الخبر وما وراء الخبر

الأميركيون في الخطوط الخلفية.. معركة الحديدة في انتظار جولات تصعيدية

80

تتابع الإمارات، ومن خلفها التحالف السعودي، ومن أمامها ميليشياتها المحلية، الحملة العسكرية المتجددة في الحديدة. حملة بات واضحاً أنها تهدف إلى مضاعفة الحصار الاقتصادي أملاً في إخضاع صنعاء، وتضرب عرض الجدار بالتحذيرات الدولية، في ظل انتقال الموقف الأميركي من إعطاء الضوء الأخضر إلى انخراط أكبر في الحملة، أكدته زيارة الوفد العسكري الأميركي، الأولى من نوعها، لعدن، عشية تجدد الهجمات.

تجددت معركة اقتحام مدينة الحديدة الساحلية غرب اليمن عقب زيارة لقائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال جوزيف فوتيل، لمدينة عدن جنوبي البلاد مطلع الأسبوع الجاري. وصل الجنرال الأميركي مطار عدن برفقة وفد عسكري أميركي رفيع، وعقد جلسة مغلقة مع رئيس أركان قوات الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، اللواء طاهر العقيلي، الذي استُدعي بصورة عاجلة من العاصمة السعودية الرياض، في مقرّ قوات تحالف العدوان في المدينة.

بعدها، بدأ إثر الزيارة التصعيد العسكري على الأرض في شرق الدريهمي وفي جنوب شرق مدينة الحديدة بقيادة رئيس أركان القوات الإماراتية، الفريق حمد الرميثي، الذي وصل السبت إلى مدينة المخا فجأةً للاطلاع على استعدادات القوات الموالية للإمارات. مصدر مطلع في صنعاء أكد لـ«الأخبار» أن «الدور الأميركي يتضح بجلاء من خلال تزامن التصعيد العسكري على الحديدة وزيارة قائد القيادة المركزية الأميركية لعدن»، مشيراً إلى أن معركة الحديدة «كانت ولا تزال معركة أميركية غير مباشرة بدأت منذ أبريل (نيسان) الماضي».

استعدادات الطرفين

مساحة المعركة الواسعة النطاق في الحديدة أتاحت للقوات الموالية للإمارات خيار الانتقال من جبهة إلى أخرى، وفتح أكثر من جبهة، مستفيدة من جغرافيا المعركة الواسعة. أواخر الأسبوع الماضي، انتقلت تلك القوات من شمال الدريهمي إلى جنوبها، حيث نفذت عملية التفاف شاركت فيها عدة ألوية عسكرية عبر مناطق صحراوية مكّنتها من الوصول إلى مزارع الجريبة الواقعة على تخوم المدخل الشرقي للمدينة، والقريبة من منطقة كيلو 10 في ضواحي الحديدة، لتعلن التصعيد بعدما تلقّت تعزيزات قُدّرت بنحو أربعة ألوية، قيل إنها دُرِّبت على اقتحام المدن وحرب الشوارع، قوامها تسعة آلاف مقاتل من القوات الموالية للإمارات، باتجاه كيلو 16 الذي يخلو من أي تحصينات، لكونه طريق إمداد يربط صنعاء وتعز بالحديدة.

تلقّت القوات الموالية للإمارات تعزيزات قوامها أربعة ألوية إضافية

مصدر عسكري في القوات اليمنية المشتركة أكد أن الاستعدادات التي اتُّخذت للدفاع عن مدينة الحديدة بدأت منذ عامين، وخصوصاً في سواحل المدينة وبالقرب من الميناء استعداداً لأي هجوم بحري. وأشار إلى أن السواتر الترابية والحواجز والتحصينات التي يتحدث عنها العدو ليست سوى استعدادات بسيطة قد تساعد في حرب الشوارع. وأضاف أن «الحديدة أُعدّت لتكون محرقة حقيقية للغزاة»، لافتاً إلى أن «الغزاة سيفاجَأون بعمليات تكتيكية نوعية في الإعداد والعدة تتيح الانتقال من الدفاع إلى الهجوم».

السيطرة والحاضنة الشعبية

على رغم الخسائر الفادحة التي تكبّدها تحالف العدوان في معركة الحديدة، ابتداءً من كانون الأول/ ديسمبر الماضي بدخوله مدينة الخوخة وحتى اليوم، فإن نطاق سيطرته على الأرض لا يزال محدوداً وهشّاً مقارنة بنطاق سيطرة القوات اليمنية المشتركة التي لا تزال تتحكّم بقرابة 70 في المئة من مساحة محافظة الحديدة. فقوات «التحالف» بقيادة الإمارات اعتمدت في عملياتها العسكرية في الحديدة خلال الأشهر الماضية على المدرعات والآليات العسكرية وسلاح الجو، وتحديداً طيران «الأباتشي»، بنسبة 70 في المئة، فحققت تقدماً هشّاً على امتداد 110 كلم عبر الطريق الساحلي.

ونظراً إلى غياب حاضنة شعبية لتلك القوات، فإنها، بعد دخولها مدينة حيس مطلع العام الجاري، تراجع نطاق سيطرتها في مديرية حيس، وباتت تتخذ من المدنيين دروعاً بشرية لصدّ هجمات الجيش اليمني واللجان الشعبية المتكررة وشبه اليومية. وتحيط القوات اليمنية بمدينة التحيتا من جهات متعددة، وخلال الأسابيع الماضية استعادت مناطق واسعة في نطاق مديرية التحيتا، وسيطرت على منطقة الجاح الأسفل بالكامل، وتقدمت باتجاه منطقة الفازة الاستراتيجية القريبة من ميناء الحيمة السمكي الواقع في نطاق مديرية الخوخة. كذلك، تقترب القوات اليمنية من السيطرة على طرق الإمدادات التي تمرّ منها القوات الموالية للإمارات في الفازة والجاح.

وتفيد المصادر بأن غياب الحاضنة الشعبية لـ«التحالف» سبّب حالة استنزاف تعيشها القوات الموالية للإمارات، المُشكَّلة من التيارات السلفية الجهادية المتطرفة، التي تتصادم بممارساتها ونهجها مع «الصوفية» في محافظة الحديدة. وخلال الأشهر الماضية من العام الجاري، أقدمت تلك القوات على هدم الكثير من المعالم الدينية للمذهب الصوفي في المخا والفازة، وهو ما يعدّه صوفيو تهامة اعتداءً على معالمهم الدينية. المشكلة نفسها تواجهها تلك القوات في مدينة الحديدة التي تُعدّ معقلاً لجماعة «الدعوة والتبليغ» التي تتعارض مع الفكر السلفي الجهادي في أفكارها، ولديها مراكز دينية ودعوية وجامعة خاصة بها وتُعدّ جماعة دينية مسالمة.

عدوان اقتصادي

القوات الموالية للإمارات، لقطع طرق الإمدادات التجارية بعدما فشلت في التقدم والسيطرة على خطوط الإمدادات برياً، اتجهت نحو التحريض على مخازن الغذاء المركزية، كصوامع الغلال ومطاحن البحر الأحمر، ومخازن منظمة «يونيسف» وبرنامج الغذاء العالمي. وزعمت أن تلك المخازن تحتوي على أسلحة متنوعة. وهي تهديدات أقدمت على تنفيذها بالفعل أمس، باستهداف القصف بعض الحاويات. وكان الناطق الرسمي باسم وزارة الصحة في العاصمة صنعاء، يوسف الحاضري، قد نفى، في حديث إلى «الأخبار»، الادعاءات، ووضعها في إطار التحريض على مخازن الغذاء المركزية في الحديدة كمقدمة لاستهدافها، وهو ما قد يسبب كارثة إنسانية للشعب اليمني. وطالب الحاضري المنظمات الدولية بالتحرك العاجل «لحماية تلك المخازن وفضح مزاعم العدوان الذي يهدف إلى تجويع الشعب اليمني بشتى الطرق والأساليب».

دول تحالف العدوان التي صعّدت من حربها الاقتصادية، تسعى إلى إيقاف الحركة الملاحية في ميناء الحديدة خلال الفترة القادمة بطريقة مباشرة، عبر إعلان الحديدة وسواحلها منطقة عسكرية، مُستغِلّةً اقتراب المواجهات إلى مشارف المدينة، وبطريقة غير مباشرة عبر تشديد «التحالف» القيود على السفن القادمة إلى الميناء تنفيذاً لقرار صادر عن حكومة هادي، قضى بمنع دخول أي سفن تحمل واردات بلا موافقة البنك المركزي في عدن، وهو ما اعتبرته حكومة الإنقاذ ذريعة جديدة من «التحالف» لاستهداف الحركة الملاحية وخنق الأسواق المحلية.

الطيران المسيّر يقصف مقرّ القيادة الإماراتية

أعلنت القوات اليمنية المشتركة، أمس، استهداف مقرّ قيادة القوات الإماراتية في الساحل الغربي بسلسلة غارات نفذها الطيران المسيّر. وقال مصدر عسكري يمني إن «الهجوم حقق إصابات دقيقة ومباشرة». بموازاة ذلك، أقدمت قوات «التحالف» على استهداف مستودع تابع لبرنامج الغذاء العالمي في الحديدة، بالقرب من صوامع «مطاحن البحر الأحمر»، بعدد من قذائف الهاون. وحذرت قوات «التحالف»، أمس، السكان من الاقتراب أو المرور في منطقة «كيلو 16»، بعد فشلها في السيطرة عليها برياً. وتأتي تحذيرات «التحالف» بعد مجزرة مروعة ارتكبها الطيران الحربي في منطقة «كيلو 16» راح ضحيتها ثمانية مدنيين، وعدد من الجرحى، سبقتها غارة على المنطقة نفسها تسببت بمقتل ثلاثة مدنيين وجرح امرأة.

(جريدة الأخبار اللبنانية)