تهديدات الإمارات لا ترهب قبائل شبوة: تمرّد حتى نيل المطالب..
على رغم إطلاقها حملة مضادة للاجتماع القبلي الأخير في محافظة شبوة، لم تفلح الإمارات في إخافة قبائل المحافظة التي بدأت مساراً تنفيذياً لِمَا وعدت من استعادة الحقوق المسلوبة من قِبَل «التحالف». مسار يمثل خطراً بالغاً وداهماً بالنسبة إلى أبو ظبي، خصوصاً أنه يحظى بإجماع عدد كبير من القبائل التي عمل الإماراتيون على تفريقها واستغلال خلافاتها
أثارت تحركات اللواء المتقاعد أحمد مساعد حسين، أحد أبرز الشخصيات الاجتماعية في محافظة شبوة، مخاوف الإمارات من انتقال نموذج المهرة المناهض للوجود السعودي إلى محافظة شبوة التي عملت أبو ظبي على إحكام السيطرة عليها تحت ذريعة مكافحة الإرهاب العام المنصرم. مطلع الأسبوع الجاري، ظهر حسين في لقاء قبلي جامع كان دعا إليه في محافظته، لِيُعلن توقيع هدنة قبلية لخمس سنوات قابلة للتمديد، تتوقّف بموجبها أعمال الثأر، ويُمنع الاقتتال، ويواجَه كل من يخرج عن الإجماع القبلي. ونصّ الاتفاق، كذلك، على توحيد الجهود لتحسين الخدمات العامة في المحافظة، وإعادة بناء ما دمّرته الحرب، وإنالة شبوة حصتها كاملة غير منقوصة من ثرواتها الطبيعية.
وجاء اللقاء القبلي في عتق بعد يومين من اجتماع حسين بالعشرات من شباب محافظة شبوة في الـ22 من أيلول/ سبتمبر الجاري في مركز المحافظة أيضاً، حيث انتقد دور تحالف العدوان، متهماً إياه بتدمير الاقتصاد اليمني، ومطالباً السعودية والإمارات بإصلاح ما دمرته آلتهما العسكرية. واعتبر حسين، الذي كان شغل عدة مناصب في عهد الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، رفع الأعلام الإماراتية والسعودية في شبوة انتهاكاً للسيادة الوطنية، وتساءل عما يُدّعى من «تضحيات» لـ«التحالف» في المحافظة، لافتاً إلى أن شبوة قدّمت 1000 قتيل من أبنائها لدحر «القاعدة» فيما لم يسقط في سبيل ذلك أي قتيل سعودي أو إماراتي. ودعا جميع أبناء شبوة إلى «العمل من أجل شبوة وليس من أجل أي أجندة خارجية».
هذه اللهجة الحادّة أثارت حالة استنفار في أوساط القوات الموالية للإمارات، أو ما تُسمّى «النخبة الشبوانية» التي تستخدمها أبو ظبي لإحكام سيطرتها على ما يزيد على 21 قطاعاً نفطياً معظمها منتِجة، وميناء بلحاف الغازي الذي يُعدّ ثاني أكبر ميناء مُخصّص لتصدير الغاز المسال إلى العالم. استنفار يبدو مفهوماً بالنظر إلى أن الاتفاق البيني الذي أعلنته قبائل شبوة يتعارض مع سياسة الإمارات في المحافظة. إذ إن أبو ظبي عملت، خلال العامين الماضيين، على توظيف خلافات القبائل وصراعاتها لمصلحتها، واستطاعت اختراق القبيلة من الداخل، وإيجاد أذرع لها في أوساطها مكّنتها من بسط يدها على منابع النفط والموانئ، مُتخذةً من الإرهاب ذريعة للسيطرة العسكرية، والاستحواذ على الملف الأمني، وتهميش السلطات المحلية. وعلى رغم وقوف الكثير من أبناء القبائل إلى جانبها، إلا أن الإمارات تنكّرت لاحقاً لدورهم وبدأت بتهديد مصالحهم، وانتقلت من استقطاب القبائل إلى تحجيم دورها، محاوِلةً نزع سلاحها بتوجيهات صدرت في تموز/ يوليو الماضي تحت ذريعة ضبط الأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب في المحافظة، وهو ما عُدّ – وفق العرف القبلي – تهديداً خطيراً يستهدف القبيلة ومكانتها، ويدفعها إلى التوحد استعداداً لمواجهة الأخطار.
هدّدت قبائل شبوة بوقف تصدير النفط من حقلَي العقلة وعياذ
ومن هنا جاء انعقاد الصلح القبلي في عتق، والذي تم توقيعه من قبل مرجعيات شبوة مُمثّلة في كل من شيخ مشائخ قبيلة بالعبيد، وشيخ مشائخ العوالق، وشيخ مشائخ بالحارث، وشيخ آل رشيد، وسلطان العوالق، وشيخ مشائخ النسيين، وشيخ مشائخ المصعبين. وعلى الأثر، سارعت الإمارات إلى تحرك مضاد لمواجهة تداعيات الصلح، عبر حشد بعض أبناء القبائل الموالين لها للرد في اليوم التالي مباشرة. ففي 25 أيلول/ سبتمبر الجاري، أعلن أحد مشائخ نعمان الموالين لأبو ظبي عدم التزامه بالوثيقة القبلية، مؤكداً في بيان مُذيّل باسم قبيلته (نعمان) وقوف القبيلة إلى جانب السعودية والإمارات، وتأييد «الجهود التي تقدّمانها في مكافحة الإرهاب في المحافظة». بالتوازي مع ذلك، تعرّض اللواء أحمد مساعد حسين لحملة اتهامات بـ«العمل لمصلحة دولة أجنبية»، و«اتخاذ الصلح العام كمدخل حق يراد به باطل لتمرير مشروع عماني في المحافظة منافس للمشروع السعودي الإماراتي».
لكن تلك الاتهامات والحملات لم تمنع القبائل الموقّعة على الصلح من بدء خطواتها التنفيذية لتحقيق ما وعدت به. ووفقاً لمصادر محلية، فقد شهدت مدينة حبان، صباح أول من أمس، اجتماعاً طارئاً لمشائخ المديريات النفطية (رضوم، ميفعة، الروضة، حبان) ووجهائها، لمناقشة تداعيات أزمة المشتقات النفطية، وارتفاع الأسعار، وانتشار الأمراض المعدية التي أدت إلى وفاة الكثيرين، في ظلّ غياب تام لحكومة الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي والسلطة المحلية. وهدّد الاجتماع القبلي الطارئ بإيقاف تصدير النفط من حقلَي العقلة وعياذ في حال استمرار تجاهل مطالب أبناء شبوة وبـ«ما هو أكبر من ذلك»، محذراً الفاسدين من الاستمرار فِي نهب ثروات المحافظة والعبث بمقدّراتها. وطالب المجتمعون، في بيان، بالكشف عن ما يتم إنتاجه من النفط في شبوة بالأرقام الدقيقة، ورفع حصة المحافظة من نفطها، وتوريدها وعائدات المصالح الأخرى إلى فرع البنك المركزي في شبوة، مع عدم التصرف فيها إلا بعد وضع آلية تكفل عدم التلاعب وممارسة الفساد. كما طالبوا بتوظيف أبناء المحافظة في الشركات النفطية، رافضين أي مشاريع وهمية للتلاعب بحصة شبوة من مبيعات النفط، وداعين جميع أهالي المحافظة إلى رصّ الصفوف ومواجهة العابثين.
وكانت قوات «النخبة الشبوانية»، الموالية للإمارات، قد شدّدت الخناق على الناشطين الرافضين للوجود الإماراتي في المحافظة والجنوب. وبحسب مصادر محلية، فإن «النخبة» كثّفت عمليات الاعتقال ضد الشخصيات المناهضة للممارسات الإماراتية، خصوصاً في ميناء بلحاف الغازي ومحيطه، والذي حوّلته الإمارات إلى مقرّ قيادة لقواتها، وأنشأت داخله سجناً سرياً تمارس فيه أبشع الانتهاكات ضد المعارضين. واعتقلت القوات الموالية لأبو ظبي، أخيراً، عدداً من الناشطين، أبرزهم نائب رئيس «المجلس الثوري للحراك الجنوبي» في مدينة عزان محسن حسن عزان، كما شنّت حملة مضايقات ومطاردات ضد آخرين في مديريات رضوم والروضة وميفعة.
المهرة تواصل انتفاضتها
ساد التوتر، أمس، محافظة المهرة، عقب توجّه الفريق الهندسي التابع لـ«التحالف» إلى موضع المكان المفترض لمدّ أنبوب نفطي إلى بحر العرب، بهدف إعادة نصب العلامات التي كان أبناء المحافظة قد انتزعوا عدداً منها. وأفادت مصادر محلية بأن عدداً من المسلحين القبليين توجّهوا، إثر ذلك، إلى المكان نفسه، بهدف منع الفريق من القيام بمهمّته. وعلى خط مواز، تواصل، في مدينة الغيضة مركز المحافظة، الاعتصام المفتوح الذي يُنظَّم منذ أشهر للمطالبة بخروج القوات السعودية من المهرة، في ظل حديث مصادر من داخل اللجنة المُنظّمة عن خطوات تصعيدية مقبلة لم يُحدّد موعد انطلاقها بعد. وأكد رئيس الدائرة التنظيمية للاعتصام، حمزة خودم، أمس، أن «الفعاليات مستمرة وستستمر حتى تحقيق كامل المطالب، وعلى رأسها خروج القوات الأجنبية وميليشياتها من المحافظة»، مجدداً القول إن «أبناء المهرة لن يسمحوا بالمساس بقياداتهم وكوادرهم وفي مقدمهم الشيخ علي سالم الحريزي». وكان «التحالف» نفى، على لسان المتحدث باسمه تركي المالكي، إصدار مذكرة اعتقال بحق الحريزي، في تراجع عدّه مراقبون مؤشراً إلى الوقع الكبير لتحركات أبناء المهرة على السلطات السعودية.