الخبر وما وراء الخبر

الأبعاد الاستراتيجية لمعارك الساحل الغربي في اليمن

81

بقلم /  شارل أبي نادر

عندما اختار تحالف العدوان على اليمن توسيع معركة الساحل الغربي، واستطراداً إحكام سيطرته على مدينة الحُديدة ومطارها ومينائها الاستراتيجي، مُقَدِّراً أنه في ذلك سوف يدفع الجيش واللجان الشعبية اليمنية للاستسلام، أو على الأقل للسير نحو التفاوض بشروطه، خاصة وأنه اعتبر (مخطئا طبعا) انها ستكون معركة مضمونة النتائج لوحداته، لم يكن يعلم أن هذه المعركة ستكون مفتاح هزيمته، وبأنها ستكون النقطة الرابحة التي سوف تؤكد انتصار أبناء اليمن في الحرب الظالمة التي شنت ضدهم، برعاية ودعم ومشاركة عدة دول غربية واقليمية.

فلماذا إذاً اعتبر تحالف العدوان على اليمن أن معركته على الساحل الغربي ستكون مضمونة النتائج لمصلحته؟ وما الذي جرى على الأرض لناحية تعثّره وانكساره مع تَكبُّدِه خسائر ضخمة؟ وأين تكمن الأهمية الاستراتيجية لهذه المعركة أو بمعنى آخر، ماذا ستغير في مسار الحرب على اليمن؟

لماذا اعتبر التحالف انه سيربح معركته على الساحل الغربي؟

لقد لعبت الطبيعة الجغرافية للساحل الغربي اليمني دوراً رئيساً في استدراج التحالف لفتح تلك المعركة. هذا الساحل هو عبارة عن واجهة بحرية طويلة تمتد لمسافة تتجاوز الـ200 كلم بين المخا شمال باب المندب حتى مدينة الحديدة في وسط الساحل اليمني على البحر الاحمر.

– المنطقة الساحلية مكشوفة بشكل عام باستثناء بعض الهضاب غير المرتفعة، على عكس مناطق المواجهة الأخرى مع الجيش واللجان الشعبية، على الحدود الشمالية مع السعودية أو في الداخل لناحية الشرق بين الجوف ومارب، أو على تخوم العاصمة صنعاء شرقا وشمال شرق في منطقة فرضة نهم أو المتون، الأمر الذي اعتبره تحالف العدوان لمصلحة معركته، حيث اعتبر (مخطئاً ايضا) أن نقاط قوة الجيش واللجان الشعبية وأنصار الله هي في المناطق الجبلية.

– أي معركة هجومية للتحالف على الساحل الغربي ستستفيد حكماً من دعم ومساندة واسعة، جواً طبعاً، حيث حركة القوة الجوية للامارات والسعودية فوق البحر الاحمر مؤمنة وسهلة، وبحرا ايضا، حيث الواجهة الساحلية بالكامل تستفيد من دعم ومساندة سفن وبوارج تحالف العدوان الحربية بشكل واسع، خاصة وأن أهدافها (مواقع ومراكز الجيش واللجان الشعبية)، تنتشر على كامل الشريط البري المشرف على البحر الاحمر، ولمسافات قصيرة ومتوسطة ضمن مدى الرمي الفعال لقدرات التحالف البحرية.

– اعتبر التحالف ايضا، أنه سيستفيد من طبيعة الساحل الغربي المناسبة، لتأمين اندفاع سهل وسلس وسريع لوحداته البرية المجهزة بالآليات وبناقلات الجند المدرعة المتطورة، الانكليزية والاميركية، المختصة بمعارك السواحل المكشوفة، مطمئنا في نفس الوقت، أن وحدات الجيش واللجان الشعبية اليمنية لا تملك الامكانيات المناسبة لمواجهة تلك الاليات، خاصة في ظل سيطرته الجوية المطلقة.

ما هي أسباب خسائر التحالف الضخمة على الساحل الغربي؟

– لقد تبين ان الجيش واللجان الشعبية اليمنية، يملكون القدرات الميدانية والعسكرية للقتال في المناطق الساحلية مثل قدراتهم في الجبال، والسبب الاساس، أكثر من الخبرة القتالية والامكانيات العسكرية هو: التزامهم وايمانهم وقرارهم النهائي بالدفاع حتى النهاية، وهذا الأمر لم يستوعبه التحالف حتى الآن مع أنه واضح وضوح الشمس منذ بداية الحرب على اليمن.

– كشفت المعركة أن القدرات والتقنيات النوعية التي طورتها وحدات الجيش واللجان الشعبية اليمنية، في الطيران المسير وفي الصواريخ الباليستية، كانت مُناسِبة لمعركة الدفاع عن الساحل، وأثبتت فعاليتها بمواجهة التجمعات العدوة والسفن وغرف القيادة والعمليات.

– ابتكر اليمنيون في دفاعهم عن الساحل الغربي تقنية جديدة، لم يسبقهم اليها الكثير من الجيوش التي تقاتل بدون تغطية جوية وبمواجهة جيوش تتفوق في الجو، وهذه التقنية أو المعادلة تقوم على الاقتراب قدر الامكان من الوحدات العدوة البرية، ومحاولة الابقاء على تماس قريب جدا معها، الأمر الذي جنّبها الاستهداف الجوي الفعال، وقد تعرضت بسبب هذه التقنية القتالية وحدات التحالف البرية في أكثر من مرة لنيران وصواريخ قاذفاته الصديقة، وهذه المعادلة حيّدت فعالية تفوق التحالف الجوي بنسبة غير بسيطة.

– تبين أيضا أن الجيش واللجان الشعبية اليمنية يملكون امكانيات غير بسيطة في سلاحي الهندسة والمضاد للدروع، وخسائر العدوان بمئات الآليات المدرعة التي تدمرت أو احترقت أو أصيبت إصابات بالغة أخرجتها من المعركة، تؤكد هذه الامكانيات.

ماذا ستغير معركة الساحل الغربي في مسار الحرب على اليمن؟

انطلاقا من النتائج والأهداف التي انتظرها العدوان من معركة الساحل الغربي، والتي وضع بتصرفها الامكانيات الضخمة، عسكريا واعلاميا وديبلوماسيا، وجاءت مخيبة للآمال بالكامل، وانطلاقا ايضا مما اظهرته هذه المعركة، وما سبقها ايضا، من قدرات وامكانيات صلبة وفعالة للجيش واللجان الشعبية اليمنية، لا يمكن تجاوزها أو الالتفاف عليها في أية مواجهة أو معركة قادمة … وحيث جاءت المعركة الواسعة الأخيرة التي حرّرت بها وحدات الجيش واللجان الشعبية منطقة واسعة ما بين الكيلو 16 شرق الحديدة والدريهمي، والتي كانت تشكل نقطة الارتكاز الاقوى والاوسع لتحالف العدوان للانطلاق منها في متابعة أو اكمال معركته على الساحل الغربي، يبدو ان العدوان قد خسر بالاضافة لعدد كبير من وحداته ومرتزقته، ولعدد ضخم من آلياته المدرعة وعرباته القتالية، خسر كذلك الفرصة المناسبة أو الملائمة لاكمال معركته ساحلاً، وبالتالي خسر المبادرة التي يحتاجها لاكمال حربه والانتصار في اليمن.