يُحرم قتل الإنسان فضلاً عن المسلم الموحد
العلامة عدنان الجنيد
〰〰〰〰〰〰〰〰
إنَّ الأساس الذي قام عليه المذهب الوهابي هو تكفيرُه لعباد الله، ولم يكتفِ عند هذا الحد، بل استباح دماءَ المسلمين، فمنذ الاتفاق المشؤوم بين محمد بن عبدالوهاب (مؤسس المنهج الوهابي التكفيري الداعشي) وبين محمد بن سعود سنة 1160 هجرية والذي كان حاكم الدرعية (بلاد مسيلمة الكذاب)، آنذاك بدأوا من ذلك الوقت باستباحة دماء المسلمين، فقاموا بغزو القرى والقبائل في الحجاز واليمن والعراق، فقتلوا النساء والأطفال وسبوا النساء؛ بحجة أنهم كفار ومشركون، وكل من لم يدخل في دين محمد بن عبدالوهاب يتم قتله ويُنهب ماله وتُسبى نساؤه، وهكذا ظلوا يقترفون الفواقرَ العظام والجرائم الجسام في حق المسلمين عشرات السنين، واستخدموا في قتلهم المسلمين شتى الوسائل الوحشية من قطع للرؤوس وسحل وإحراق للجثث، وما تفعله دواعشهم اليوم إلا صورة لما فعله مشايخهم الوهابية بالأمس، ومن يقرأ تأريخ آل سعود لا سيما تأريخ نجد لَسوف يدرك صدق ما قلناه، فمن هذه الكتب كتاب (تأريخ نجد) لمحمود شكري الألوسي وَ(خلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام) لأحمد زيني دخلان مفتي الشافعية آنذاك وَ(الصواعق الإلهية في الرد على الوهابية) لسليمان بن عبدالوهاب شقيق محمد بن عبدالوهاب وغيرها من كتب الردود التي كشفت حقائق آل سعود ومذهبهم الوهابي.. وأنا الآن لست بصدد سرد تأريخ آل سعود أو تأريخ جرائم الوهابية، ولكن ما أريدُ قوله هو أنهم قاموا بتكفير عباد الله واستباحوا دماء المسلمين من ذلك الوقت إلى يومنا هذا وهم بهذا خالفوا كتاب الله وسنة رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- وخالفوا علماء الأمة المحمدية السابقين واللاحقين.
قال تعالى: (ولا تقتلوا النفسَ التي حرَّمَ الله إلا بالحق) [151 الأنعام].
وقال تعالى: (من قتل نفساً بعير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)[32 المائدة].
ولم يكتفِ الحقُّ تعالى عند هذا الحد بل حثَّنا على الإحسان والمَبَــرَّة إلى المشركين الذين لم يقاتلونا ولم يسعوا في مؤاذاتنا، قال تعالى: (لا ينهاكم اللهُ عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرُّوهم وتُقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) [8 الممتحنة] ومعنى هذه الآية: لا ينهاكم الله بقوله (لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) عن أن تحسنوا وتعاملوا بالعدل الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم؛ لأن ذلك منكم إقساط، والله يحب المقسطين.
وأما من قال بأن هذه الآية منسوخة بقوله (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم..) فليس بصحيح؛ لأن هذه الآية التي زعموا بأنها ناسخة تعني الحربيين الذين حاربوا سيدَنا رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – ونصبوا له العداءَ طوالَ عشر سنوات وهي من سورة التوبة جاءت بعد أن برِئ الله ورسوله من المشركين الذين نقضوا العهود والمواثيق التي عقدها معهم رسولُ الله – صلى الله عليه وآله وسلم -، فأمهلهم الله تعالى أن يسيحوا في الأرض أربعة أشهر أحراراً آمنين علَّهم يعودون إلى حظيرة الإسلام ويتركون ما هم عليه من إبطان الشرك..
هذا ولم يتم قتل أحد من المشركين؛ لأنه لم تمضِ أربعةُ الأشهر إلا وقد أسلموا وأقاموا الشعائر الإسلامية، وإذا كان كذلك فكيف يقولون بأن هذه الآية ناسخة لآية الممتحنة؟ إذاً فهذه الآية جاءت في ظرف معين وانتهى، كذلك الأمر بقتال المشركين في هذه الآية مبين على كونهم هم الذين بدأوا المسلمين بالقتال ونكثوا عهودهم قال تعالى: (أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) [13: التوبة]، كذلك نجد في كتاب الله بأنه تعالى أمَــرَ المسلمين بقتال من قاتلهم في أكثر من آية كقوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا…)، فلم يأمر الله تعالى المسلمين بقتل من خالفهم من أهل الديانات أو من سالمهم من بني الإنسان، كما يظنه من لا فهم له في كتاب الله، وأما الآية – السابقة – والتي أوردناها واستشهدنا بها فهي تشمل أهل الذمة والمعاهدين والمسالمين وليس الحربيين، فإذا فهمت ذلك فلا نسخ.
من هذا تعلم بأن الله تعالى أمر المسلمين أن يُحسنوا إلى المشركين الذين لم يقاتلوهم ولم يخرجوهم من ديارهم، ومعلومٌ أن لفظ المشركين – كما ذهب إليه المفسرون – خاصٌّ بعبَّاد الأوثان والأصنام؛ لأن لفظ المشرك يتناول مَن اتخذ مع الله إلهاً آخر، وإذا كان كذلك فكيف يقتل المسلم أخاه المسلم؟ مع أن المسلم الموحِّد من أهل الجنة حسب ما جاء في الحديث، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحَيهما عن عثمان بن عفان أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ قال: (مَن مات وهو يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة).
قلت: وهذا ظاهرٌ بأن مجرد العلم بالوحدانية موجبٌ لدخول الجنة فكيف بعد هذا يُكفَّر المسلمُ الموحِّد ويُستباح دمه؟! وجاء ـ أيضاًـ في صحيحَي البخاري ومسلم بالإسناد إلى المقداد بن عمرو أنه قال: (يا رسول الله أرأيت إن لقيتُ رجلاً من الكفار، فاقتتلنا فضرب إحدى يدَيّ بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمت لله، أأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: (لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال).
قلت: فانظر بربك أيها المنصف إلى هذا الحديث وإلى أيِّ درجة بلغ في احترام الإسلام وأهله.. لقد قضى بأن المقداد على سوابقه وبلائه في الإسلام لو قتل ذلك الرجل لكان بمنزلة الكافرين وكان المقتول بمنزلة واحد من أعاظم السابقين في الإسلام فليتقِ الله الذين يفتون بتكفير مخالفيهم، ويستبيحون دم أهل لا إله إلا الله.
وأصرح من هذا الحديث ما أخرجه البخاري ومسلم عن أسامة بن زيد قال: (بعثنا رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلى الحرقة فصبّحنا القوم فهزمناهم ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم، فلما غشيناه قال: لا إله إلا الله، فكف الأنصاري عنه فطعنته برمحي حتى قتلته، فلما قدمنا بلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك فقال: يا أسامة أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ قلت: كان متعوذاً. قال: فما زال يكررها حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)ـ
قلت: لا يخفى ما في كلام أسامة من الدلالة على أنه كان يخاف أن لا يُغفر له، ولذلك تمنّى تأخر إسلامه عن هذه الخطيئة ليكون داخلاً في حُكم قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (الإسلام يجبُّ ما قبله)، وناهيك بهذا دليلاً على احترام لا إله إلا الله وأهلها، … وإذا كانت هذه حال من يقولها متعوِّذاً فكيف بمَن قالها معتقداً بها ومؤدياً الصلاة المكتوبة ومتوجّهاً للقبلة المشهودة ومخرجاً الزكاة المفروضة ومؤدياً لبقية أركان الإسلام؟!.
روى البخاري بسنده قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله سلم ـ: (مَن شهد أن لا إله إلا الله واستقبل قبلتنا وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ما للمسلم وعليه ما على المسلم) وفيه ـ أيضاًـ بالإسناد إلى أنس قال قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته).
ومعلومٌ بأن جميعَ المذاهب الإسلامية الشيعية والسنية كلها تؤدي شعائرَ الدين وكلها متفقةٌ على أصول الدين وإن اختلفت في فروعه، وبهذا يحرم تكفيرُ وقتل أي مسلم بأي مذهب كان قال تعالى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ…)، أي فلا تكفِّروا ولا تقتلوا أخاكم الإنسان الذي ألقى عليكم تحية السلام فلا تُكفِّروه ولا تقتلوه بذريعة أنه ليس مؤمناً من أجل حطام الدنيا الزائل أو من أجل أن تحصلوا على ما معه من مال، فإن الله يغنيكم عن قتله إن انتهيتم عن قتله وتكفيره.
فكيف بعد هذا يقوم الوهابيون بتكفير المسلمين ويستبيحوا دماءهم؟!
إن آل سعود الوهابيين مع دواعشهم في الداخل يعتقدون بكفر الشعب اليمني قاطبةً؛ بسبب أن الشعب اليمني شعب محافظ على إسلامه وإيمانه ومحافظ على شعائره الإسلامية، وهو شعبٌ -أيضاً – متفانٍ في محبة الرسول الأعظم- صلى الله عليه وآله وسلم – ومعظّم له، ولهذا تراه يقيم الاحتفالات الدينية والمناسبات المحمدية ويعظّم أولياء الله ويزور أضرحتهم ويقيم حولياتهم السنوية و….
وكل هذه الأمور بنظر الوهابيين أمور شركية كفرية يحل دم صاحبها ومن يؤمن بها فضلاً عمن يفعلها..
ولهذا قام آل سعود بصبّ جَامَ غضبهم على قتل الشعب اليمني بدم بارد مستعينين بالاستكبار العالمي وبدول التحالف..
وإني من هذا المنبر الفكري الحر أهيب بكافة العلماء والدعاة وخطباء المساجد أن يكثفوا جهودهم ويشمروا عن سواعدهم بالقيام بواجبهم وذلك بتوعية الناس عبر جميع الوسائل المرئية والمسموعة والمقروءة.. بتوعيتهم بخطر المنهج التكفيري الداعشي الوهابي، وما هذه الحرب السعوأمريكية إلا ثمرة هذا المنهج الوهابي الشيطاني، وصدَقَ شيخُ الصوفية عندما وصفهم بقصيدة له أسماها بالمنافقين وذلك في الثمانينيات قال -قدس الله سره -:
يا سبتُ حدِّثْ عن يهودِ الجمعةِ
الناشرين ضلالَهم في الأمةِ
العالمين الجاهلين بدينهِمْ
الباغضين الصالحين بشدةِ
الخارجين عن المذاهبِ كلِّها
وعن العقائد ما انتهوا بعقيدةِ
الجاعلين من الكوافي واللحا
رمزَ الكتابِ ومظهراً للسنةِ
يبكون إذما يخطبون بمنبرٍ
ويكفرون إمامَ تلك القبلةِ
لم يسلموا إلا لكي يتهجموا
بالمسلمين ويعبثوا بالملةِ
لولا الريالُ لما تنسك واحدٌ
منهم ولا صلّى لوجه الكعبةِ
هم عصبةُ الشيطان بل هم قرنُهُ
وقرائنُ النزواتِ الإبليسيةِ
والسبتُ شيمتُهم فإن وجد امرؤٌ
ذا جمعة فلعلة لم يسبتِ