خطاب السيد عبدالملك بدرالدين الحوثي في يوم العاشر من محرم 1440هـ.( نص + فيديو )
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله خاتم النبيين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم برضاك عن أصحابه الأخيار المنتجبين وعن سائر عبادك الصالحين.
أيها الإخوة والأخوات..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعظم الله لنا ولكم الأجر في ذكرى مصاب سيد الشهداء سبط رسول الله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وسلم الإمام الحسين بن علي عليهم السلام:
إننا في هذا اليوم بذكرى هذه الفاجعة الكبرى في تاريخ الأمة نتطلع كشعب يمني مسلم وكأمة مسلمة إلى الإمام الحسين عليه السلام في موقعه في الإسلام رمزا عظيما وإماما هاديا نتطلع إليه في مقام الهداية والقدوة والامتداد الأصيل النقي للإسلام رؤية وتطبيقا وقولا وفعلا وخلقا وموقفا وروحية وسلوكا.
نتطلع إلى الحسين عليه السلام في موقعه في آية التطهير وفي آية المودة وفي آية المباهلة وفي سورة الإنسان ومن موقعه في الصدارة والمكان العالي والسامي والراقي في كل آيات القرآن الكريم التي تحدثت عن أولياء الله والأخيار من عباد الله ومواصفات المؤمنين والمجاهدين والصادقين والمتقين والأبرار في مرتبته العليا ومكانته الكبرى من تلك المواصفات.
الحسين عليه السلام في موقعه من حديث الثقلين وحديث الكساء وحديث السفينة وحديث (حسين مني وأنا من حسين|، أحب الله من أحب حسيناً، حسينٌ سبط من الأسباط) ومن موقعه في الجنة المعبر عن علو مقامه في الدين وعن عظيم مرتبته ودوره في الحياة الذي عبر عنه النص النبوي (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة) وكل النصوص النبوية التي تعرفنا من هو الحسين، وما هو مقام الحسين، وماذا يعنيه الحسين، نتطلع إلى الإمام الحسين عليه السلام حينما تحركت الساحة الإسلامية في مرحلة من أخطر مراحل التاريخ وهو يجسد مبادئ الإسلام وقيمه وروحيته وأخلاقه ويحمل رايته ويقف موقفه في التصدي للطاغوت والطغيان الأموي الذي اكتسح الساحة الإسلامية آنذاك بجبروته وإجرامه وتضليله وإغرائه.
نتطلع إلى الإمام الحسين عليه السلام في نداءاته في أمة جده نداءات الحق نداءات الحرية نداءات الكرامة نداءات العزة نداءات المضامين القرآنية نداءات التوجيهات النبوية نداءات الحكم العلوية وهو يقول أيها الناس “إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: من رأى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالفا لسنة رسول الله يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله، ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان” وهو (يتحدث عن سلطان بني أمية) قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود واستأثروا بالفيء وأحلوا حرام الله وحرموا حلاله وأنا أحق من غير قد أتتني كتبكم وقدمت عليا رسلكم ببيعتكم أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم فأنا الحسين ابن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله علي وآله، وسلم نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم فلكم في أسوة”.
نتطلع في يوم العاشر نتطلع من ساحتنا الإسلامية إلى الحسين عليه السلام وهو بذي حُسم وقد وصلت إليه طلائع الجيش الأموي ووصلت إليه أخبار تخاذل المتخاذلين وتراجع المفرطين وهو في قلة قليلة من صفوة الأمة الأوفياء في ظروفٌ رضخت فيها معظم الجماهير للطغيان الأموي واستكانت وذلت أمام جبروته، فوقف عليه السلام بذي حٌسم “منطقة في الطريق إلى الكوفة” بذي حُسم لحسم الخيار واتخاذ القرار، ثم قال عليه السلام بعد أن حمد الله وأثنى عليه: “إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون، الصورة باتت واضحة طبيعة المعركة أهل الكوفة قد تخاذلوا آنذاك وسقطت الكوفة تحت سيطرة بن زياد وجيش منها جيشا كبيرا توجه نحو الحسين عليه السلام للقائه في الطريق واستهدافه قبل وصوله إلى الكوفة “إنه قد نزل من الأمر ما قد ترون” في تخاذل المتخاذلين وتنصل المتنصلين عن المسؤولية وفي قدوم جيش العدو “وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها واستمرت جدا فلم يبقى منها إلا صبابة كصبابة الإناء وخسيس عيش كالمرعى الوبيل ألا ترون أن الحق لا يعمل به وأن الباطل لا يتناهى عنه ليرغب المؤمن في لقاء الله محقا فإني لا أرى الموت إلا سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلا برما”.
هكذا تحدث وهكذا حسم الخيار وهكذا حدد الخيار على ضوء هدي الله من نور الله بتوجيهات الله بمقتضى ما هو عليه من إيمان وهكذا هو خيار المؤمنين في كل عصر وزمن وهكذا هي رؤيتهم لحياة يصبح الناس فيها تحت سيطرة الطاغوت ولحياة يهيمن عليها الأشرار والمستكبرون والظالمون فيحولونها إلى حياة بئيسة تعيسة غارقة في الظلم والظلام.
نتطلع اليوم إلى الحسين عليه السلام في ذروة الموقف يوم العاشر وقد أحاطت به جيوش الأعداء وهو يخطب خطابه فيهم لإقامة الحجة عليهم بما سبق منهم من العهود وبما يعرفونه عنه في موقعه في الإسلام وما له من الحرمة والعصمة في الدين ويعرض عليهم الحلول المنصفة التي كان بإمكانهم أن يتقبلوها دون حرج حتى لا يتورطوا في أفظع جريمة ويتحملوا اكبر وزر وحينما أصروا على خياراتهم الباطلة في الاستسلام أو القتال وجعلوا من خياراتهم المذلة عرضا وحيدا نادى عليه السلام بنداء العزة والكرامة وهتف بصوت الحرية قائلا “لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد”.
نتطلع إلى الحسين عليه السلام وهو يخاطب أنصاره الأوفياء الأبرار قائلا “ألا وإن الدعي ابن الدعي” وهو يقصد هنا عبيد الله بن زياد “قد ركز بين اثنتين بين السلة وبين الذلة وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ونفوسٌ أبية وأنوفٌ حمية تؤثر مصارع الكرام على طاعة اللئام”.
نتطلع إلى الحسين عليه السلام وأنصاره الأبرار وهم يخوضون المعركة بعد أن زحف العدو عليهم ويتقدمون الواحد تلو الآخر من الحر بن يزيد الرياحي إلى آخر شهيد من الأصحاب ومن عليٌ الأكبر بن الحسين عليهما السلام إلى العباس بن علي عليهما السلام وكلٌ منهم يسجل للتاريخ أعظم المواقف المعبرة عن الإيمان الصادق في مبادئه وقيمه وأخلاقه ويضمن سجلا الحرية ودفتر الكرامة أعظم معاني الوفاء والإباء والشهامة والعزة.
نتطلع إلى الحسين عليه السلام وحيدا فريدا والأوفياء الأصفياء في الميدان شهداء والأعداء محيطون به من كل جانب وهو عليه السلام لم يزدد إلا ثباتا وإلا عزما وإلا تصميما، قد وطن نفسه على الشهادة لا يتزحزح عن موقفه ولا يتراجع عن مبدأه وهو يتطلع إلى لقاء الله محبا وإلى السعادة بنيل الشهادة ولا يأسى على حياة يراد للإنسان أن يبقى فيها ذليلا مستعبدا يتقدم في الميدان بكل إباء وعز مشتاقا بكل عشق اشتياق يعقوب إلى يوسف كما عبر عليه السلام إلى اللحاق برسول الله وأمير المؤمنين والزهراء والحسن صلوات الله وسلامه عليهم، في ضيافة الله تعالى حيث يجمع الله شمل أصحاب الكساء في حضيرة القدس في محضر الكرامة الإلهية، والحسين عليه السلام بثباته وجهاده وتضحيته واستشهاده أبقى للإسلام امتداده وحضوره عبر الأجيال بنقائه وأصالته فنحن قائلون في هذا اليوم “السلام عليك يا سبط رسول الله، السلام عليك يا نور القرآن، السلام عليك يا بسالة علي وتفانيه، في سبيل الله، السلام عليك يا تبتل الزهراء عليها السلام، السلام عليك يا سؤدد الحسن” ونحن كشعب يمني بحكم انتمائنا الإسلامي وهويتنا الإيمانية نؤكد في يومك الذي لا يوم بعده كمثله ما بقي الدهر نؤكد ما يلي:
أولا: ثباتنا على موقفنا المبدئي والإيماني في التمسك بقضايا الأمة الكبرى وعلى رأسها مظلومية الشعب الفلسطيني وحقه في الحرية واستعادة المقدسات والأرض .
ثانيا: وقوفنا إلى جانب المقاومة وأحرار الأمة في مناهضة الهيمنة الأمريكية والتصدي للعدو الإسرائيلي بما يمثله من خطورة على الأمة بكلها وعلى الأمن والسلام والاستقرار في العالم، كما نؤكد تضامننا مع كل المظلومين ومن ضمنهم الشعب البحريني العزيز.
ثالثا: نؤكد صمودنا وثباتنا في التصدي للعدوان الأمريكي السعودي الإماراتي على بلدنا العزيز ومهما كان حجم الطغيان ومهما ارتكب العدو من الجرائم فلن يرغمنا على الاستسلام أبدا لأننا ننتمي إلى الإسلام في أصالته التي رمزها وعنوانها سبط رسول الله الحسين بن علي عليهم السلام، وأنا في هذا المقام أدعو أبطال الجيش والأمن وأحرار القبائل وشباب الأمة إلى النفير والتحرك الجاد إلى الجبهات في الساحل الغربي وفي الحدود وفي سائر الجبهات.
إن صمودنا اليوم هو تعبير عن إيماننا وتجسيدٌ لمبادئنا إن مشكلة تحالف العدوان معنا هي مشكلة تعود إلى تمسكنا بهذا المبدأ وبهذه القيم وسيرنا في هذه الطريق طريق الحرية والعزة والكرامة.
ما يريدونه منا هو الاستسلام لهم والخنوع لهم والخضوع لهم كي يهيمنوا علينا ويستعبدونا من دون الله، كي نكون في هذه الحياة شعبا لا قرار له ولا حرية له ولا كرامة له، ونحن اليوم سنقول من هذا الحضور الذي نعبر فيه عن هذا الانتماء وعن هذا الولاء للإسلام ورموزه العظماء وللإمام الحسين عليه السلام نقول لقوى العدوان مهما كان طغيانكم ومهما طال حصاركم مهما فعلتم بنا ومهما ارتكبتم بحقنا من الجرائم وإننا بإذن الله تعالى وبمعونته ثابتون وصامدون لن نتراجع أبدا ولن نستسلم نهائيا ونحن قائلون من أعماق قلوبنا وبأعلى أصواتنا هيهات منا الذلة، إن هيهات منا الذلة هي بالنسبة لنا مبدأ وهي بالنسبة لنا قيم وهي بالنسبة لنا أخلاق وهي بالنسبة لنا موقف رددها أبطالنا في الجبهات وشهداؤنا في اللحظات الأخيرة قبل اللحاق بالرفيق الأعلى ورددها جرحانا ويرددها أبناء شعبنا بكل عزم وبكل ثباتٍ وبكل صمود ونحن معنيون اليوم على بذل كل جهد على كل المستويات وفي كل المسارات وبالاعتماد على الله سبحانه وتعالى لتماسكنا وصمودنا حتى يأذن الله بالنصر والتوجه على هذا الأساس وفي هذا الطريق كانت نتيجته دائما وأبدا هي النصر من الله سبحانه وتعالى الذي وعد بالنصر فقال (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) وقال (وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) هي العزة التي وعد بها فقال (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِين).
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا بتوفيقه إلى التمسك بهذا الإسلام والاقتداء بسبط رسول الله صلى الله وسلم عليه وآله وسلم في ثباتنا على الحق وفي أن يكون الحق على الدوام هو خيارنا وهو مستمسكنا وهو طريقنا وهو دربنا لا نحيد عنه ولا نميل.
أشكر لكم هذا الحضور المبارك والمشرف وأسأل الله أن يكتب أجركم وأن يرحم في هذا اليوم شهداءنا الأبرار وأن يشفي جرحانا وأن يفرج عن أسرانا وأن ينصرنا بنصره.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،