تشخيص الشهيد القائد للهيمنة الاقتصادية بعباءة التنمية
إن من بين القضايا التي يحُذّر منها الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي رضوان الله عليه، قضية الهيمنة الاقتصادية على الأمة العربية والإسلامية والتي تدخل معظمها تحت مسمى “الدول النامية” في العالم، والتي تعتمد بشكل أساسي على منتجات شركات ومصانع دول الغرب الرأسمالية وهو ما جعل هذه الدول تفرض سيطرتها وهيمنتها على الدول النامية.
وأستطاع الشهيد القائد إن يُقدم رؤيته الاقتصادية الواسعة التي تتضمن التشخيص الفعلي لواقع الأمة وما تعانيه، وتطرَّق في دروس عدّة من هدي القرآن الكريم لحقيقة الهيمنةِ الاقتصادية لدول الغرب الرأسمالية على الأمة العربية والإسلامية، وأتحه لبيان وتشخيص بعض المفاهيم والقضايا الهامَّة ذاتِ الصلة كمفهومِ التنمية التي تستخدمها الدول الرأسمالية كعباءة للهيمنة على الأمة.
ولم يكن تناول الشهيد القائد لهذه القضية الخطيرة مجرد تناول سطحي بالاكتفاء بتوضيح أسبابها فقط؛ لأن هذا النحو من التعامل السطحي مع مثل هذه القضايا العميقة والمصيرية، يؤدي بالأمة إلى اعتماد علاج سطحي تسكيني ومؤقت، لا يُسمن ولا يغني من جوع؛ بل على العكس من ذلك فقد كان تناوله لهذه القضية الخطيرة وفق رؤية قرآنية وبشكل عميق يتعرض لجذور المشكلة، ومناشئها الأولى، وكيف تفرّعت وأينعت ثمارها المسمومة في جسد الأمة المريض.
وعقب الحرب العالمية الثانية، وبعد نجاح العديد من الدول العربية والإسلامية في الحصول على استقلالها، برزت على السطح قضايا مشاريع التنمية، حيث صورّت الدول الرأسمالية مشاريع التنمية بأنها طوق النجاة للدول النامية وخاتم الرضا، وبالتالي فلا مفر من الارتباط بها والخضوع لها، لاسّيما وأنها حالت دون إحداث تنمية اقتصادية وصناعية حقيقية لتلك الدول، وعملت على إبقائها مجرد مجتمعات استهلاكية غير منُتجة وأسواقٍ لمنتجاتها، وذلك عبر منظمة التجارة العالمية والشركات متعددة الجنسيات، ناهيك عن المنظمات المالية الدولية (صندوق النقد والبنك الدوليين) التي تَتّخذ من مشاريع التنمية وبرامج الإقراض ستاراً للهيمنةِ والسيطَرِة على العالم، ووسيلة لرهن إرادة شعوب وحكومات الدول النامية، فأغرقت كاهلها بالقروض الربوية وفوائدها المحّرمة تحت مبررات مشاريع التنمية التي تحدد هي مجالات إنفاقها وتوظيفها في مشاريع استهلاكيه غير انتاجيه وصناعية، والحيلولة دون نهوضها اقتصادياً وتنمية صناعاتها وصولاً إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي لها.
إن فكرة التنمية لم تكن أكثر من تلبية لاحتياجات النظام الرأسمالي في تهيئة أسواقٍ تستوعب منتجاته، والحصول على الأيادي العاملة الرخيصة في هذه الدول من جهة، ومن جهة أخرى لا تعدو التنمية في النهاية كونها زيادة في إيجاد حالة من التبعية للمركز الرأسمالي، حيث يستخدم مدخل التنمية عبر منح القروض الربوية والمساعدات المالية تحت يافطة خطط صندوق النقد والبنك الدوليين لتحقيق حالة التبعية الاقتصادية والسياسية للمركز الرأسمالي، كي لا يسمح لأي دولة أن تستقل ذاتياً.
وفي خضم ذلك، يُشير الشهيد القائد إلى إن التنمية من منظار الدول الرأسمالية لا تخرج عن استراتيجية إن تبقى الشعوب مستهلكة، ومتى ما نمت فتتحول إلى أيادي عاملة داخل مصانعهم، يقول: “لا تخرج تنميتهم عن استراتيجية أن تبقى الشعوب مستهلكة، ومتى ما نمت فلتتحول إلى أيد عاملة داخل مصانعهم في بلداننا لإنتاج ماركاتهم داخل بلداننا, ونمنحها عناوين وطنية[إنتاج محلي] والمصنع أمريكي، المصنع يهودي، والمواد الأولية من عندهم، وحتى الأغلفة من عندهم”، ويعزز ذلك بالقول: “التنمية من منظار الآخرين هو تحويلنا إلى أيدٍ عاملة لمنتجاتهم، وفي مصانعهم، تحويل الأمة إلى سوق مستهلكة لمنتجاتهم، أن لا ترى الأمة، أن لا يرى أحد، وليس الأمة، أن لا يرى أحد من الناس نفسه قادراً على أن يستغني عنهم؛ قوته، ملابسه، حاجاته كلها من تحت أيديهم”، ليتساءل بعد ذلك: “هل هذه تنمية؟” (اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً).
ويرمي الشهيد القائد إلى القول بإن القروض الربوية والمساعدات المالية التي تمنحها الدول الرأسمالية عبر صندوق النقد والبنك الدوليين تحت يافطة مشاريع أسواقٍ ومجتمعات استهلاكيه غير منُتجه، لاسيما وأن حقيقة تلك القروض الربوية يتم استخدامها لتنفيذ مشاريع هامشية وغير إنتاجية أو صناعية بما يعزز من حالة التبعية، يقول: “القروض التي يعطوننا قروضا منهكة، مثقلة”، ويُشير إلى: “وإن كانت هناك تنمية فهي مقابل أحمال ثقيلة تجعلنا عبيداً للآخرين، ومستعمرين أشد من الاستعمار الذي كانت تعاني منه الشعوب قبل عقود من الزمن”، ويؤكد ذلك بالقول: “يقولون لنا: بأن التنمية هي كل شيء، ويريدون التنمية، ولتكن التنمية بأي وسيلة وبأي ثمن! ويضيف: “انظر كم سيطلبون من القروض من دول أخرى؟ هذه القروض انظر كم سيترتب عليها من فوائد ربوية، ثم انظر في الأخير ماذا سيحصل؟ لا شيء، لا شيء” (اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً).