المعاوز اليمنية: لوحات فنية، ذهبية الأنامل.!
ذمار نيوز| إستطلاع | فؤاد الجنيد، الثلاثاء 29 محرم 1440هـ، الموافق 9 اكتوبر 2018م.
من أول وهلة تستوطنك الدهشة مرغماً وأنت تجول في خصائص الإنسان اليمني وتفاصيل حياته وكفاحه، تبهرك روحه المتوقدة بالإصرار، وبهمة نحلة وقعت على زهرة؛ تقع عيناك على تفاصيل ذلك الملبوس المتقن الذي يلفه الرجل على الجزء الأسفل من جسمه، من الخصر إلى ما بين القدم والركبة، تتسمر في ذهول وأنت تغوص في تلك التفاصيل.
دقة خيوطه المتراصة، وانسجام أشكال زخارفه، ونقوشه المتقنة، وزهاء وتناغم ألوان خيوطه، وكأنك تقرأ لوحة تشكيلية بديعة رسمتها أنامل ذهبية لا تقل شأنا عن الأنامل الشهيرة التي تركت لوحات فنية تعرض بين الحين والآخر على المزادات العالمية، وتكتشف فيما بعد أنك في معرض فني مفتوح يرتدي أكثر من 85% من اليمنيين لوحاته الفنية الفريدة المتنوعة بتنوع أنماط وألوان المدارس الفنية المختلفة..
من جذور الحضارة
في اليمن السعيد، البلد العربي الأشهر بحضاراته العريقة الضاربة في جذور التأريخ، والموطن الأعرق للكثير من الصناعات الحرفية المتميزة التي حافظت على مكانتها وشهرتها وطابعها التقليدي، واستطاعت الجمع بين الهوية والتراث والموضة، وأضفت عليها لمسة جمالية أهلتها للولوج بقوة إلى دائرة المنافسة وتحقيق الريادة.
فاستطاعت “حياكة المعاوز”، تلك الحرفة اليدوية التي تمارس بأدوات تقليدية تحقيق شهرة كبيرة في اليمن، ليصبح المعوز الزي الأوسع انتشارا في اليمن وفي أوساط مختلف الفئات العمرية، وتحقق تجارته وإنتاجه رواجا كبيرا، والطلب عليه في تنام مستمر سواء في الأسواق الداخلية أو الخارجية.
صمود المهنة الأصيلة
تعد حياكة المعاوز من الصناعات النسيجية التي تمارس بالوسائل التقليدية كمهنة أصيلة حافظت على مكانتها من الاندثار أمام طغيان المكينة والمنافسة الكبيرة؛ ليظل المعوز موروثا شعبيا يدل على العراقة والتميز والإبداع. وإذا تكشفت الرسومات والتماثيل الأثرية للحضارات اليمنية القديمة ستجد أن المعوز يمثل صورة نمطية للزي الذي ارتداه الإنسان اليمني القديم وحافظ على مكانته عبر التاريخ.. ومع مرور تلك الحقب الزمنية نشر اليمنيون هذا الزى إلى الكثير من العالم خصوصاً في قارة إفريقيا وشرق آسيا سواء عن طريق الهجرات اليمنية التاريخية أو عبر التجارة الملاحية وموقع اليمن التجاري الذي تمر إليه طريق القوافل..
مهارات خاصة
والحياكة ليست بالأمر السهل فهي تتطلب مهارة خاصة وخفة في حركة اليدين والرجلين والتركيز أثناء العمل للحصول على منسوج جميل وجذاب وذي حياكة متقنة، إذ يحرص صناع المعاوز على التفنن في حياكتها وتزيينها بالنقوش لتلبية اختلاف أذواق الناس واستمالتهم لشراء هذا الزي، فهي اليوم بألوان وأصناف كثيرة، وأدخلت عليها الرسومات والزخارف والنقوش والعبارات لتشكل لوحة فنية بديعة..
مراحل وتحديثات
مرت حياكة المعاوز بمراحل هامة تطورت خلالها عملية الحياكة وتطورت كذلك الآلة التي يحاك عليها، ورغم ما مرت به المعاوز إلا أنها لا تزال تحافظ على شعبيتها، حيث كان يطلق عليها أزر أو الكساء وكان يرتديه أهل الريف، وشاع في الماضي بين القبائل تسميتها ”معاوز” و المعاوز بالفتح جمع معوز بالكسر، وهو الثوب الخلق الذي لا يتبدل لأنه لباس المعوزين ” الفقراء” وتصنف المعاوز بشكل عام إلى ثلاثة أنواع منها الصافي أو” السادة” باللهجة الشعبية ويكون بلون واحد و” القدا” يكون بلونين والثالث “النقشة” وهو ينسج بلون واحد أو أكثر لكنه سميك وتدخل فيه النقشات التي تكون إما بلون واحد أو أكثر حيث تطرز المعاوز وتطعم بزخارف ورسومات ملونة تجعل منها لوحة تشكيلية غاية في الجمال.
مكونات الحياكة
وآله الحياكة فريدة في عملها بسيطة في تركيبها ومكوناتها التي هي عبارة عن مجموعة من القطع الخشبية تسمى القاعدة.. فلم تكن آله الحياكة القديمة كما هي عليه حاليا.. فهي ذات حجم كبير يتطلب تركيبها وجود مكان متسع وفي دور أرضي إذ تحتاج إلى حفرة في الأرض بعمق 60سم تثبت فيها الزناجر” الدعسات” يجلس الحائك على حافتها ويمد إلى الحفرة رجليه لتحريك الزناجر” الدعسات” لتحريك العمل وممارسة عملية النسج.. وهي غير قادرة على إدخال النقشات والزخارف على المنسوج فهي تنتج قماش عادي” سادة” يطلق عليه مقطب” وذلك بسبب قلة عدد” المواجح” حيث كانت للآلة القديمة موجحين فقط.. وكان لذلك الحجم الكبير إسهاما في إنتاج المقطب كقطعة كاملة على عكس الآلة الحديثة التي ينتج خلالها المعوز على مرحلتين في كل مرحلة قطعة طولية تسمى شقة” تلصقان ببعض بآله تطريز خاصة.
وكان الخيط الأساس الذي يشكل منه المعوز” الشرعة” توضع في حفرة على الجهة الأخرى من الحائك ويتطلب تركيبها على الآلة جهد كبير لترتيبها وربطها في بداية العمل، لكنه تم ابتكار طريقة أخرى للف الخيط الأساس على بكرة حديدية كبيرة تثبت على الآلة وتلف بعناية من خلال مصانع تخصصت في هذه المجال يطلق علي تلك البكرة ” البيم” ويمتاز البيم” باحتوائه على كمية من الخيط الأساس تكفي لانجاز 16 معوز بينما تحتوي الشرعة كمية من الخيط تكفي لانجاز 8 معاوز فقط، ويتشكل المعوز من 1800-2000 خيط من الخيط الأساس الطولي.
مصدر دخل
تسهم عملية حياكة المعاوز في إنعاش الاقتصاد اليمني من خلال تحسين المستوى المعيشي وإيجاد مصادر للدخل والحد من عملية البطالة ويستفيد منها الآلاف من الأسر اليمنية في كثير من المناطق من خلال عملية إنتاج المعاوز أو تسويته، خصوصا وأن المعاوز تحقق رواجا كبيراً في الأسواق اليمنية المحلية ويمتد الطلب إلى عدد من أسواق دول الجوار.