الخبر وما وراء الخبر

تمويلٌ أمريكي وسعودي ومسانَدة إِخْوَانية لنظام صالح بغرض إيقاف الصرخة “قِصْـةُ الحربِ الأُولى على صَعْـدَةَ”

312

تقرير/  خاص:

إكتَوَت صَعْـدَةُ بِسِتِّ حُرُوْب مضت أكلت معها الأخضرَ واليابسَ، وخلفت وراءها مآسيَ كثيرةً ما تزالُ آثارُها شاهدةً إِلَى اليوم.

وعلى الرغم من مرور عشر سنوات على بداية الحرب الأولى في صَعْـدَةَ، إلا أن الكثيرَ من الناس يجهلون حقيقةَ ما جرى، وغيرَ مستشعرين المظلوميةَ الكبيرةَ التي لحقت بأبناء المحافظة، والسببُ في ذلك مرجعُه إِلَى النظام السابق الذي مارَسَ سياسةً إعلامية تضليلية واسعة ضد من أسماهم “الحوثيين”، بالتزامن مع حملات عسكرية قاسية لم ترحم طفلاً ولا شيخاً ولا امرأة.

قبلَ الحرب الأولى على صَعْـدَةَ بدأ السَّـيِّد حسين بدر الدين الحوثي دعوتَه على خلافِ بقية العُلماء الآخرين، فهو لم يقتصرْ على الخطب والمواعظ فقط، وإنما تطرق إِلَى السياسة، مستشعراً الخطر الأمريكي المحدق على الأمة العربية في ذلك الوقت.

عقبَ أحداث الـ 11 من سبتمبر الشهيرة في أمريكا عام 2001، حركت أمريكا أساطيلَها نحوَ المنطقة العربية والإسلامية تحتَ مسمى «محاربة الإرهاب»، وفي ذلك الوقت خضع الحكام العربُ جميعُهم وأدانوا بالسمع والطاعة للبيت الأبيض، فيما مضى الرئيسُ الأمريكي بوش الابن بشن حُرُوْبه القذرة ابتداءً بأفغانستان ومن ثم العراق.

وفي ظل هذه الأحداث، كان السَّـيِّد حسين بدر الدين الحوثي يُدرِكُ تَمَاماً غَرَضَ هذه الحملة، ودوافعَها ومغزاها، مؤكداً أنها جاءت كمبرر وذريعة لضرب الشعوب الأخرى تحت عنوان (مكافحة الإرهاب)، لذا حاول السَّـيِّدُ إعادةَ تصحيح المسار للأمة، وتعريفها بالعدو الحقيقي وبالمغزى الحقيقي لأمريكا التي تسعى للهيمنة على الشعوب العربية والإسلامية، فكان يومُ الخميس الموافقُ السابع عشر من يناير من العام 2002 هو بدايةَ الانطلاقة، ورسمِ خارطة النضال، وفي هذا اليوم بدأ السَّـيِّدُ في رفع شعاره المعروف.. (اللهُ أكبر، الموتُ لأمريكا، الموتُ لإسرائيل، اللعنةُ على اليهود، النصرُ للإسلام)، معتبراً أن الصرخةَ شرَفٌ عظيمٌ لأيِّ شخصٍ، ومؤكداً لأتباعه أنها لن تكونَ في مكان واحد وإنما في كــُــلِّ الأمكنة.

 

التحرُّكُ السلمي

كان السَّـيِّدُ حسين بدر الدين الحوثي يُدرِكُ تَمَاماً أن مشروعَه الفكريَّ ستعتريه الكثيرُ من المشاكل، ولم يكد يمُرُّ عامٌ واحدٌ على تبنيه الشعارَ المناهضَ لأمريكا وإسرائيل حتى رُفِعَ على جُدران المباني والمؤسسات الحكومية وفي وسائل المواصلات المختلفة وفي البيوت، وأصبح الطلابُ يرددونه في العديد من المدارس بأمانة العاصمة فضلاً عن غيرها من المناطق.

كان الأسى يتملَّكُ الشهيدَ القائدَ من حال العرب الذي وصلوا إليه، فيقولُ لطلابه:» نحن كعرب، كمسلمين أصبحنا فعلاً تحتَ أقدام إسرائيل، تحتَ أقدام اليهود، هل هذه تكفي إن كنا لا نزالُ عَرَباً، إن كنا لا نزالُ نحمِلُ القرآنَ ونؤمنُ بالله وبكتابه وبرسوله وباليوم الآخر، لتدفعَنا إِلَى أن يكونَ لنا موقفٌ».

قبلَ حرب صَعْـدَةَ الأولى، واجَهَ السَّـيِّدُ حسين بدر الدين الحوثي تحركاتٍ كثيرةً لإيقاف هذا المشروع، كما سبقتِ الحربَ زيارةٌ للسفير الأمريكي آنذاك بصنعاء أدموند هول إِلَى سوق الطلح بصَعْـدَةَ، وقيامُه بشراء السلاح بمبالغَ مغرية، وفي تلك الأثناء عقد السفيرُ الأمريكي اجتماعاً مغلقاً مع محافظ صَعْـدَةَ العميد/ يحيى العمري، وبعدها كلَّف المحافظ حملةً عسكريةً لمسح الشعارات وإزالتها من السيارات والبُيُوت والطرقات، كما قامت السلطةُ باعتقال كــُــلّ مَن يردِّدُه.

كان منطقُ السَّـيِّدِ أن «الناسَ لهم حُرية التعبير، وأن الدِّينَ يفرضُ أن تعملَ أيَّ عملٍ ينالُ من العدو، يعرقلُ خطط العدو، يؤثر على العدو، ثم باعتبار البلاد دستورها، قوانينها، تبيح للناس أن يعارضوا السلطة، ولهم الحق أن يصلو إِلَى السلطة بالطرق الديمقراطية!! إذا لا يوجد أي مبرر وأي مسؤول ما له حق أن يتصرفَ كيفما يريد، ويمنعَ الناس كيفما يريد).

وعلى الرغم من حملات الاعتقلات ومسح الشعار من أكثر من مكان إلا أنه كان ينتشرُ سريعاً في القرى والأرياف، وفي المدن، والمساجد.

كانت تعليماتُ القائد الشهيد لتلاميذه ألا يدخلوا في مهاترات مع الناس بسبب الشعار، وكان أتباعُ السَّـيِّدِ حسين يكبِّرون ويتلقون الضربَ المبرحَ وتكميمَ الأفواه والشتائمَ الجارحة دونَ أدنى مقاومة تُذكر.

توسَّــعَ نشاطُ السَّـيِّدِ الشهيدِ إِلَى أمانة العاصمة، وتحديداً في الجامع الكبير بصنعاء، فكان أتباعُ السَّـيِّدِ يصرخون بالشعار عقبَ كــُــلّ صلاة جُمَعَة، غير أنهم سَرعانَ ما تعرضوا للضرب والتنكيل وللاعتقال حتى وصل عددُهم إِلَى 800 معتقل.

كان أتباعُ السَّـيِّدِ حريصين على دخول الجامع الكبير بصنعاء بدون سلاح حتى (الجنبية) حتى لا يشك في سلمية نشاطهم، وفي كــُــلّ جمعة كان يزداد أعداد المُكَبِّـرِين القادمين إِلَى الجامع الكبير، وقد دلَّت الإحصائيات أنه كان عددُ المُكَبِّـرِين في الجمعة الأولى عشرةً، ثم يكون في الجمعة المقبلة خمسة عشَرَ، أو عشرين، وبات أمامَ المسجد كــُــلّ جمعة طقم عسكري كانت مهمتُه اعتقالَ المُكَبِّـرِين وإيداعَهم السجونَ.

بدأ نظامُ الرئيس صالح تضييقَ الخناق على أتباع السَّـيِّد حسين بدر الدين الحوثي، فأوقف مرتباتِ أكثر من 60 مدرساً، وأغلق المدارس التي يتم فيها ترديدُ الشعار، واعتقَل العشراتِ من المُكَبِّـرِين، كما قامت السلطة بنقل 400 مدرساً في صَعْـدَةَ إِلَى محافظات نائية، وسخر المحافظ العميد يحيى العمري محافظ صَعْـدَةَ آنذاك ومدير الأمن السياسي يحيى المراني كــُــلَّ امكانياتهم لمحارَبة الشعار وأتباع السَّـيِّد حسين بدر الدين الحوثي.

وإزاءَ كــُــلِّ هذه الممارسات القمعية بحق أنصارِ السَّـيِّدِ حسين، إلا أنه كان حريصاً على السلمية في دعوته، داعياً أنصارَه إِلَى الصبر والثبات، حتى يؤيدَهم اللهُ بالنصر المبين.

مورست بحق المُكَبِّـرِين صنوفاً شتى من التعذيب، وسوء المعاملة، وعدم السماح لأهالي المعتقلين بزيارتهم، وكان المعتقلون يتساءلون أمام السجان: لماذا هذا التعذيب الذي يطالهم، هل ارتكبنا جرماً.. هل مارسنا جريمة؟ إلا أن السجَّانين كانوا يردون عليهم بأن هناك توجيهاتٍ عليا بذلك.

 

شرارةُ الحرب

سبَقَت بدايةَ حرب صَعْـدَةَ الأولى زياراتٌ مكثفةٌ للرئيس السابق علي عَبدالله صالح إِلَى الولايات المتحدة الأمريكية، ففي نوفمبر عام 2001 قام الرئيس صالح بزيارة أمريكا، حيث أشادت واشنطن بتعاوُن الـيَـمَـن في مكافحة الإرهاب، وحينها أَكَّدَ الرئيسُ الأمريكي بوش حرصَ بلاده على دعم الحكومة الـيَـمَـنية، مضيفاً أن الـيَـمَـنَ شريكٌ في مكافحة الإرهاب ويعوَّلُ عليه دورٌ كبيرٌ في دعم الجهود المبذولة لمواجهته.

وعقبَ زيارة صالح لأمريكا توالت الوفودُ العسكرية الأمريكية إِلَى صنعاءَ، كما نشط السفير الأمريكي في زياراته للمحافظات الـيَـمَـنية والتقائه بالمَشَايخ القبليين وافتتاحه العديدَ من المراكز الصحية، بالتزامُن مع نشاطه المعتاد بشراء الأسلحة من المواطنين بأسعار باهظة وبمباركة من الحكومة الـيَـمَـنية.

بدأ التحريضُ على السَّـيِّد حسين بدر الدين الحوثي في المعسكرات وبدأت التعبئةُ ضد المشروع القرآني الذي اعتمدَه السَّيِّدُ، وبدأت الحكومةُ حربَها الإعلامية ضد السيد، مستخدمةً آلةً إعلاميةً كاذبةً ومخادعةً ولتضليل الرأي العام وتهيئته لتأييد الجيش في أي تحرك عسكري ضده.

وبشكل مفاجئ وغريبٍ بدأت الآلة العسكرية الـيَـمَـنية قصفَها على منطقة مَرَّان وما جاورها، وفي صباح يوم الأحد 18/6/ 2004 دشَّنَ النظام حرباً عُدوانيةً طالت كــُــلَّ مقومات الحياة في ظل صمت محلي ودولي رهيب، وتعتيم إعلامي مدروس تجاه الانتهاكات والجرائم البشعة التي تُرتكَبُ بحق أبناء المنطقة، مما ينـُـمُّ عن تواطؤ إقليمي ودولي يدُلُّ على حجم المؤامرة ويكشف زيفَ ادعاءات الديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير.

ولم تُخفِ الإدارة الأمريكية ضلوعَها في هذه الحرب الآثمة، عندما نشرت سفارتُها في صنعاء وبعد أن طالت فترةُ الحرب بلاغاً صحفياً أعلنت فيه دعمَها للحكومة ودعت الـيَـمَـنيين بالوقوف مع النظام في حربه على الحوثيين.

ويتضحُ بجلاء وقوفُ أمريكا خلف الحرب الدائرة في صَعْـدَةَ، من خلال تصريحات السفير السابق أدموند هول حيث قال:» إن ما يقومُ به الحوثي هو تمرد مجموعة محدودة ضد الحكومة، ومن المهم السيطرة عليها، وما تقوم به الحكومة واضح ومقبول، وإن تواجدَ مجموعة مسلحة تقف خارج القانون وخارج سيطرة الحكومة أمر مرفوض، والحكومة الـيَـمَـنية تستحق فعلاً دعماً من المجتمع الدولي».. السفير الأمريكي أدموند هول في مقابلة مع صحيفة 26 سبتمبر 22 يوليو 2004.

في الخضم كان الجيشُ يتحرَّكُ إِلَى مران، فحاصرها من كــُــلّ الجهات، وتحرك عدد كبير من الجنود، من ثمانية وعشرين لواء عسكرياً، أكثر من ثلاثين ألف مقاتل من الجيش الـيَـمَـني، وأربعة عشر ألف من المرتزقة، طوقوا مران، واستهدفوها بكل عتادهم العسكري، بكل ما فيها: الطفل، الكبير، المرأة، الرجل، ليس مهما عندهم.

وأعطى النظام السابق مهلة 48 ساعة كمهلة للقضاء على السَّـيِّد وأتباعه، غير أن المهلة طالت كثيراً، وفي الأيام الأولى للحرب تمكن أنصار السَّـيِّد من أسر عدد من الجنود، فأبلغوا السَّـيِّد بالأمر، فقال لهم: هل منكم ضحايا؟. قالوا: لا. فقال: أطلقوا سراحهم، وأخبروهم أننا لا نريد قتالهم، وأنهم ليسوا أعداءنا.

خلال الحرب الأولى أرسل النظامُ السابقُ العديدَ من الوساطات لإقناع السَّـيِّد حسين بدر الدين الحوثي بالتخلي عن الشعار مقابل إيقاف الحرب، غيرَ أن جميعَ الوساطات فشلت، والسببُ الرئيسُ في فشلها عدمُ وفاء النظام السابق بوعده، وعدم احترام لجان الوساطة، التي سعت إِلَى إنهاء الحرب.

إستمرتِ الحربُ الأولى ثمانين يوماً وانتهت باستشهاد السَّـيِّد حسين بدر الدين الحوثي في جَرْفِ سلمان ونُقِلَ عددٌ من أبنائه وأفراد عائلته إِلَى صنعاء.