الخبر وما وراء الخبر

 كارثة اليمن مستمرة والعالم منشغل بخاشقجي!.

54

تعالت أصوات الاستنكار والاستهجان لإغتيال خاشقجي ولكن الآف اليمنيين مازالوا تحت القصف وعشرات الأطفال الذين قتلوا في صعدة قبل أشهر، لا يستحقون أي إدانة.

أطفال اليمن يوميا يواجهون أقسى وابشع الجرائم بالمقارنة مما حدث مع خاشقجي لكن التعاطف معها والتحرك من أجلها، ظل لأسباب مجهولة، محدودًا دائمًا على الرغم من الأخبار المتداولة عن مجاعة وشيكة جدًا في اليمن، قد يروح ضحيتها ملايين المدنيين، وعن قتلى في صفوف طلاب المدارس والمحتفلين في الأعراس والمعزين في المآتم.

بعد الكشف عن ضلوع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في اغتيال خاشقجي، أمريكا الحليفة الودودة للسعودية صرحت بلسان رئيسها أن صفقات الأسلحة بين السعودية وأمريكا لن تضر أبدا والتهديدات الأمريكية لا تشمل وقف تصدير الأسلحة أو المساعدات اللوجستية، التي تقدمها بلاده للسعودية. لذلك عرف الرأي العام أن أمريكا لا تعري أي اهتمام لمايجري في اليمن ولقد وضح دونالد ترامب ذلك بصراحة، عندما قال إننا لا نريد أن نعاقب أنفسنا أثناء معاقبة السعودية.

يدخل المال السعودي في قلب هذه الازدواجية في الموقف العام من قضيتي خاشقجي واليمن، وفي أساسات هذا التناقض، فعشرات الأطفال الذين قتلوا في صعدة، أثناء رحلة مدرسية قبل أشهر، لا يستحقون في منطق الدول المستفيدة من “عطاء” الرياض، نصف الضجة التي حظيت بها واقعة القنصلية في إسطنبول. أما صناع القرار في دول مثل أمريكا وبريطانيا وفرنسا، فقد وجدوا في قضية خاشقجي ملاذًا آمنًا، يستطيعون من خلاله أخيرًا نقد السعودية وتهديدها، من دون خسائر كبيرة، ومن دون تعطيل صفقات أسلحة رابحة.

ومنذ اختطافه، وجهت شركات غربية، ومن ضمنها مؤسسات إعلامية، اللوم إلى السعودية من خلال تحميل حكومتها مسؤولية ارتكاب جريمة قتل وحشية، وتقليص حجم تعاملهم مع السعودية. حسب تقرير قناة سي إن بي سي CNBC)، الذي جاء فيه: لن تشارك زاني مينتون بيدوز، رئيسة تحرير مجلة “ذي إيكونوميست” في مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض، بحسب ما قالت المتحدثة الرسمية لورين هاكيت عبر رسالة بالبريد الالكتروني.

وكتب أندرو روس سوركين، أحد مذيعي قناة CNBCوالذي يعمل صحفيًا في مجال المال والأعمال بجريدة “نيويورك تايمز”، في تغريدة له إنه لن يحضر المؤتمر، قائلًا إنه “شعر بأسىً بالغ إزاء اختفاء الصحفي جمال خاشقجي والتقارير التي تشير إلى مقتله”.

بينما صرحت المتحدثة الرسمية إيلين ميرفي أن صحيفة نيويورك تايمز قررت أيضًا الانسحاب من هذا المؤتمر بصفتها جهة راعية إعلامية. وقالت صحيفة “فاينانشيال تايمز” في بيان إنها تُراجع مشاركتها في المؤتمر بصفتها شريكًا إعلاميًا.

أما دارا خسروشاهي، المسؤول التنفيذي الأول في شركة “أوبر تكنولوجيز” (Uber Technologies)، فبين في بيان إنه لن يحضر مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض ما لم تخرج للعيان مجموعة من الحقائق مختلفة تمامًا عما تُشير إليه التقارير الحالية.

ألغت شبكة “سي إن إن” التلفزيونية (CNN) بدورها شراكتها، وقالت إن مذيعيها ومراسليها لن يديروا حلقات النقاش من الآن فصاعدًا. وانسحبت أريانا هافينغتون من المؤتمر، واستقالت من المجلس الاستشاري. كما أحجم أيضًا باتريك سون شيونغ مالك صحيفة لوس أنجلوس تايمز عن حضور المؤتمر.

ازدادت الاستنكارات من قبل اعظم الشركات العالمية ولكن أين كانت صرخات الاحتجاج والإدانة تلك عندما قررت السعودية بإلقاء القنابل على مدرسة يمنية بالحديدة التي اسفرت عن مقتل 40 صبيا تقل اعمارهم عن الحادية عشرة؟

الكارثة المنسية في اليمن

بدون ادنى شك إن كل حياة بشرية ثمينة، بما في ذلك حياة خاشقجي، ويستحق اختفاؤه واحتمالية اغتياله الاهتمام وإدانة مرتكبي هذه الجريمة؛ لكن الاهتمام المفاجئ، أو على الأقل إظهار الاستياء والجزع من تصرفات السعوديين – لذي حدث بعد فترة طويلة من تاريخ الإعدامات المضرج بالدماء، وجرائم الحرب، والإرهاب، والتوجهات المعادية لليبرالية، التي تنفث سمومها من تحت الواجهة الزائفة السطحية للثروة والإصلاح – هو في المقام الأول إشارة إلى نوع من التفضل (أي دعم قضية ما بشكل غير مجدٍ لسبب واحد فقط، وهو أن تُظهر للآخرين كم أنت شخص أخلاقي).

يُعدّ أهم مثال على لامبالاة وسائل الإعلام إزاء تفشي الإرهاب الغاشم للنظام السعودي؛ هو صمتها النسبي حول الأزمة الإنسانية في اليمن، حيث لقي حوالي 16,200 مدني حتفهم منذ آذار/مارس 2015 كنتيجة مباشرة لحصار التحالف الذي تقوده السعودية. تسببت الكارثة التي صنعها البشر في حدوث مجاعة، وسميت بـ “الحرب المنسية” بسبب شح الاهتمام المسلط عليها من قبل وسائل الإعلام الغربية، على الرغم من الخسائر البشرية الكبيرة واستمرارها لفترة زمنية طويلة.

لكن الوسائل الإعلامية مسؤولة أيضًا عن انتقاء التصرفات غير المقبولة التي تستحق سخطها واهتمامها؛ اختاروا تجاهل كل البؤس الذي ألحقه النظام بشعبه وبالشعب اليمني وتشبثوا بقضية خاشقجي.

ليس صعبًا الاشتباه في أن العديد من وسائل الإعلام تتحدث عن القصة من أجل إحداث ضجة حول تسمية الرئيس ترامب لوسائل الإعلام بأنها “عدوة الشعب”، مع قيامها في الوقت نفسه بإبقاء معظم الأمريكيين جاهلين بجرائم الحرب التي تُستخدم أموال الضرائب التي يدفعونها لارتكابها.

إن “تضامن” وسائل الإعلام الجديد مع قضية خاشقجي، ودعوتها إلى تسليم قاتليه إلى العدالة، هي في ظاهرها قضية عادلة؛ لكن الكثير من دعوات ومناصرات الصحفيين لهذه القضية مبهمة وباهتة.

#المصدر: قناة العالم.