الخبر وما وراء الخبر

حرب الإمارات ــ «الإصلاح»… للتنصّل من خسائر تعز

388

تقرير تحليلي لأبعاد الحرب الاعلامية المستعرة بين الامارات و الاصلاح
الاخبار اللبنانية : علي جاحز


استعرت حرب كلامية بين أبو ظبي وحزب «الإصلاح» (الإخوان المسلمون)، حمّل فيها كل طرفٍ الآخر مسؤولية الفشل في معركة تعز، حيث تمكن الجيش و«اللجان الشعبية» في الأيام الأخيرة من قلب المعادلة العسكرية والتقدم على أكثر من جبهة

على وقع التعثر الذي تعاني منه قوات «التحالف» والمجموعات المسلحة المؤيدة لها في تعز، بعد أسبوعين من إطلاق معركة «تحرير المحافظة»، استعرت حربٌ إعلامية بين دولة الإمارات والأطراف الموالية لها في اليمن من جهة، وبين حزب «الإصلاح» (فرع الإخوان المسلمين في اليمن) من جهة أخرى.

يحمّل كلٌّ من الطرفين الآخر مسؤولية الخسارة في معارك تعز. مسؤولون إماراتيون أكدوا أن الفشل الميداني في المحافظة يعود إلى «الإصلاح» لأنه «يكرّس التخاذل والخيانة في الجبهات»، وهو ما يمكن تفسيره في إطار أزمة الإمارات مع «الإخوان المسلمين»، في وقتٍ رأى فيه البعض أنها قد تكون مجرد «لعبة» الهدف منها خلخلة الموقف الموحد لأبناء تعز الرافض لتمكين «الإصلاح» و«القاعدة» من العبث بالمحافظة، مثلما جرى في عدن.

وفيما تمكنت وحدات من الجيش و«اللجان الشعبية» من طرد القوات الإماراتية ومجموعات المسلحين والمرتزقة من مواقع وتباب عدة داخل الشريجة في تعز، وأعادوهم إلى كرش في محافظة لحج، وأعلنت الإمارات أمس مقتل أحد جنودها في اليمن، زاعمةً أنه توفي إثر أصابته في عملية صافر الشهيرة، أكد مصدر عسكري يمني أن الإمارات سحبت أول من أمس جنودها من جبهة الشريجة بعد مقتل ثمانية منهم إثر تقدم كبير للجيش و«اللجان الشعبية».
جاء هذا الانسحاب وسط اتهامات لعناصر تابعين لحزب «الإصلاح» بالتورّط في قتلهم «من الخلف».

في هذا الوقت، شنّ وزير الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، هجوماً عنيفاً على حزب «الإصلاح»، متهماً إياه بالتخاذل والخيانة. وقال قرقاش في تغريدات على موقع «تويتر»، إن «التاريخ سيوثق تخاذل الإصلاح/الإخوان وانتهازيتهم»، مضيفاً أن «الإصلاح همّهم السلطة والحكم في اليمن، وتخاذلهم في تحرير تعز سمة لتيار انتهازي تعوّد المؤامرات. موقفهم الآن في تعز موثق».

من جهتها، رأت بعض وسائل الإعلام التابع لحزب «الإصلاح» في الهزائم في جبهة الشريجة وتراجعهم منها، «خيانةً وتآمراً من قبل بعض دول التحالف»، في إشارةٍ إلى الإمارات. وكشف بعض نشطاء الحزب وإعلاميون وصول أوامر إلى المقاتلين بالانسحاب من جبهات الشريجة وأطراف الراهدة، عقب تقدم كبير للجيش و«اللجان الشعبية» مع تعزيزات مكّنتهم من استعادة الشريجة. وفيما أفادت إحصاءات نشرها ناشطون موالون للإمارات، بأن أكثر من 12 ألف مغرّد من حزب «الإصلاح» ردّوا طوال أمس علی تغريدات الوزير الإماراتي، وجّه قرقاش نداءً إلى «صحافة الإخوان»، قال فيه: «عوضاً عن ضجيجكم وصخبكم الإعلامي عالجوا تخاذل الإصلاح في معركة تحرير تعز، رائحة التخاذل نتنة»، معتبراً أن «عمليات تحرير تعز تتقدم ولولا تخاذل الإصلاح لكان التحرير اكتمل»، وأمام الهجوم المضاد من قبل ناشطي وإعلاميي «الإصلاح»، خلُص الوزير الإماراتي إلى القول إن «الإمارات التي قدمت دماء أبنائها الزكيّة لأجل اليمن واستقراره، لها كل الحق في تناول تخاذل الإصلاح في معركة تحرير تعز. المسألة موثقة»، بحسب قوله.

في المقابل، وبعد ساعات من المعركة الاعلامية، أرسل حزب «الإصلاح» إشارات تحدٍّ مطعمة بالعتاب والتذمر. ودعا نائب رئيس الدائرة الإعلامية في «الإصلاح»، عدنان العديني، كل جماهير الحزب إلى ما سمّاه «الانشغال بمعركة تحرير الوطن من سيطرة الميليشيات الانقلابية»، بحسب قوله. وفي تودد مبطن للإمارات، أشار العديني إلى أنه «ليس هناك عدو لنا غير الحوثي وصالح ومن ورائهم إيران التي تهدد الوجود العربي»، مضيفاً عبر موقع «فايسبوك»: «لن نسلك طريقاً يبدو إجبارياً، فالذين لا يجيدون شق الطرق هم الذين يستسلمون للمخططات الجاهزة والسهلة»، في رد على الاتهامات التي وجهت إليهم.

في سياقٍ متصل، لم يتوقف الأمر عند هجوم الإمارات على «الإصلاح»، بل امتد ليشمل شخصيات محسوبة على السعودية. وهاجم وزير الخارجية بالوكالة، رياض ياسين، «الإصلاح»، متهماً إياه أيضاً بالتخاذل في معركة تعز. وقال ياسين في حديث تلفزيوني إن «تخاذل الإصلاح في معركة تعز لم يكن موفقاً زمنياً». وأكد مصدر مقرب من ياسين، أن حديث ياسين ضد «الإصلاح» جاء تحت ضغط إماراتي عقب بلاغ صدر عن رئيس الحكومة المستقيلة خالد بحاح إلى الجانب الإماراتي، يفيد بأن ياسين «موالٍ للإصلاح»، ومطالباً إياهم بضرورة العمل على إقالته. وكان بحاح قد حاول إقالة ياسين في وقتٍ سابق، لكن السعودية رفضت هذا الأمر.

في المقابل، يرى مراقبون أن موقف ياسين المحسوب على هادي والسعودية، قد يفهم منه أن السعودية هي التي تهاجم «الإصلاح». ولأن ذلك ليس وارداً بدليل ما يجري في الجنوب من تمكين السعودية «الإصلاح» و«القاعدة»، قد يكون كلام ياسين مجرد لعبة تهدف إلى تضليل أبناء تعز الرافضين لـ «الإصلاح» ولمشروعه المتسق مع التنظيمات التكفيرية، بغرض تفكيك تماسك جبهة تعز واستمالة التعزيين الرافضين تحويل محافظتهم إلى نموذج آخر من عدن أو حضرموت حيث تهيمن الجماعات التكفيرية.

وفي السياق نفسه، تعزز تصريحات أنور قرقاش هذا الاعتقاد، حيث وجه عبر «تويتر» تحيةً لمن سماهم «المقاومين التابعين للاشتراكي والتيار السلفي على شجاعتهم ودعم التحالف الذي سيحرر تعز الصامدة، أما تخاذل الإصلاح فمخزي»، ولا سيما أن الكثير من جماهير تعز من ذوي الخلفيات اليسارية والقومية والناصرية قد فقدوا الثقة ببعض قياداتها المشاركة في العدوان التي تقاتل إلى جوار «القاعدة» و«الإصلاح» تحت قيادة ما يسمى «مجلس التنسيق العسكري». غياب الثقة هذا قد يفسر بشكل أو بآخر الهجمة الإماراتية ضد «الإصلاح» بكونها جاءت أيضاً ضمن لعبة مؤقتة استجابةً لمطالب تلك القيادات اليسارية المشاركة تحت قيادة «الإصلاح». تلك القيادات تحاول ردم الهوة بينها وبين جماهير تعز عبر إيهامهم بأن زمام الأمور بيدها وليست بيد «الإصلاح» و«القاعدة»، غير أنه كما يظهر من خلال كتابات ناشطين وإعلاميين في تعز فإن الرأي العام في المحافظة بات يعي جيداً أن كل هذه المعركة العلنية المستجدة هي أولاً، انعكاس لفشل قوات «التحالف» في إحداث اختراق في أي من جبهات المحافظة.