الخبر وما وراء الخبر

أبعاد استراتيجية لعمليات الجيش واللجان الشعبية اليمنية خارج الحدود

84

بقلم / شارل أبي نادر

من الواضح مؤخراً، أن معركة الدفاع الاستباقية للجيش واللجان الشعبية اليمنية خارج الحدود، لم تعد تنفذها الوحدات البرية فقط، وبشكل حصري على الجبهات المتداخلة مع المحافظات السعودية الجنوبية الثلاث: جيزان وعسير ونجران، بل قد تخطتها الى تنفيذ عمليات نوعية بسلاحي الجو والبحر، مستهدفة مطارات ومرافئ دولتي تحالف العدوان على اليمن الاساسيتين: السعودية والامارات.

بالأمس، وفي اليوم الأخير من شهر أيلول/سبتمبر الماضي، نفذ سلاح الجو اليمني عملية استهداف لمطار دبي الدولي عبر طائرة قاصف 3 المسيّرة، والتي أطلقت أكثر من صاروخ على أهداف محددة داخل المطار، بعد أن اجتازت مسافة بلغت نحو 1200 كلم ، وتواكبت تقريبا مع تنفيذ سلاح القوة البحرية اليمنية عملية خاصة على سواحل السعودية الجنوبية الغربية، حيث تم استهداف زوارق حربية تابعة لحرس السواحل في مرفأ جيزان العسكري السعودي على البحر الاحمر.

في الامارات، كالعادة، تجاهل المسؤولون الموضوع، ولم يعترفوا بالاستهداف وبوصول الطائرة قاصف 3 الى المطار المستهدف، لان لهذا الاعتراف لو حصل تداعيات مهمة تتجاوز الخسائر المادية التي ممكن أن تكون سببتها صواريخ قاصف 3 في المطار، ومنها الخسارة المعنوية لهيبة نظام الدفاع عن الاجواء الاماراتية، رغم الصفقات الخيالية والاموال الضخمة التي تصرف لحماية الاجواء ولتجهيز منظومة الدفاع الجوي، اضافة طبعا لاستهداف عامل الثقة الدولية للامارات، والمؤثر حتما بشكل سلبي على مكانتها الاقتصادية ودورها الاقليمي في قطاعي الاعمال والاستثمار .

من هنا، تأتي القيمة الاستراتيجية لعملية استهداف مطار دبي بصواريخ موجهة من طائرة قاصف 3، خاصة وأن العملية تحدث للمرة الثانية، دون ظهور امكانية لتجاوزها أو لمنعها، رغم قدرات الامارات الضخمة من الاسلحة والصواريخ التابعة للدفاع الجوي، فيكون بذلك سلاح الجو المسير اليمني قد حقق هدفا مركبا، بأبعاده العسكرية في الاستهداف البعيد، وفي تجاوز منظومات الدفاع الجوي، وبأبعاده الاستراتيجية لناحية استهداف مكانة الإمارات الإقليمية والدولية، كمركز اقتصادي عالمي، وكدولة أكبر من حجمها الطبيعي، تم نفخها بشكل استثنائي، لتنفيذ أجندات ومشاريع توسعية وعدوانية في المنطقة.

في السعودية، يبدو أنهم ابتعدوا عن خطأ النفي وتجاهل استهداف عمقهم ومراكزهم الاستراتيجية، فاعترفوا ولكن بشكل خجول بتعرض زوارق حربية في مرفأ جيزان لمحاولات انتحارية غريبة، دون الغوص أكثر في تفاصيل الخسائر وطبيعة الاستهداف والعملية.

بالمقابل، لم يرشح عن الجيش واللجان الشعبية اليمنية اية تفاصيل عن طريقة او وسيلة تنفيذ العملية، والتي استهدفت عدة زوارق عسكرية داخل مرفأ جيزان، سوى قيام الوحدات البحرية التابعة لهم بالعملية، وبأنها حققت أهدافها التكتيكية والعسكرية.

من خلال دراسة لعملية القوة البحرية اليمنية في مرفأ جيزان على البحر الأحمر، والتي تبعد نحو مئة كلم شمال ميدي على الحدود الشمالية الغربية بين اليمن والمملكة، يمكن وضعها في خانة العملية النوعية، والتي غالبا ما تكلف بهكذا نوع من العمليات، وحدات خاصة استثنائية، تملك قدرات تكتيكية وعسكرية وتقنية مميزة، نظرا لبعدها عن نقاط انطلاق منفذيها، وللطبيعة الحساسة لبقعة الهدف، كمنطقة عسكرية مغلقة، من المفترض ان تكون محصنة ومحمية ضد العمليات الخاصة، كونها مجهزة اساسا لحماية الساحل ولمراقبة التسللات والاختراقات الخطرة والحساسة العدوة، ولأنها تحتضن أسلحة وقدرات بحرية متطورة.

بالمقابل، يمكن الاستنتاج من القدرة على تنفيذ العملية في الظروف والمعطيات المذكورة اعلاه، ان المنفذين يملكون الامكانية الواسعة للتنفيذ عبر أكثر من وسيلة، منها الاستهداف القريب او المتوسط بصواريخ نوعية تطلق من تحت المياه، من قبل عناصر استطاعت التسلل برا على الساحل أو غطسا تحت المياه لمسافة مناسبة للاطلاق، ومن الوسائل الممكنة الاخرى، قيام عناصر من الضفادع البحرية بالتسلل غطسا حتى داخل أحواض المرفأ، ووضع عبوات ناسفة لاصقة على اسفل الزوارق، تُفجَّر على توقيت محدد، أو قد يكون الاستهداف حصل بصواريخ استراتيجية موجهة، شاطئ – بحر أو بر – بحر، بعيدة أو متوسطة المدى.

مع أهمية وقيمة العملية البحرية التي استهدفت زوارق حربية في مرفأ جيزان من الناحية العسكرية والتكتيكية، تبقى القيمة الاستراتيجية فيها، انها تستهدف نقاط القوة البحرية للمملكة في البقعة الاكثر نشاطا وحراكا في معركة عدوانها على اليمن، أي الساحل الغربي للبحر الأحمر ما بين باب المندب ومرفأ جيزان، خاصة وانها البقعة الساحلية التي تحضن أغلب نقاط ارتكاز العدوان البحرية التي تفرض الحصار على السواحل اليمنية، والتي تساند وتدعم وحدات العدوان البرية في معركته على الساحل الغربي اليمني، حيث تعطي العملية للوحدات البحرية اليمنية الامكانية، لتنفيذ العديد من الاستهدافات الناجحة لقطع وسفن العدوان في البحر الاحمر وعلى واجهة اليمن البحرية الغربية، وبالتالي تقييد حركة العدوان البحرية بشكل غير بسيط .