الخبر وما وراء الخبر

“إلاّ تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً”

53

بقلم / حزام الأسد

لا يقتصرُ هدَفُ الغازي والمستعمر على الاستفادة من الثروات والإمْكَاناتِ الماديةِ والموقع الجغرافي للبلد المحتل بل دَائماً ما يستفيد كَثيراً من الثروة البشريَّة للشعوب المستعمرة، حيثُ يعمد المستعمر دَائماً للاستفادة من تلك الثروة الجبارة التي يحوِّلُها؛ بفعل الترويض والإغْــرَاء والترهيب من عامل تهديد له ولبقائه إلى عامل استقرار وتوسُّع وإلى أداة طيِّعة بيده يتصرفُ فيها ويستثمرُ قدراتِها وطاقاتها بالقدر الأقصى وفي المسار الذي يريدُه هو وتحدّده أولويّاته، ومن ذلك الاستثمار استجلاب المقاتلين من البلاد المحتلة والزجّ بهم لصالحه في حروب وغزوات داخلية وخارجية.

والأمثلةُ كثيرةٌ على ذلك وأبرزها:-

تجنيدُ الاستعمار الفرنسي لأَكْثَــر من مئة وستين ألف مقاتل جزائري وثمانين ألف مقاتل تونسي وخمسة وأربعين ألفَ مقاتل مغربي في الحرب العالمية الأولى 1914م لقتال ألمانيا ودول المحور في أوروبا، حيثُ قُتل منهم أَكْثَــرُ من الثُّلث، حيثُ عمد الفرنسيون والبريطانيون إلى جعل جيوش المستعمرات من (العرب والهنود والأفارقة) في مقدّمة جيش ما سُمِّي بالحلفاء، ناهيك عن إعْدَامات جماعية بحقِّ الرافضين للقتال منهم أَوْ المتعبين والمنهكين جراء المعارك، حيثُ تم إعْدَام 126 جندياً جزائرياً في عملية واحدة بمقاطعة زلباخ البلجيكية بعد أن عُلّقت على صدورهم كلمة “جبان” بالفرنسية؛ ليكونوا عِبرةً لغيرهم، وقبل ذلك حدثت ثلاثُ عمليات إعْدَام جماعية مشابهة بحق جنود من المستعمرات العربية من المشاركين في المعارك الأوروبية، وقبل ذلك بعامين أي في عام 1911م جنّد الفرنسيين الآلافَ من الجزائريين والتونسيين قسراً لاحتلال المغرب.

كما أن تجنيدَ الأمريكان للآلاف من العرب في ثمانينيات القرن المنصرم تحتَ غطاء الدين والطائفية لقتال الاتِّـحاد السوفييتي ثم لقتال إيران عبر أَدَوَاتها في المنطقة يأتي في السياق ذاته مع فارق أن الاستعمار الأمريكي كان غيرَ مباشر.

اليوم ما يجري لإخْوَاننا في الجنوب من استجلاب إلى محارق الموت في مختلف الجبهات بما فيها جبهات العُمق السعودي ليقاتلوا ويقتلوا كمرتزِقة هو ما يراد لكل بلد أَوْ منطقة تخضع للاستعمار والاحتلال.

وهنا نلحظ عظمة وأهميَّة التوجيه الإلهي في قوله تعالى “إلاّ تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً”..

وَنستذكر ما قاله الإمام عليٌّ عليه السلام لمن تخاذلوا من رجاله عن النفير والمبادرة في مواجهة العدو: أَلَا وإنّي قد دعوتُكم إلى قتالِ هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً، وسِرًّا وإعلانًا، وقلت لكم: اغزوهم قبل أن يغزوكم، فواللهِ ما غُزِيَ قومٌ قَط في عقر دارهم إلا ذلوا…

وأيُّ عذاب في الدنيا أَشَـدُّ من الذل والهوان والاستضعاف؟! وأية عقوبة أقسى من تسليط العدو الساقط على رقاب الأُمَّـة؟! أَوْ أن يتحول الإنْسَــان العربي المسلم إلى مجرد مرتزِق رخيصٍ بائعٍ دينه ونفسه في سبيل أَعْــدَائه استرضاءً لهم وطمعًا للفُتات مما بين أيديهم!

وهنا يبرُزُ أهميَّةُ الجِهاد والنفير؛ ذوداً عن الدين والنفس والعِرض والأرض ما لم فالبديلُ لن يكونَ إلّا العذاب المهين في الدنيا على أيدي أحقر وأذل وأجبن خلق الله وفي الآخرة الخُسران الأبدي.