الخبر وما وراء الخبر

الارهاب ولغز “الصندوق الأسود الغربي”

119

أي لغز هذا الذي يتكتم عليه الزعماء الغربيون فيجعلهم يتخبطون في مواجهة الأعمال الإرهابية التي وصلت الى عقر دارهم، من الواضح انهم مصدومون حقا بسبب التفجيرات والهجمات الإنتحارية التي حولت الحياة اليومية لشعوبهم الى كابوس. الشيء المؤكد ان اسراراً تقبع في “صندوقهم الأسود” ومعلوماته الهائلة التي تشي عن خارطة طريق الإرهاب التكفيري على مستوى العالم الإسلامي، بيد أنهم مضطرون الى ابتلاع الغُصص ـ راهنا ـ منعا للمزيد من الفضائح بعدما ارتد السحر على الساحر.

بالأمس اعلنت فرنسا انها قتلت من اعتبرته العقل المدبر لهجمات باريس (عبد الحميد اباعود).. وقبل  شهور أعلنت جماعة طالبان ان زعيمها “الملا عمر” قد لقي مصرعه قبل سنتين ولكنها أخفت الخبر عن انصارها.. وفي كلتا الحالتين لا توجد وثيقة فيلمية او تصويرية تثبت صحة هذه المزاعم.

وفي عام 2011 داهمت القوات الاميركية مخبأ زعيم تنظيم القاعدة “اسامة بن لادن” في باكستان، واوحت للرأي العام العالمي بأنها قتلته، دون تقديم اي دليل ملموس يعرض تفاصيل هذه العملية.. أما خليفته “ايمن الظواهري” فقد انقطعت أخباره ولم يعد يعطي تصريحات او بيانات او فتاوى تصعيدية.

لقد برهنت تطورات الأزمة والصراع الداخلي في سوريا ومن ثم في العراق (الذي عوقب أيضا لأنه حاول الخروج من بيت الطاعة الاميركية)، على أن كل ما تم آنفا على مستوى تغييب “قادة التطرف الإسلامي”، إنما كان يتحرك باتجاه تغويل تنظيم “داعش” الدموي، واظهار زعيمه المدعو “ابو بكر البغدادي” ـ ولو لمرة واحدة ـ عبر وسائل الاعلام، معلنا نفسه ” خليفة ” داعيا المسلمين الى  “مبايعته على السمع والطاعة” .

القاسم المشترك للأشخاص المذكورين هو أنهم ترعرعوا جميعا في “المدرسة الوهابية التكفيرية” ،  وتزودوا بالأموال الطائلة من الأنظمة البترودولارية العربية الخليجية ، وتعاملوا مع المخابرات الأميركية والغربية والإسرائيلية . بل هم صنيعة السياسات العدوانية العابرة للقارات مباشرة أو بالواسطة . ولقد اعترف مسؤولون اميركيون وأوروبيون بهذه الحقيقة ، كما انهم لم يترددوا عن كشف هذه العلاقة في شبكات التلفزة والصحافة المقروءة وفي المنتديات السياسية والإستراتيجية والأمنية.

واذا أخذنا تصريحات هؤلاء المسؤولين بنظر الإعتبار فانه سيتأكد لنا ان المسلمين والعرب باتوا في راهننا المعاصر ، ضحية مخطط استكباري يتفنن يوما بعد آخر في ضرب الامة المحمدية الكريمة ب “إسلام مصطنع “، قدمت تجاربه المتتالية (طالبان ، القاعدة ، جبهة النصرة ، واخيرا وليس آخرا داعش) ابشع الأمثلة في الغدر بالإسلام  وتشويه سماحته واهدافه المشرقة وتكريس الفرقة والتناحر وإراقة الدماء البريئة هنا وهناك بالإضافة الى تمكين اللصوص الدوليين من الإستحواذ على ثروات المنطقة وعلى رأسها النفط والغاز.

على صعيد متصل لم يدّخر صانعو القرار الغربيون وسعا وجهدا وميزانيات ضخمة واعلاماً من أجل تبشيع ديننا الحنيف ، باستغلال مختلف عناوين الكذب والتزييف والخديعة والافتراء، ابتغاء الإساءة الى الإسلام المحمدي الأصيل الذي صار ينتشر ويتمدد في اوروبا والولايات المتحدة وكندا، بل في اغلب بقاع العالم.

فلقد حشد العلماء والمفكرون والدعاة المخلصون من مختلف المذاهب الإسلامية جهودا جبارة وبذلوا مساعي مضنية لتبيين حقيقة الإسلام وتعاليمه وقيمه النبيلة لجميع الأمم والشعوب في كل قارات الأرض، وذلك وفق قواعد منطقية ومنطقية حظيت بالقبول والترحاب والتجاوب من بني البشرية كافة، الأمر الذي أقض مضاجع اعداء القيم السماوية وحرضهم على  منابذة  مضامين (الكلمة الطيبة والمجادلة بالحسنى والتفاعل الحضاري والتثاقف الإنساني والتعاون على البر والتقوى ) التي يزخر بها الاسلام العظيم ، بكل الوسائل الشيطانية التي تقلب هذه الصورة الرحمانية رأسا على عقب.

وعلى هذا الأساس وجد زعماء الغرب المتصهين في “الوهابية المنحرفة ومشتقاتها” ضالتهم المنشودة لتكريس مبدأ “الإسلام فوبيا” فكان “نموذج داعش الدموي التكفيري” آخر صرعاتهم لتحقيق غاياتهم العدوانية الخبيثة، وقد وضعوا تحت تصرف اتباعه امكانات هائلة من التمويل والمدخرات الذهبية والأسلحة المتطورة، والسماح لهم باحتلال الأراضي الواسعة الممتدة ما بين سوريا والعراق بما فيها مدينتا الرقة والموصل، وتمكينهم من إعلان “دولة خلافة” خارج نطاق المجتمع الدولي وبعيدا عن رقابة القرارات الأممية. يمارس فيها التكفيريون المتلبسون بلبوس الدين، كل الأعمال المنفّرة من الإسلام والقرآن والسنة النبوية العطرة وسير الأئمة والصالحين والأخيار على مرّ التاريخ.

وبالفعل فإن زعماء القوة والمال الغربيين ماضون قدما الآن في استغلال المذابح والهجمات الانتحارية والممارسات الغادرة والجرائم الوحشية لـ”الدواعش” واشباههم، في سبيل إلصاق كل الموبقات والمساوئ والتشنيعات بالإسلام الكريم بجريرة جرائم ارتكبها ويرتكبها أناس متشددون، كانت المخابرات الإستكبارية قد أهلتهم الى ممارسة الإرهاب والتطرف، نتيجة  لانحرافاتهم العقائدية التي استلهموها من “الإسلام السعودي الوهابي المشبوه” أو بسبب الظروف السياسية والإقتصادية والاجتماعية الصعبة التي تعرضوا لها في بلدانهم أو في دول المهجر.

الفايننشيال تايمز البريطانية كتبت في عدد امس  20 ــ 11 ــ 2015 عن المشتبه في انه كان العقل المدبر لتفجيرات  باريس الإرهابية ليل (14 نوفمبر 2015)، وذلك من باب التهكم، قائلة : “ان عبد الحميد أباعود تحول في ظرف عامين من لص ضواحي الى القتل الجماعي”، وأضافت الصحيفة: “ان أبا عود يمثل الوجه الجديد لإرهاب الإسلاميين المتشددين”.

اما  الغارديان فقد تمادت هي الأخرى في تخويف المواطنين الغربيين من الإسلام وتكريس فزاعة “الإسلام فوبيا” بزعمها “أن ثمة احتمالاً لشن هجوم بالأسلحة الكيمياوية في اوروبا”، حيث استندت الصحيفة في تحليلها الى تحذير رئيس وزراء  فرنسا “مانويل فالس” بهذا الصدد.

واضح ان مجمل هذه المواقف والتصريحات والتحليلات تقودنا الى سيناريوهات تحريضية وفتنوية بالغة الخطورة يراد من ورائها هدم جسور التواصل والتآلف والتفاكر بين الشعوب الإسلامية من جهة والمجتمعات الغربية من جهة اخرى، والعمل على اجهاض كل النتائج والمكاسب الطيبة التي تحققت بفضل الخيرين من سفراء الإسلام الناصع الى دول العالم اجمع، وبالتالي تكريس فكرة صراع الحضارات التي يروج لها الأميركيون منذ عقدين من الزمن. وهي الفكرة القائمة على قاعدة (تقديم الإسلام كعدو للحضارة الغربية ولأسباب التطور في المجتمع الإنساني العالمي)..

إن المرء ليتألم بشدة وهو يتابع المخططات الكيدية الحاقدة على مستوى تمويه شعوب البلدان الغربية وتعمية مقاصد الإسلام الكريمة والسمحاء على أبنائها المضللين تحت تأثير البروباغندا الاستكبارية. فالماكنة الإعلامية والدعائية والسينمائية المسيطر عليها من قبل اللوبي الصهيوني، لم تترك سلاحا دنيئا إلا واستخدمته للإساءة الى الأمة الإسلامية والى خاتم الأنبياء والمرسلين المصطفى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. ومن تلك الأسلحة حاليا “سلاح الإسلام التكفيري والإرهابي” الذي امتدت اعماله المدانة والبربرية الى اوروبا.

بيد ان ثمة سؤالا مصيريا ينبغي ان يراود اذهان العقلاء والمنصفين والاحرار في العالم وهو: من الذي صنع هذا الإرهاب القاتل الذي اشاع رعبا لايصدق ولايعقل في اوروبا واميركا ومناطق الغربيين الأخرى؟

اعتقادنا الراسخ هو ان الإجابة على هذا السؤال موجودة لكنها مغيبة تماما، بسبب أن الوقائع والحقائق  كامنة في الصندوق الأسود لصنّاع الشر والعدوان والكراهية والأحقاد والكوارث، من أباطرة الإستكبار العالمي الغربيين المتصهينين، دون ان نعني بذلك الشعوب الغربية.. ففي هذا الصندوق توجد أسرار داعش والقاعدة وطالبان وبوكوحرام ولشكر جنك جو. ومن قبل يوجد فيه  لغز صناعة دولة ال سعود الوهابية في بلاد الحرمين الشريفين. وهي المسميات التي استحدثت لقتل الإسلام بأيدي أبنائه المغرر بهم.

ولكن هيهات ان يصل الطغاة الى مبتغاهم مادام الاسلام الطاهر ينبض في عروق المجاهدين المؤمنين والمقاومين الشرفاء الذين نذروا ارواحهم لصيانة الدين الحنيف والقرآن العظيم والسنة المحمدية العطرة من الدس والتحريف، ووطّنوا انفسهم على حماية المقدسات والأوطان والحقوق والمقدرات من التدنيس والإثم وألعدوان، مهما بلغت لأجلها التضحيات.

* حميد حلمي زادة- موقع العالم