ضوران آنس: متحف الحضارة وأرجوحة السماء..
ذمار نيوز | خاص| إستطلاع : فؤاد الجنيد 24 محرم 1440هـ الموافق 4 أكتوبر، 2018م
وأنت تطلق لعينيك العنان لتسبح في متعة النظر إلى الطبيعة، تغمرك الفتنة، ويحتل الذهول هكتارات حواسك، ويجتاح الشك يقينك ليقنعك أنك في خيال، وأن اللحظة مسروقة من خزانة الغائب البعيد الذي تطبق عليه بنات الأفكار في معتقلات الحقيقة.
ضوران آنس، إحدى مديريات محافظة ذمار، وإحدى مديريات آنس، حورية تتوشح الخضرة، وجهها تأريخ، وأطرافها نقوش يطرزها العقيق، وفي ابتسامتها كتاب مفتوح من مؤلفات الجمال والجلال.
فاتحة الإستهلال
ضوران آنس مدينة أخذت تاريخها الضارب في ازلية المكان من المعاقل الحميرية الشهيرة، ولها اسم قديم يعرف بـ”الدامغ”، ويقال أنه الدامع بالعين المهملة لكثرة عيون الأنهار الدامعة فيها، ولها طبيعة ساحرة تتوشح بالخضرة ودفق الماء، وفي جعبتها أهم المعالم التاريخية والحضارية التي تميزها عن وصيفاتها وجيرانها في أصقاع السعيدة المترامية.
المدينة القديمة
وهي مدينة لم يبقَ منها سوى اطلالها، بعد أن هدمها زلزال عنيف في العام 1982م، لكنها لم تستسلم لمصيرها، وحضيت ببناء مدينة جديدة خارج موقعها حملت نفس الإسم في منطقة “بكيل” جوار “بلدة البستان”، لكن جامعها الأثري المشهور تهدم كاملاً، وهو واحد من أجمل الجوامع الإسلامية بما يحتويه من البنى الفريدة والزخرفة المدهشة والبديعة، وفيه مصحف خطي مذهب لا نظير له في ربوع اليمن .
جبل الدامغ
وهو الجبل الذي يعتلي جبل ضوران، ويقع عند المدخل الوحيد إلى جبل ضوران، ويتحكم كلياً بالطريق القادمة منه أو الآتية إليه، ولمكانه الإستراتيجي وموقعه الهام جعل منه الأتراك قبل الدولة القاسمية مركز شرطة و نقطة تفتيش وسموه باللغة التركية “كركون”، ولا يزال أبناء المنطقة يطلقون عليه هذا الإسم حتى الآن، ومن أعلى قمته يخيل إليك أنك في أرض في سماء، فتبدو أمامك بوضوح مدينة ذمار وجبال النبي شعيب وعانز وقاع جهران المحجوب بالجبال، وقمته أرض مبسوطة زراعية وصخرية، وفيها قريتين آهلتين.
آثار ومخازن
في هذا الجبل الشامخ والمدهش آثار حميرية كثيرة، وفي أسفله مخازن بنيت من حجار الحبش العظام وسقفت بها، وكذا مدافن منحوتة في الجبل لخزن الحبوب والثمار والغلال، ويسميها الأهالي “مدافن جهنم” لسعتها الكبيرة، إذ تتسع الواحدة منها الألف قدح، وتنتشر في الجبل مدافن أخرى في الجهة الشرقية الشمالية وبجوارها أطلال القرى التي تم بناؤها في عهد الدولة القاسمية، إلا أن هناك بقايا أحجار ضخمة وأسس صلبة تعود لقصر سبأي قديم عند مدخل الجبل في الطريق المطل على المدينة مقابل جبل الدامغ، وبينهما الطريق الرئيسي الوحيد للجبل، وهو أحد الثلاثة المذكورة في التأريخ، أما القصر الثاني فيقع في منتصف الجبل، وهو موقع المدينة نفسها التي اندثرت بكارثة الزلزال العام 1982م في موقع يسمى تاريخياً “المصنعة”، والثالث يقع في أسفل عتبة المصنعة، ولا تزال أحجاره وآثاره قائمة حتى الآن.
جبل الهان
وهو جبل آخر في مديرية ضوران آنس، ويقع في عزلة حمير أخصب تربة في آنس، وقد ذكر في معجم البلدان لياقوت الحموي أن “الهان” بوزن “عطشان” وهو إسم لزعيم قبيلة يدعى “الهان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة.
العقيق اليماني
تشتهر آنس بمعدن العقيق النفيس، ويعد العقيق اليمني من أشهر أنواع العقيق في العالم، ويتواجد في عزلة بني قشيب وفي مخلاف الهان، ويستخدم العقيق في الخواتم ومقابض الخناجر والسيوف، كما توجد في بعض فصوص العقيق بعض الصور الطبيعية للأشجار والنخيل ويقال أنها حميرية أصيلة من الزمان الغابر.
الحمامات الطبيعية
تنتشر الحمامات الطبيعية في مديرية ضوران أنس ويرتادها الزوار والقاصدين، وأبرزها “حمام علي” ويوجد في آنس جنوب ضوران على بعد 10كم وهو من الحمامات الشهيرة يؤمه معظم اليمنيين لغرض الإستشفاء. وهناك حمام آخر في الجهة الغربية منه، وحمام “قمعة” في فرش آنس، وحمام “بني سويد” في آنس جهة الفرش.
مسك الختام
لا شك أن الزائر لهذه المدينة سيعز عليه فراقها، فهي جنة الطبيعة وشموخ الجبال، وصندوق الآثار وجوهرة العقيق، مدينة تقبع في بقعة جغرافية تتبع إدارياً محافظة ذمار؛ لكنها قبلة العالمين وفاتنة العاشقين، وآسرة المنقبين عن الحضارة والتأريخ وعراقة الإنسان والمكان.