الخبر وما وراء الخبر

كيف يخترقون وعينا؟

38

الكاتب / محمد البخيتي

في الماضي كان اختراقُ وعي المجتمعات حِكْراً على الأشخاص الذين يمتلكون موهبةَ التأثير على الجماهير، أما في الوقت الحاضر فإنَّه تحوَّلَ لعملية منظّمة تعتمدُ على “علم نفس الجماهير”، وبالتالي أَصْبَح وسيلةً في متناول العديد من الدول التوسعية ويأخذ مساحةً واسعةً في تحَـرّكاتها السياسية والإعلامية والاستخباراتية.

عمليةُ اختراق وعي الجماهير لا تستهدفُ منطقةَ الوعي لدى الجمهور؛ لأنَّها عادةً ما تكونُ محصَّنةً وإنما تستهدفُ منطقة اللاوعي الجمعي للمجتمع، وهي المنطقة التي تعتمدُ لُغة المشاعر والصور لا لُغة العقل والمنطق، وهكذا تستطيعُ الدولُ التوسعية التحكمَ بالجماهير وتحريكها في الاتجاه الذي يخدُمُ مصالحها من خلال التحكّم في عواطفها ومخاوفها.

نحنُ كمجتمع عربي نعي أن أمريكا عدوٌّ؛ نتيجة لأفعالها العدائية، وبالتالي يصعُبُ عليها إقناعنا بأنها صديقٌ؛ لذلك تلجأ إلى استهداف منطقة اللاوعي الجمعي لدينا لضرب ثقتنا بأنفسنا وزرع العداوات الداخلية فيما بيننا.

على سبيل المثال، نحن كعربٍ ندركُ أن أمريكا استغلت حماقةَ صدام لاحتلاله الكويت كفرصةٍ لتدمير العراق الذي كان يعد نموذجاً للتطور الصناعي والتعليمي والعسكري، وما لا ندركُه هو أنها تعمَّدت من خلال سياستها الإعلامية إلى دفع الجماهير العربية للرهان على انتصارِ العراق رغم انعدام مقومات تحقيقه؛ بهدف ضرب نفسية المواطن العربي واستنزاف طاقته القومية وروحيته الجهادية في معركة خاسرة.

وهكذا راهن معظمُ العرب وخصوصاً اليمنيين على انتصار العراق في مواجهة التحالف الغربي، وبقدر الحماس المفرط الذي أجّجه الإعلامُ الغربي بخُبْثٍ، بقدر وَقْعِ الصدمة الناتجة عن هزيمة العراق. وهكذا حقّقت أمريكا هدفها الأهم المتمثل بضرب نفسية الإنْسَان العربي؛ لدرجة أفقدته الثقة بنفسه وتقبله للتدخلات العسكرية الأمريكية إلى جانب تدمير العراق، وتأثير الهزيمة النفسية على العرب كانت أخطر من الهزيمة العسكرية للعراق.

إلى جانب ضرب نفسية الإنْسَان العربي عمدت أمريكا لإثارةِ الطائفية في المجتمع العربي وذلك بإعلان غزو العراق تحت عنوان تحرير الغالبية الشيعية وَالأكراد من حكم الأقلية السنية وادّعت بأنها ستنسحب من العراق بمجرد إنجازها لهذه المهمة الإنْسَانية البحتة. ولكنها بعد أن أكملت احتلالَ العراق ادّعت أنها مضطرة للبقاء في العراق من أجل إنجاز مهمة إنْسَانية أُخْـرَى وهي حماية الأقلية السنية من الأغلبية الشيعية هذه المرة.

نلاحظ أن أمريكا لم تقدم نفسَها كصديق للشعب العراقي بمختلف طوائفه؛ لأنَّها كانت ستفشلُ؛ كونه يعي أنها عدوّ؛ لذلك أتت له من منطقة اللاوعي بمخاطبة وجدان كُـلّ طائفة على حِدَةٍ، وبعد ذلك سعت إلى توسيعِ الشَّرْخ الطائفي الذي أصاب العراق في مقتلٍ؛ ليشمل العالم العربي والإسْلَامي بما في ذلك اليمن.

رغم أدركنا جَميعاً بأن أمريكا عدوّ إلا انها استطاعت أن تضرب وعينا عبر هزيمتنا نفسياً وَعبر تأجيج العداوات الداخلية فيما بيننا، وتحتَ وطأة الرعب من أمريكا لدى جزء من المجتمع العربي والإسْلَامي وتنامي حالة العداء لديه تجاه جزئه الآخر أَصْبَح يرى في أمريكا صديقاً وحليفاً لمواجهة إخوانه في الدين والعروبة.

لذلك نلاحِظُ أن أصحابَ الوعي المخترَق لم تعد لديهم قضية ولا مشروعٌ ينظّم حركتهم، وكل ما يحملونه عبارةٌ عن عُقَدٍ نفسية من الأحقاد والكراهية والمخاوف المرضية ضد أبناء مجتمعهم ووطنهم، وهكذا أَصْبَحوا يتحَـرّكون في سياق المصالح الأمريكية بدون مقابل بل ويدفعون لها الجِزية.