الخبر وما وراء الخبر

الكيان الإسرائيلي وتحديات الأزمة المائية

60

تعد فلسطين المحتلة من البلدان الفقيرة بمواردها المائية، إذ يتراوح المتوسط السنوي للأمطار ما بين 1100 ملم في شمالي البلاد إلى حوالي 30 ملم في الجنوب (صحراء النقب)، أمّا في مرتفعات الهضبة الغربية فتبلغ معدلات الأمطار السنوية 500-700 ملم، وفي قطاع غزة 200-400 ملم، لذا فإن أكثر من 85% من مصادر المياه في فلسطين يقع في نصفها الشمالي.

وتؤكد الوثائق ذات الصلة أن الكيان الإسرائيلي ومنذ تكوينه ربط أمنه المائي بأمنه القومي، إذ أن أزمة المياه تعدّ قضية مصيرية بالنسبة لهذا الكيان، لذلك فقد وضعت الجهات المؤسسة لهذا الكيان ومنذ تأسيسه مشاريع مناسبة لمعالجة هذه المعضلة، وذلك وسط غفلة البلدان العربية والإسلامية التي استمرت حتى يومنا الحاضر.

وكانت صحيفة الغارديان قد نشرت تقريراً في اكتوبر 2008، ذكرت فيه أن أزمة المياه تحوّلت اليوم إلى قضية أمنية على صعيد الشرق الأوسط، مدللة على ذلك بالنزاعات بين الكوريتين الشمالية والجنوبية، ومصر واثيوبيا، وأيضاً في فلسطين المحتلة.

وخلصت الصحيفة البريطانية في تقريرها إلى أن موضوع المصادر المائية الذي من شأنه أن يوظّف للتعاون بين البلدان، تحوّل إلى قضية نزاع أخرى بين فلسطين والكيان الإسرائيلي والأردن وسوريا، بما يؤكد أن حلّ هذه المعضلة من شأنه أن يسهم في إنجاح مشروع التسوية، حسب الصحيفة.

إلى ذلك، يرى مدير دائرة الموارد المائية لدى المركز العربي للدراسات حول المناطق الجافة والأراضي القاحلة، الدكتور عبد الله الدروبي، في مقال تحت عنوان “المياه واستراتيجية إسرائيل”، أن قضية المياه تحوّلت بصورة تدريجية إلى عنصر استراتيجي وأيضاً قضية أمنية ربما تفوق بأهميتها القضية العسكرية داخل الأراضي العربية، مبيناً أن الأمن المائي إلى جانب الأمن الغذائي هما ركنان أساسيان في موضوع الأمن القومي في البلدان كافة.

ويضيف الدروبي: إن ردود فعل الدول العربية على هذه الأزمة جاءت في غاية التأخير وذلك بعد أن أصبحت معضلة المياه خلال العقدين الخمسين والستين من القرن الماضي، محوراً للصراعات السياسية بين الدول العربية والكيان الصهيوني.

كما انتقد الدروبي غفلة العالم العربي في هذا الخصوص قائلاً: “نحن (البلدان العربية) لم ندرك آنذاك البعد الاستراتيجي للمياه ولا بُعده الاقليمي الذي تعلق اليوم بموضوع التعاون والنزاع بين البلدان الاقليمية”.

وجاءت على غرار ذلك أيضاً تصريحات “بن غورين” في عام 1956، حين قال: “نحن نخوض حرب المياه مع العرب”؛ كما تصريحات موشي دايان وزير الدفاع الإسرائيلي عقب حرب 1967 الذي أكد فيها بأن “مصير النظام اليهودي في فلسطين رهن بقضية المياه ونحن بصدد السيطرة على أورشليم (القدس) والسيطرة على يثرب وبابل التي يمرّ عبرها نهر الفرات” – (راجع صحيفة العالم، الرقم 143، نوفمبر 1986).

إن شبكة إمدادات المياه داخل فلسطين المحتلة تتعلق بصميم التطورات التاريخية لدى الكيان الإسرائيلي، ونظراً لشح الأمطار، سوى في فصل الشتاء وتحديداً القسم الشمالي من فلسطين المحتلة، فقد أصبح موضوع المياه وإدارة الموارد المائية أمراً مصيرياً للبقاء على قيد الحياة والنمو الاقتصادي في فلسطين.

وتجدر الإشارة في هذا الخصوص إلى الكم الكبير من المشاريع ذات الصلة بتوجيه مياه الأنهار، وعليه فقد أنشئت خزانات مياه في المناطق الشمالية كما أجريت دراسات واسعة بهدف استخدام المياه الجوفية، وبذلت جهود حثيثة من أجل التحكم بمياه السيول وتكرير الصرف الصحي.

ومن أهم المشاريع التي وضعت في هذا السياق، يشار إلى مشروع توزيع “المياه الوطنية” الذي أنشئ خلال العام 1964 لضخ المياه من بحيرة طبريا بوصفها أكبر بحيرة حلوة المياه في فلسطين المحتلة.

كما أرغم الجفاف طويل الأمد ولا سيما خلال الفترة من 1998 إلى 2002 الكيان الإسرائيلي على أن يعزز مشاريعه الخاصة بتحلية مياه البحار، كما اضطره إلى إعادة تكرير مياه الصرف الصحي لاستخدامه في الرّي الزراعي وأيضاً شراء المياه من تركيا.

وتفيد الإحصائيات أن التعداد السكاني في فلسطين المحتلة سيبلغ خلال العام 2020 نحو 8.6 ملايين نسمة أي بما يؤكد زيادة الطلب على الماء، ناهيك عن التطور الصناعي واتساع الأراضي الزراعية.

وبحسب التقديرات ذات الصلة أيضاً، ستبلغ الحاجة إلى المياه في فلسطين المحتلة خلال العام 2020 أكثر من 3 مليارات متر مكعب، وبالتالي سيصل مقدار العجز المائي في هذه المنطقة إلى نسبة تتراوح بين 30 و50 بالمئة.

هذه التحديات تطرّق إليها مسؤولون إسرائيليون كبار، بما يجسّد ثقل الأزمة الأمنية المائية التي تعصف بالكيان، ويكشف عن خفايا العديد من مشاريعه في نهب الموارد المائية لدى الدول المجاورة وسط غفلة العالم العربي وأيضاً تواطؤ عدد من الدول الإقليمية.

ولا بدّ من الإشارة هنا إلى الشعار الذي يردده اليهود الصهاينة تحت عنوان “من النيل إلى الفرات”، لتتضح أكثر فأكثر نواياه البغيضة الرامية إلى الاستحواذ على ثروات المنطقة ولاسيما المصادر المائية التي تشكل أكبر هاجس أمني للكيان اليوم.

فهناك العراق الذي يمر به نهر الفرات وأيضاً مصر التي تعرف بنهر النيل الشهير، فضلاً عن نهر الليطاني جنوبي لبنان والذي يحتاج إليه الكيان الغاصب لسدّ حاجة المستوطنات من الماء.

هذه المطامع الصهيونية تجاه الموارد المائية لكل من العالمين العربي والإسلامي ترتبت عليها نتائج وسلبيات كثيرة أسهمت بدورها إلى جانب باقي مخططات الكيان الإجرامية في تنفيذ مشروعه التوسعي البغيض داخل الشرق الأوسط.

ولا يخفى أن الاستحواذ على الموارد المائية في العالم العربي وغرب آسيا، يمنح الكيان الإسرائيلي إمكانية تقرير مصير ومستقبل المنطقة وبسط سيطرته الجيوسياسية على بلدانها وتأجيج الصراعات والخلافات بين العالمين العربي والإسلامي وشغل هذه الدول عن قضاياها الرئيسية وأهمها القضية الفلسطينية.

كما دأب الكيان الإسرائيلي ومنذ تكوينه على ربط موضوع أمن المياه بأمنه القومي، وانطلاقاً من ذلك فقد حدد الكيان استراتيجيته المائية وفق استراتيجيته العسكرية ومن ثم الاستراتيجية السياسية، وكل ذلك يصبّ في أمنه القومي، إذ إن نجاح الكيان في أي من هذه الاستراتيجيات سيؤثر إيجاباً على الاستراتيجيات الأخرى.

على سبيل المثال هناك احتلال الجولان السوري الذي أدّى إلى سيطرة الكيان الإسرائيلي على مصادر نهر الأردن وشكّل آلية ضغط سياسية على سوريا والأردن، وذلك على غرار احتلاله لسائر الأراضي العربية، بهدف تمرير مآربه وفرض شروطه في مجال ما يسمى بالسلام والحصول على المزيد من التنازلات من العرب والمسلمين.

إفشال هذه المخططات ليس محالاً وإنما هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة من قبل البدان العربية والإسلامية مع رعاية بعض الأولويات:

1- إيجاد توازن استراتيجي في جميع المجالات مقابل الكيان الإسرائيلي ولا سيما على الأصعدة العسكرية، ذلك أن المشاريع المائية لا تعني شيئاً من دون الدعم العسكري.

2- إعداد مشاريع وأبحاث لتحديد ومعرفة المبادئ الفكرية والدينية والسياسية والاقتصادية والعسكرية التي يعتمدها الكيان الإسرائيلي.

3- تعزيز العلاقات بين الدول العربية والإسلامية مع مصر واثيوبيا وتركيا والعراق لسدّ الثغرات ومنافذ التغلغل الإسرائيلي.

4- تشكيل حزام أمني وعسكري في البحر الأحمر والأبيض المتوسط، للحؤول دون أي نفوذ من جانب الكيان الإسرائيلي.

هذه الخطوات كانت محطّ اهتمام طوال الأعوام السابقة لدى البلدان العربية لكن في ضوء المواقف الجديدة التي أبدتها كل من السعودية والإمارات وغيرهما من الدول في سياق إقامة علاقات سرية مع الكيان الإسرائيلي، فقد حدث تغيير كبير في هذه المعادلات.