يقول {سَلامٌ عَلَيْكُمْ}، إذا أنتم ترون الآخرين يحتقرونكم لا تظنوا أنه ربما فعلاً نحن في واقعنا محط احتقار حتى عند الله، لا، لاحظ هذا مما يدل على أنكم محط تكريم ورعاية إلهية.
{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ} (الأنعام55) يبين الباري في القرآن كل شيء، يبين لك طريق المؤمنين، طريق الحق، وسبيل المجرمين، تشخيصهم في نفسياتهم، تشخيص رؤاهم، تشخيص أعمالهم.
[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
دروس من هدي القرآن الكريم
[الدرس الخامس والعشرون]
ألقاها السيد حسين بدر الدين الحوثي / رضوان الله عليه.
بتاريخ 25 رمضان 1424هـ
الموافق 19112003م
اليمن ـ صعدة