الخبر وما وراء الخبر

أسرار صمود مؤسسات الدولة

108

علي  أحمد حاجز


” اسقطوا الدولة ” ظهر هذا المصطلح وشاع في كتابات بعض الكتاب والناشطين بالتزامن مع العدوان على اليمن ، وهو اتهام موجه إلى ثورة 21 سبتمبر ولجانها الرقابية والشعبية وأيضا للمؤسسة العسكرية والأمنية ، وبقدر ما كان هذا الاتهام ظالما ، فإنه في المقام الأول لم يكن أكثر من محاولة لتبرير العدوان والحصار يجري تسويقه في قوالب قد تبدو لوهلة مقبولة ومستفزة للرأي العام ، لكنها سرعان ما أصبحت مكشوفة وعارية أمام صمود الدولة مؤسسات وروح وعاملين وأداء ونتيجة رغم كل الإشكالات والمعاناة التي تسبب فيها العدوان والحصار .

المفارقة انه وبعد أن أثبتت ثمانية أشهر من العدوان والفراغ أن الدولة لم تسقط انتقل أولئك الكتاب والناشطون الذين يجوز أن نطلق عليهم وصف ” المرتزقة ” من أقصى التطرف في الجزم بأن الدولة أسقطت إلى أقصى التطرف المقابل الذي يجزم أن هناك سلطة تدير الدولة ويطلق عليها ” المفسدون الجدد ” ، مش قلتم قبل أشهر أن الدولة سقطت ؟!!

هذا التقلب لا يمكن بأي حال أن نحتمله بأنه مزاجية أوسطحية في تقدير الأمور في ظل وجود عدوان يشن هجوماً شرسا على الوطن برمته يحاول أن يفكك تماسكه ويعبث بمقدراته ويهدم بنيانه ، بل انه الارتزاق في أجلى صوره وأوضح حالاته ، كانوا يقولون لا يهمنا سقوط عتاولة الفساد وإنما يهمنا بقاء الدولة ومؤسساتها ، وحين بقيت المؤسسات وصمدت الدولة لم يستطيعوا أن يعترفوا بالفضل لأهل الفضل في الحفاظ على مؤسسات الدولة لأن ذلك من شأنه أن يضعهم في خانة الشرفاء الوطنيين المنصفين المخلصين للوطن وهذا لا يروق لمن يحركهم بكل تأكيد .

وباعتقادي من المبكر الحديث بخصوص وجود فساد أو ما شابه، فيما لابد أولا أن نضع أنفسنا والرأي العام الداخلي والخارجي أمام حقيقة الوضع خصوصا وضع الدولة ، وان نعترف أن الدولة تدار بدون سلطة ، سيقول قائل إذن من الذي يدير المؤسسات ويحفظ الدولة من الانهيار ؟ والإجابة على هذا السؤال سوف تكشف سوأة السلطة بل السلطات السابقة التي في الواقع لم تكن هي من يحفظ مؤسسات الدولة من الانهيار بل لم تكن هي من يديرها ، كانت الحكومات التي يجري تشكيلها بالتقاسم أو بالتوافق ليست أكثر من ديكور بروتوكولي يجني الوزير وصاحب المنصب السيادي عبره مكاسب للحزب أو للتيار الذي يمثله ويحصد أكبر قدر من ” الهبرات ” مقابل تسيير الأعمال الروتينية دون إنجاز أي شيء استراتيجي ، بينما الادارة والعمل اليومي داخل المؤسسات وفي ما بينها يقوم به العاملون والشرفاء من ابناء الشعب .

حين حصل الفراغ السياسي لم يحصل أي فراغ اداري ولم يكن الوضع يحتاج سوى قيادة تنظم الأمور وتوجه القرار وتحافظ على الإيقاع ، وهو ما قامت به اللجان الرقابية الثورية واللجنة الثورية العليا ، حتى أتى العدوان وتناغم أداؤه مع أداء أدواته من مرتزقة الحرب في تدمير كل مظاهر الدولة والمؤسسات وهو ما ظهر في قصف الطيران وفي أداء الميليشيات التي بمجرد أن تدخل مدينة تنهب البنوك والمؤسسات وتعطلها وتحولها إلى ثكنات ، ولولا أن رواتب الناس تأتي من العاصمة صنعاء في ظل حرص اللجان الساهرة على بقاء وجود الدولة وفاعلية مؤسساتها ، لكان الوضع مأساويا في تلك المناطق التي باتت تحت سيطرة العدوان وأدواته .

ومن نافلة الإنصاف أن نقول لم تصمد أجهزة ومؤسسات الدولة من ذات نفسها بل لأن ثمة أوفياء وشرفاء من أبناء هذا الوطن لم يوفروا جهداً في الحفاظ عليها من أن تتفكك وتتلاشى ، في ظروف صعبة للغاية كان العدوان يلقي بكل ثقله ليقضي عليها ويقضي على كل هذه الجهود وهذا الصمود الذي أنتج بعد ما يقارب التسعة أشهر استقرارا أذهل العالم وان كان في حدود دنيا إلا انه بمعايير ومقاييس ما يجري من عدوان وحصار يعتبر إنجازا كبيرا وكبيرا جدا.