من نشور إلى نشور
بقلم/ صلاح الدكاك
قبلَ عقدٍ ونصف عقدٍ كانت أجهزةُ السلطة العسكريّة والأمنية وطائراتها وعَسَسُها وكلابها تطاردُ شاباً في الخامسة والعشرين من عمره يعاني من نوباتِ ربو شديدة ويذرعُ جبالَ وأودية وصحارى شمال الشمال بلا وجهة جغرافية معلومة وكان الهدف لا أقل من رأسه…
كان بلا أشياعٍ يلوذُ إليهم، وعلى النقيض مِن ذلك كان المكان الذي لاذ إليه مكتظّاً بالعيارين والمهربين وقطاع الطرق في الغالب، وكانوا مستعدِّين للمقايضة على رأسه بفُتَات المال وقد أظهروا برمهم به وطلبوا إليه المغادرة؛ لأَنَّ وجودَه يعرِّضُ المكانَ للاستهداف من طائرات المملكة عدا عن طائرات السلطة.
كان كُـلُّ جلاوزة وفراعين السلطة في ذروة جبروتهم يتربّعون على عرش البلد وثرواته وخَرَسِ أبنائه ونفاق نخبه المعارضة محظيين بتأييد دولي وأممي كبير، بينما كان الشابُّ المطلوبُ رأسُه يهيمُ في صحراء نشور لا رفيقَ له سوى الله وكان كافياً ولا زادَ له سوى إيْمَـانه بحريته وكرامته وكان سابغاً ولا أُفُقَ منظوراً لخلاصٍ قريبٍ سوى يقينِه بنُصرة ربه وتحقّق وعدُه وكان هادياً ودانياً.
واليومَ يخطُبُ اللائذ الوحيدُ المنفردُ المطاردُ في ملايين الجموع المحتشدة من كُـلِّ فج وحدب وصوب، بظمأ الشوقِ إلى مَعينِ حكمتهِ وغيثِ كلامه والملبية له جُنْداً مجنَّدةً تحت لوائه يوجّهها فتتوجّه ويهيب بها فتتسابق على حياض المنايا غير هيابة ويقودُها في أعظم ملحمة قوامُها شعبٌ شريفٌ محاصَرٌ ومعتدىً عليه في مواجهة طواغيت الأرض برمتها.. يقودُها وينتصرُ بها ولها ومعها.
وأمَّا جلاوزةُ مطارديه فيتيهون في شتات المنافي عملاء وضيعين تنهال عليهم الأحذية أَوْ ينفقون كما تنفق المواشي العجفاء في محارق أربابهم من قوى الاستكبار الغازية.
بأيِّ مسبار يمكنُ سَبْرُ المسافة الشاسعة بين رفعة مآل عبدالملك بدرالدين الحوثي الطالع اليوم كمجرَّة شموس وبين ضعة مآل مطارديه الآفلين بلا عزاء وكانوا ملوكاً وفراعنةً تجري من تحتهم الأنهارُ والثروات؟!.. إنها المسافةُ بين وعد الله للمستضعفين الماضين في سبيله بالتمكين ووعيده للمستكبرين بالخسف والهوان وضآلة القدر وفقدان القيمة.
إن وعدَ الله بالخَلاص والنُّصرة حقٌّ مهما امتد عذابُ المعذّبين على طريقه ودابرُ الباطل زاهقٌ مهما رسخ أكابرُه في اللذائذ واستمتعوا بخَلاقِهم أَمَداً مديداً.