الخبر وما وراء الخبر

سباق الولاء بين بحاح وهادي

84

بقلم / ضيف الله الشامي


يجهَــلُ الكثيرُ أن العدوانَ على اليمن عسكرياً لم يكن سِوى امتدادٍ للعدوان عليه من عشرات السنين بمختلف الوسائل وعبر أدواته السلطوية التي جعلت الفسادَ واﻹفسادَ ديناً ومنهجاً وقانوناً يسري به التعامُلُ في كُلّ المؤسسات؛ لخدمة مراكز النفوذ في البلد، والتي هي في الأساس وفي مجملها تمثل قنواتٍ لمشروع أمريكي صهيوني سعودي، والعمل على إبقاء سياسة الفساد بغطاء المصلحة العامة والتسلط والبطش بقانون الحفاظ على هيبة الدولة، والخنوع والتدجين بشريعة طَاعة ولي اﻷمر، والتسول المبتذل للحُكام والمسؤولين وقادة الأحزاب بحُجّة إنقاذ الشعب اليمني الفقير، وتهديدات المجاعة للتغطية على كميات النهب الداخلي والخارجي لثروات ومقدرات هذا البلد، وتصوير الثروة القائمة والمدخرة أنها لا تكفي لتغطية النفقات الضرورية للمواطن اليمني البسيط.
“هادي” في مطلع العام 2014م أعلن أن الحكومةَ عاجزةٌ عن صرف مرتبات الموظفين إلا لشهرين قادمين من إعلانه هذا؛ تمهيداً لامتصاص ما تبقى في عروق الشعب اليمني من حياة بعد أن عاش الشعبُ حياة البؤس والشقاء لعشرات السنين بجسده النحيل ولقمة العيش الذي تقيمُ صلبه فقط..
في فبراير 2011م انتفض الشعبُ أمَـام امبراطوريات الفساد والنهب والتسلط بشغَف نحو الحياة الكريمة والتطلع لمستقبل واعد، وبدماء جديدة عاشت البؤس والعناء مع أبناء الشعب جَميعاً لم تتلطخ بالمال المدنس ولم تبح سيادة البلد وتتآمر عَلَـى أبنائه.. هكذا كان اﻷملُ ولهذا خرج الشعبُ ثائراً!!.
لكن منظومةَ الفساد تلك سَرعانَ ما انقسمت عَلَـى نفسها لتحرف مسارَ الثورة بما يخدم مصالحهم، ويسعى للحفاظ عَلَـى وجودهم وبقاء قنوات العمالة والارتهان وخدمة العملاء مفتوحة باستمرار والعمل عَلَـى المحاصصة وتدجين الشعب وخداعه وتم التقاسم برعاية نفس الدول التي تشن العدوان اليوم عَلَـى الشعب..!!
خدع الكثير من أبناء الشعب بتلك المؤامرة الخبيثة، لكن اﻷحرار والشرفاء من أبناء الشعب اليمني لم يتراجعوا عن ثورتهم قيد أنملة، فاستهدفوا في حياتهم ومعيشتهم ومناطقهم، حيث كانت الحروب تشن عَلَـى مناطقهم وهم يخرجون كُلّ يوم جمعة في مسيرات حاشدة في صعدة وصنعاء وغيرهما من المحافظات استمراراً في ثورتهم حتى أصبحت المسيرات جزءاً من العبادات كما هو حال صلاة الجمعة من كُلّ أسبوع..
لكن منظومة الفساد كانت تصم آذانها عن سماع صوت الشعب وأنين جسده العليل، بل سعت لما هو أكثر من ذلك، إذ عمدت إلى اﻹجهاز عَلَـى الجسد اليمني ليبقى مشلولاً طريحَ الفراش لا يستطيع الحراك، بل تريد منه أن يسبّحَ بحمدها وهي من تتحكم في ثروته وتبدّدها لكي تمنحه قليلاً من فتات موائدها وتتصدق عليه من ماله ومما تتسوّله باسمه.
لكن تنامي الوعي الثوري كان يفتت تلك الامبراطوريات شيئاً فشيئاً ويسقط أعمدتها الواحد تلو اﻵخر، لتواصل زخم مسارها الثوري في الـ 21 من سبتمر2014م لتسقط عددٌ من امبراطوريات الفساد المتجذرة وتبقى أخريات في طور الكمون، خصوصاً بعد أن خسرت بعض أجنحتها التي كانت تمثل لها عامل قوة عَلَـى أيدي أخواتها من الامبراطوريات الأُخرى!!.
كان بإمكان الثورة أن تتعامل بروحية الانتقام والإقصاء وكانت الفرصة سانحة، لكن مبادئها الوطنية وعقيدتها الوطنية بأن البلد يتسع للجميع تركت المجال مفتوحاً للمشاركة في بناء البلد وبناء دولته المدنية العادلة التي ينشدها.
لكن الخُبث المتجذر لدى تلك القوى وارتهانها وولاءها لأولياء نعمتها من دول العدوان المتغلب عَلَـى الولاء لله وللوطن كان سيدَ الموقف لديها، فعمدت عَلَـى خلق حالة من الفراغ السياسي والمؤسسي والاقتصادي والعسكري فلم يتبق حتى حراس البوابات في المؤسسات ولا شرطي المرور ولا رجل اﻷمن، بل تحولوا إلى عصابات تحاول السطو ونهب المؤسسات كما حصل في صراعهم البيني الذي أباحوا فيه كُلّ المؤسسات ونهبوا العديد منها حتى بيع كرسي وزير الداخلية في (الحراج)، وأجهزة الكمبيوتر بما تحمل من وثائق ومعلومات بيعت عَلَـى اﻷرصفة والشوارع..
كان لا بد للثوار أن يحافظوا عَلَـى مؤسساتهم التي هي ملك للشعب وليست ملكاً لحزب أو فئة أو جماعة، فتحركوا لحمايتها وبذلوا الشهداء في مواجهة عصابات النهب والتدمير، وتمكنوا بفضل الله ووعي أبناء الشعب من الحفاظ عليها من التلاشي والانهيار، واستمرت المؤسسات في ممارسة دورها والقيام بمهامها حتى من صباح الـ 22 من سبتمبر 2014م وكأن شيئاً لم يكن.
فشل مشروع الفوضى واتجهت تلك العصابات لتتقمص ثوب الوطنية والنزاهة من جديد للعمل عَلَـى التغلغل في نخر الثورة من داخلها وبشعار المصلحة وبناء البلد، فعمدت إلى المراوغة والتسويف والتنصل عن المسؤولية والتآمر عَلَـى البلد مع دول المشروع العدواني عَلَـى اليمن..
يقظة الثورة وقيادتها الحكيمة كانت ترقب المؤامرة الخارجية بوعي كامل وتعمل عَلَـى توضيح المخطط للرأي العام الذي كان يتلقف تلك التوضيحات بقوة ووعي ليترجمها عملاً في الميدان، فكان تنامي الوعي الثوري لدى الشعب اليمني أسرع نمواً من تلك المؤامرات الخارجية بأدوات داخلية، وكادت الثورة تكون قاب قوسين أو أدنى من تتويج ثورتها بتحقيق الجزء اﻷكبر من أهدافها..
هذا الوعي السريع جعل دول العدوان ومرتزقتهم يعملون في تسارع كبير لإصابة البلد بالشلل التام، فأبرقت لجنودها في هرم السلطة بالاستقالة، فبينما كانت حكومة “بحاح” في طريقها لتسليم استقالتها لرئاسة “هادي” لتُثبت سرعة استجابتها ﻷولي اﻷمر والنهي في دول العدوان، فمسافة الطريق بين الحكومة والرئاسة كانت عائقاً عن تحقيق تلك الاستجابة، حيث كان “هادي” أسرع ولاءً واستجابةً، حيث أعلن استقالته مباشرة ربما قبل أن يغلق سماعة الهاتف للمكالمة الخارجية ليفاجئ “بحاح” بالفَوز الساحق عليه حتى أن لقاءهم كان استفساراً فيما بينهم (لماذا استقلت؟؟!!)..وبالمثل (وأنت لماذا استقلت؟!).. فكانت اﻹجابة موحدةً (أوامر عليا!!).
هكذا كانت رصاصة الموت عَلَـى جسد الوطن، لكنها لم تصبه في مقتل؛ ﻷن أعضاء الجسد من أبناء الشعب وقيادة الثورة كانت أكثر حيوية ونشاطاً وثقةً وشعوراً بالمسؤولية الوطنية، فأفشلت تلك المؤامرات وحملت عَلَـى كاهلها مسؤولية الحفاظ عَلَـى ما تبقى من مؤسسات الدولة من التلاشي والانهيار في استمرار لمسار الثورة حتى تحقيق كافة أهدافها..
ولما رأى المجرمون ثباتَ الشعب وصمودَه في وجه مؤامراتهم بدأوا بدقّ آخر مسمار في جُعبة مؤامراتهم ليستيقظَ أبناء الشعب عَلَـى أشلاء ودماء أطفالهم ونسائهم تتناثر عَلَـى تراب الوطن وتحت ركام المنازل، لا تطرق أسماعهم سوى صوت الطائرات ودوي الانفجارات، ويرى بأم عينيه تلك المؤسسات التي تغنى المجرمون بالحفاظ عليها تقصف وتدمر، ويری المصانع الغذائية وسُبُل لقمة العيش تحترق، ويرى المتغنون والمتزلفون بحبهم للشعب اليمني يطوقون البلد حصاراً وتجويعاً وتدميراً.
لكن ذلك العدوان واجهه أبناء الشعب بثبات وصمود لم يُشهد له مثيل في تأريخ الشعوب ومواجهة الحروب، فكيف وسلطات وامبراطوريات العالم تقف إما مباشرة للعدوان أو مساندةً له أو متواطئة معه أو صامتة تجاه ما يرتكبه من مجازر بحق اليمنيين.
تلك هي ثورتُنا المستمرة، وذلك الصبر والصمود هو عنوانُ شعبنا اليمني العظيم الذي يخوضُ معركة الشرف والعزة والكرامة، ويقف في الداخل في مواجهة أدوات القتل والدمار وأيادي العدوان، ويخوضُ معركة الصراع مع عصابات ومافيا الفساد المتربصين بثورة شعبنا ومحاولة استغلال العدوان ﻹعادة إنتاج الفساد من جديد.
فالثورةُ مستمرةٌ تخوض معركة الحفاظ عَلَـى مكاسبها بإرادة وإدارة قوية مع من يحلمون بالعودة إلى ما قبل 21 سبتمبر 2014م ومَن يريدون العودة إلى ما قبل 11 فبراير 2011م!!.
وسيبقى الشعبُ ثائراً ضد أية مؤامرة عَلَـى بلدنا داخلية أو خارجية، ولن يبقَّ ﻷي متآمر أو متربصٍ إﻻ الصلاح أو الفشل؛ ﻷنَّ الثورةَ اليوم هي عينُ الشعب التي يراقبُ بها الفاسدين والعابثين في كُلّ المراحل سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل.