الخبر وما وراء الخبر

في وداع معلمي الشهيد

129

بقلم / ماجد الكحلاني


 

علمتُ بخبر استشهادك متاخراً ولم يشفع لي الوقتُ لتوديعك أيها الغالي.. فقد كنتُ أحترَّقُ شوقاً للقياك وسألتُ عنك كثيراً كما حاولت التواصل بك في الأيَّام الأَخيرَة، ولكن دون جدوى..

عصفت بي الأحزان، وبكى قلبي بحُرقة، فعلى مثلك حق لها أن تبكيَ البواكي.
نعم.. أخي وصديقي وقُدوتي الأستاذ أحمد الهُميل… يبكيك كُلُّ شيء حولي.. كُلُّ شيء عايشك وعرفك.. يبكيك الأملُ المتبقي في عيون أصحابي، تبكيك عمرانُ السلام، وصعدةُ الصمود، وحَجَّة النصر..

تبكيك أماكن جمعتنا معاً وفصول دراسية تتلمَذتُ وغيري الكثيرَ على يديك.. تبكيك عمران وهي تتشرَّبُ من دمائك الثائرة.. وتودعُك أسداً عاشت معه أعظمَ الذكريات، تبكيك عمران وقد انتظرتك طويلاً، لكن الموت حال دون ذلك فحتضنتك شهيدا.. يبكيك كُلُّ من عرفك يا أبا شهيد..

يبكيك حنانُ نجلك البطل “وليد ” من أطلقت عليه “شهيد” وكنيت باسمه “ابا شهيد”.
يبكيك شوق جيرانك وأحبائك.. ترثيك قسوةُ أخ طالما آلمه عنادُك وإصرارُك على المُضي في دربك، لكن حق له أن يفخرَ بك، فها هو اليوم وكل أبناء عمران يودعونك شهيداً بإذن الله.

غبت عنا جسداً وبقيتَ في قلوبنا نوراً ومنهجاً وفكراً يا أبا شهيد..
تبكيك البواكي يا سيدي.. يا من كنت الرجل الرجل في زمن عز فيه الرجال، عرفناك بمواقفك الفذة والشجاعة والنبيلة التي لطالما تحليت بها دون سواك..

أتذكر آخرَ مرَّة التقيت بك في منزلك وقلتَ لي بالحرف “هذه تحسب لك يا ماجد”..

أتذكر حين كنت قاسياً معي من أجلي خلالَ سنوات من العلم في مدرستي..

أتذكر كم كنت تباهي بذكاء شقيقي عمَّـــار كُلّ طلاب الفصل.. أتذكر حين ساندتني بالفكرة والمعلومة من أجل تطوير إصداراتي الصحفية أثناء إدارتي لصحيفة منبر السلام.. وزادت جمالاً وتميزاً بمضمونها ومحتواها وكتاباتك الحُرة عبر مساحتها الخاصة وَصفحتك الأجمل “ثقافة السلام”..

أتذكر ليالي وأياماً قضيناها معاً في رحاب الكلمة.. والشعر.. والأغنيات التي كتبتُ كلماتها أنت.. أستاذي الغالي..
لقد أتى خبرُ استشهادك على آخر أنفاس قلبي، وما يزيد ألمي وحسرتي أنني لم أتوفق في توديعك وأحتضنك حياً أو ميتاً..

أفتقدتك والله. وحاولت منذ أيام أن أتصل بك لأسمع صوتَك، وفكرت مراراً أن أفاجئك بزيارتي لك حيث أنت رغم بُعد المسافة وليتني فعلت..

انتظرتك طويلاً لأبكي لك فراقَ زملاء تتلمذنا على يديك وإخوة عزيزين عشنا معاً أياماً وأشهراً، فسبقتني بخبر استشهادك بطلاً مدافعاً عن وطنك ودينك حاملاً بندقيتك في وجهِ الظلم والعدوان وعملاء الوطن..

نباركُ لك هذا الشرف.. ونبارك لأهلك.. لأصدقائك.. وتلاميذك.. وكل محبيك، ونبارك لأنفسنا بعدَ كُلّ هؤلاء وفي نفس الوقت نعزيها بفقدك.. ولن نبكيَك دموعاً؛ لأنك استشهدت أمامَ خفافيش الظلام أعداء الوطن وجهاً لوجه، ولأنك بذلت روحَك رخيصةً من أجل الكرامة والدين والوطن..

الرحمةُ والخلودُ لك أيها الغالي في ثراك.. والمجدُ والخلودُ لكل شهداء الوطن الأحرار.. عاش اليمنُ حراً أبياً عزيزاً.. وإنا لله وإنا إيه راجعون