الخبر وما وراء الخبر

أنتم السبب!

124

نجيب القرن


 

هكذا باختصار شديد واستهتار بالعقول يبرّرُ الطرفُ المؤيّدُ للعدوان، وكثيرٌ من المغرّر بهم الذين اختلطت مفاهيمُهم، يبررون للاعتداء الهمجي الذي تشنه مملكة الشر وتوابعها، بجملة مقتضبة وسريعة مفادها (أنتم السبب) يتحججون بهذا الرد هروباً من تتبُّع السبب الحقيقي وحيثيات وتداعيات هذا العدوان علينا.

عبارة أنتم السبب والتي يقصدون بها اللجان الشعبية والجيش ومواقفهم العملية السابقة في مواجهة الخلل الأمني قد تبدو للوهلة الأولى صحيحة ومقبولة عند عوام الناس ومحدودي المعرفة من الذين يحكمون على ظواهر الأمور دون القراءة لما بين السطور والغوص في أعماق الأشياء.. اختصار المشهد الدائر لهذه الهجمة الحاقدة بجملة أنتم السبب ليس من العقل والإنصاف، وتعتبر هروباً من المكاشفة ليس إلا، وهي تهمة سهلة غرضها تحميل طرف بعينه ومقصدُها أيضاً تبرئة الطرِف المعتدي مباشرة وتبرئة الأطراف التي أدخلت الغزاة وأيّدتهم بوضوح دون خجل.

هل كان سيحدث كُلّ هذا الدمار لولا استغاثة خونة الداخل بأربابهم؟.. تأملوا جيداً هل كانت حروبنا الداخلية في بعض المحافظات موجهة أصلاً ضد شعبنا كله كما هو حاصل اليوم منهم؟، أم أنها كانت تستهدف فئة بعينها ممن تسوم شعبنا الويل وتمارس التخريب في الأرض؟

السبب الحقيقي الواضح والماثل للعيان جاء نتيجة استدعاء المملكة لضرب وطننا من الذين منحوها صكوكَ شرعية الاستباحة، ولولا عمالتهم لما تجرّأت المملكة وتوابعها على التدخل في شؤوننا الداخلية.

ثم من الذي خوّل المملكة أساساً للتدخل في قضايانا الخاصة؟.. هل اليمن فرع للأسرة السعودية وموكلة علينا حتى تتجرأ لتحميَ فرعها الأسري في بلاد اليمن.. هل كان عليها المجيء بهذه الهمجية وهذا الحقد؟، أم أن العقل يقتضي منها أن تتدخل بالصلح وطلب التهدئة كما هو حال ونهج سلطنة عمان الشقيقة وكما هو نهج جمهورية إيران التي طالبت بالحل السياسي علاجا لقضيتنا؟

لو عدنا للنقاش بموضوعية لمعرفة تداعيات هذا العدوان وأسبابه الجوهرية لوجدنا مسببات عدة أوصلت البلد لهذا المربع، انكشاف حقيقة الوجوه القميئة التي لا تنفك عن الخروج من بوتقة الوصاية السعودية، ربما هي النقطة الأساسية، بل مؤكَّدٌ أنها أهم أسباب هذا التدخل، وذلك حين رأت المملكة أياديها العميلة تكسرت واحدة تلو الأخرى خصوصاً الجماعات الوهابية المعروفة والتي تلقت ضربات موجعة على الأرض في عدة محافظات.

تدخل المملكة ليس نجدة وحباً في هادي أو لأجل حمران الذقون! بقدر ما هو حبٌّ في بقاء الاختلالات وضعف البلد وعدم نهضته واستقلال قراره السيادي.

الكثير من الذين يكتفون بكلمة أنتم السبب يقولونها تنصلاً من مواجهة الحقيقة، وبعضهم كردة فعل مستعجلة مع اكتناف نفسياتهم بالخور والخوف، نتيجة للآثار التي خلّفها العدوان.

ومن الطبيعي جداً بروز صنف من الناس يسبح في فلكه الشخصي ولا يريد رؤية وملامسة أي عناء مقابل إحداث تغيير للواقع، الكثير يرضخون لقبول الحال والعيش المزري رغم استنكارهم له، فقط لا يريدون التحرك وخوض الغمار واستشعار تحمل المسئولية والألم مقابل الوصول لحياة كريمة وحرة إن لم تكن له فللأجيال من بعده.

الكثير من المثبطين أصحاب همَم ضعيفة يحلمون بتغيير الواقع دون أي جهد أو أذىً، يكتفون بالتوقف عند إنكار المنكر باللسان أو القلب فقط! تنصلاً وخوفاً من مجابهة المشقة. في المقابل هذا الحال لا يقبله الكثير من أصحاب الهمم العالية عشاق الحُرية والباذلين أرواحهم وأموالهم مقابل الوصول للغايات الكبيرة والنبيلة.. واليوم للأسف يقابَلون بكلمة (أنتم السبب)!.

الذي تحججون بهذه العبارة السهلة وألقوها في أوساط الشعب ليبرؤوا أنفسهم ويلووا أعناق الحقيقة هم أساساً من وقفوا ليواجهوا ما كنا ننشده من تغيير حقيقي منذ بداية خروجنا السلمي في ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر وصولاً للتصميم على وثيقة السلم والشراكة.. الذين استدعوا اليوم أرباب نعمتهم لاستباحة البلد ولم يرعهم كُلّ هذا الدمار يرددون باستخفاف كلمة (أنتم السبب) يجيدون أساليبَ التغرير على أفهام الكثير من الشباب المنقاد حزبياً وتحت مبررات أخرى قدمها لهم مشايخُهم الكبار وقادتهم الحزبيون ليتجاوبوا معها بكل سلاسة دون تفكير.
مع أنه كان يفترض بالشباب وأثناء الفترة الواقعة بعد ثورة فبراير، أقصد خلال الثلاث السنوات من الشراكة والتقاسم بين أحزاب المشترك والنظام السابق الذي ثرنا عليه جَميعاً، يفترض بهم أن يدركوا جيداً أن قادتهم عملاء ومصابون بمرض الارتهان ويفتقدون لامتلاك مشروع حقيقي لإصلاح البلد بعيداً عن أعين الوصاية السعودية.
كان على الشباب المتطلع لدولة مدنية أن ييأسوا تَمَاماً من إمكانية حدوث تغيير للبلد عبر هذه الآليات القديمة وعدم تكرار المكرر أو تجربة المجرب. التفكير الجدي والبحث عن البديل وإن كان مراً ومكلفاً هو المطلوب، لا أن يظلوا رهناً للتفكير العاجز المنبعِث من عجائز أمناء أحزابهم ومشايخهم الباحثين والمكتفين بمسكنات لآلام البلد وصولاً للاستماتة والدفاع عن بقاء ورجوع هادي وكأنه المشروعُ المتبقي والخالدُ للبلد.. في الأخير سيكتشفون أنفسَهم ينافحون لأجل فقط عودة شرعية التذلل والشحذ وإبقاء شعبنا أسيراً لأفكار الأسرة السعودية ومبادراتها.. هل يمتلكون هدفاً واضحاً غير ذلك؟

نحن السبب إذن في الوصول لمواجهة الأمر الواقع والمطلوب شرعاً وعقلاً والذي كان لا بد منه كي نتخلص من أصل الداء ومنبعه، نحن السبب في فضح العملاء والمرتزقة المرتهنين للأسرة السعودية، نحن السبب في جعل الكثير يقدمون نموذجاً تحتذي به الأجيالُ من البطولة والشجاعة والصمود ورفض الباطل، نحن السببُ في الانتصار القادم بإذن الله ودكِّ عروش الطواغيت الكبار في الداخل والخارج.