الخبر وما وراء الخبر

 السعودية و “خدمات المجاهدين” .. من بيشاور الباكستانية إلى العبْر بحضرموت

63

تقرير
فايز الأشول

أنشأ النظام السعودي، وبالتنسيق مع الاستخبارات الأمريكية «مكتب خدمات المجاهدين» في بيشاور الباكستانية عام 1982م، تحت يافطة تقديم الخدمات الإيوائية والإغاثية للنازحين من جحيم الحرب في أفغانستان، وبعد أشهر تحوّل المكتب إلى مركز استقبال وتفويج الشباب العرب لـ«الجهاد ضد السوفييت»، ومنه تشكّلت النواة الأولى لتنظيم «القاعدة».

وفي سبتمبر من العام 2015، أنشأ مركز «الملك سلمان للإغاثة» في منطقة العبر بحضرموت، مخيم إيواء مؤقت للعالقين في منفذ الوديعة الحدودي. واليوم تحول مخيم الإيواء الى ما يشبه «مكتب خدمات المجاهدين»، حيث يستقبل يومياً العشرات من الشباب اليمنيين العاطلين عن العمل والمعدمين، وكذا من فقدوا وظائفهم جرّاء الحرب والحصار خلال أربعة أعوام.

تستضيف مخيمات مركز «الملك سلمان» في العبر هؤلاء الشباب لمدّة 15 يوماً، يتلقّون خلالها محاضرات مكثّفة من شيوخ السلفية الوهابية عن جهاد «الشيعة الروافض»، وواجب الدفاع عن المقدسات في مكة والمدينة، وفي اليوم الخامس عشر، وبحسب مصادر لـ«العربي»، يصرف «لكل مجنّد 3 الاف ريال سعودي، وينتظر دوره مع زملائه حتى تأتي الشاحنات السعودية لإدخالهم الى المملكة عبر منفذ الوديعة، وتوزيعهم على معسكرات الخضراء بنجران، وظهران الجنوب في عسير، وصامطة في جيزان، ومنها يتم الدفع بهم الى الحدود الجنوبية للسعودية لقتال الحوثيين».

في ثمانينيات القرن الماضي، كان الشيخ عبدالله صعتر، يجوب القرى والأرياف في شمال اليمن، لاستقطاب الشباب لـ«الجهاد في أفغانستان ضد السوفييت»، وطوال شهور الحرب السعودية على اليمن، يتنقل الشيخ صعتر بين المعسكرات في جنوب السعودية، لتعبئة الشباب اليمني لقتال «الروافض» في صعدة.

تجارة بالبشر

من مدينة تعز والمديريات الخاضعة لسيطرة القوات المحسوبة على الرئيس المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي، تقول مصادر محلية لـ«العربي»: إن «3 إلى 4 حافلات تتحرك يومياً من تعز باتجاه مركز الإستقبال في منطقة العبر بحضرموت، وكل حافلة تقل 15 شاباً تتراوح أعمارهم ما بين الـ 17 و35 عاماً، وعند إيصالهم للمركز يتسلم السائق من القادة السعوديين 15 ألف ريال سعودي، أي ألف ريال مقابل إيصال كل شاب».

من المحافظات الجنوبية ومدينة تعز، كل الطرق سالكة للتجارة بالشباب اليمني وإيصالهم الى مخيمات العبر كرقيق، وبتسهيلات من كافة نقاط التفتيش التابعة لقوات مايسمى بحكومة الرئيس هادي المنتهية ولايته. وفي المناطق الخاضعة لسيطرة «أنصار الله» يتم استقطابهم من الداخل السعودي ومدينة مأرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ليجتازوا نقاط التفتيش بذرائع ووسائل شتى.

عدد من الشباب الذين عادوا من جبهات القتال مع السعودية في نجران وجيزان وعسير، نقلوا لـ«العربي» جانباً من المأساة اليمنية، قائلين: «ثلاجة مستشفى ظهران الجنوب ممتلئة بجثامين زملائنا، ومئات آخرين تم دفنهم في مقابر بمنطقة الخضراء في نجران، ومنطقة صامطة في جيزان. البعض منهم دفنوا من دون إبلاغ أهاليهم، والبعض دفنوا كمجهولي الهوية».

ويضيف الشباب العائدون: «لم نتلق أي تدريبات عسكرية، وكان يتم الدفع بنا إلى خطوط المواجهات الأمامية مع الحوثيين في جبهات البقع وعلب وشدا والظاهر، ولم نحصل ولا زملاءنا على بطائق عسكرية، ولم تقيد أسماؤنا في سجلات الجيش اليمني».

وأردفوا «في الشهور الأولى من الحرب، كنا نتسلم الف ريال سعودي شهرياً، ومن يقتل منا يسلم لأسرته 100 الف ريال سعودي، والجريح 25 الف ريال سعودي، ومنذ يناير 2018 خفضت السعودية المبلغ إلى 15 الف ريال سعودي لأسرة كل قتيل، والجرحى يتم إخراجهم الى مدينة مأرب للعلاج في المستشفيات الحكومية والخاصة على نفقة مركز سلمان».

تجنيد كمرتزقة

ضابط في رئاسة الأركان بمأرب، عبَّر لـ«العربي» عن امتعاضه من الوسائل التي تنتهجها السعودية للدفاع عن حدودها، قائلاً: «إذا أرادت السعودية مقاتلين على حدودها، فهناك جيش وقيادات مسؤولة وفي إطار العمل المشترك بين القوات اليمنية والسعودية، أما التجنيد بهذه الطريقة فإنه سيعرّض الرئيس الفار هادي والقيادات العسكرية في رئاسة الأركان، لخطر المساءلة والعقاب مستقبلاً».

وأوضح أن «الجانب السعودي لا يشركنا في تجنيد الشباب للقتال في جبهات الحدود، ولكن قيادة القوات المشتركة للتحالف تبعث لنا بأسماء القتلى منهم شهرياً، وتطلب من رئاسة الأركان ضمهم في سجل شهداء الجيش الوطني وتوزيع أسماءهم في كشوفات المناطق العسكرية الداخلية، وكأن السعودية تتعمد استغلال الشباب اليمني وإلقاء تبعات استغلالها علينا».

هذا التصريح يؤكد أن ما يقوم به النظام السعودي جريمة مكتملة الأركان، وأن سياسة الحصار والتجويع تفرز تجنيد اليمنيين كمرتزقة للدفاع عن حدود المملكة، ومن نجا منهم من الموت فقد تم زرع بذور التطرف في داخله، ب

فتاوى التكفير التي تجيز قتل المخالف له في المذهب.

صراع طائفي

أربع سنوات من الحرب ولم تتمكن خلالها السعودية من الدفاع عن حدودها مع محافظة صعدة، فلا يزال مقاتلو «أنصار الله» في العمق السعودي بنجران وجيزان وعسير، يواصلون نصب الكمائن للمدرعات والعربات وناقلات الجند، ويفجرون أبراج الرقابة، ويقتحمون معسكرات ومواقع حرس الحدود. كما أن لجوء السعودية إلى تجنيد الشباب اليمني لم يغيّر كثيراً في ميزان القوة لصالحها، ولكنه حمل بذور صراع طائفي بداخل المملكة.

بحسب دراسة حديثة لمعهد «واشنطن لدراسات الشرق الأدنى»، فإن: «الحرب في الحدود الجنوبية للسعودية، قد تتسبب في قيام توترات اجتماعية جديدة في نجران»، مشيرةً إلى أن «مئات المرتزقة اليمنيين الذين وظفتهم الرياض للمساعدة على حماية المنطقة الحدودية، غالباً ما يجوبون مدينة نجران ذات الأغلبية الإسماعيلية الشيعية، وهم يلوّحون بأسلحتهم، كما يقوم المرتزقة، وهم من السنّة، بتزيين سياراتهم بعبارات جهادية مثل (أسود السنّة)، وبالنسبة للإسماعيليين، تُعتبر مثل هذه العبارات هجومية ومهدّدة في الوقت نفسه».
ورأى المعهد أن «حِدة التوترات الطائفية تصاعدت مؤخراً في نجران، بسبب تكاثر أعداد المرتزقة اليمنيين».