الخبر وما وراء الخبر

السعودية وعقدة السلام في اليمن

61

بقلم / حميد رزق

من المبكر الحديث عن نوايا سعودية جادة تفسح المجال أمام نجاح المسار السياسي في اليمن وذلك لأن العدوان الحرب على اليمن من المنظور السعودي غير ناجزة، بل أكثر من ذلك السعودية بعد “عاصفة الحزم” أكثر خسارة لاسيما في المجالات العسكرية والاقتصادية وكذلك المعنوية، وبالتالي فإن الحرب ستستمر كنتيجة طبيعية لعقلية البداوة والمكابرة التي يحملها صانع القرار السعودي.

وفي ظل المعادلات العسكرية والميدانية الحالية يرى محمد بن سلمان أن الحلول السياسية في اليمن لا معنى لها غير الفشل والهزيمة.

المبعوث الدولي مارتن غريفيث يبذل جهوداً مكوكية ويسعى باهتمام لجمع الأطراف على طاولة المفاوضات، ثمة فرق بين غريفيث وسلفه اسماعيل ولد الشيخ، المبعوث البريطاني يمتلك شخصية قوية ويتمتع باستقلالية نسبية تقلق النظام السعودي الذي يخشى خروج المسار التفاوضي على “خطوطه الحمراء” الأمر الذي يفسر تعنت “التحالف” واصراره على مواصلة عرقلة الوفد الوطني وذهابه الى جنيف بعكس الجولات التفاوضية السابقة حيث كانت الطائرات العمانية نتقل الوفد بشكل سلس وطبيعي دون مشاكل جوهرية برعاية المبعوث السابق اسماعيل ولد الشيخ (عدا بعض الاستفزازات والعرقلات التي تم تجاوزها) .

بمحاولاتها فرض شروط على مغادرة الوفد الوطني تسعى دول “التحالف” الى تسجيل نقاط عدة، ففي حال رفض وفد صنعاء المغادرة ولم يشارك في مشاورات جنيف فسيتم تحميل أنصار الله وحلفاؤهم مسؤولية عدم الجدية في البحث عن السلام وافساح المجال للمسار السياسي ويبنى على عدم المشاركة اتهامات اضافية تتعلق بانعدام الجدية في انهاء معاناة الشعب والحديث عن خيار الحرب وكأنه بالنسبة للقوى الوطنية خيار عدمي لا يبالي بالضريبة الباهظة التي يدفعها اليمينون جراء الحرب والحصار.

وفي حال رضخ وفد صنعاء للتعسف السعودي الامريكي وغادر الاراضي اليمنية وفق شروط التحالف، يكون النظام السعودي قد سجل نقطة متقدمة في مرمى القوى الوطنية، وأرسى معادلة مفادها أن التحالف هو من يمتلك قرار منح وفد صنعاء تصريحا لمغادرة اليمن وهو أيضا من يمتلك الحق في السماح لهم أو منعهم من العودة عقب انتهاء المشاورات، تحت أي مبرر بحسب المزاج السعودي.

وستكون النتيجة أن وفد صنعاء يذهب الى المشاورات وسط هاجس أمني متواصل لغياب الضمانات المطلوبة بعودة آمنة وسلسلة الى اليمن بعد انتهاء المشاورات، وسبق “للتحالف” ممارسة أعمال القرصنة ضد فريق التفاوض الوطني ففي أول جولة رعتها الامم المتحدة بجنيف عام 2015 احتجز الوفد في جيبوتي قرابة يومين كاملين وتم الحيلولة دون وصوله في الوقت المحدد للالتقاء بالامين العام للامم المتحدة بان كي مون، وبعد انتهاء مفاوضات الكويت 2016 م ظل فريق صنعاء عالقا في سلطنة عمان قرابة ثلاثة شهور وعجزت الامم المتحدة عن استخراج تصريح من التحالف يسمح لطائرة أممية بنقل الوفد الى صنعاء.

السياسات السابقة للتحالف السعودي الامريكي لا تعبر عن قوة في الموقف ولا ثقة في النفس ولكنها نتيجة شعور بالنقص ومحاولة للتعويض عن الفشل العسكري والميداني. ابو ظبي والرياض خسرتا رهان “الساحل الغربي” وكان المؤمل لدى حكام السعودية والامارات ان موعد الجولة الجديد من المشاروات لن يأتي الا بعد انتزاع الحديدة والاستيلاء على مينائها الاستراتيجي كورقة قوة تستخدم في طاولة المفاوضات.

يضاف الى العوامل السابقة أن الضعف الذاتي لوفد الرياض يمثل هاجسا أخر للنظام السعودي، فإلى جانب هشاشة ما يوصف “بالشرعية” يتزامن موعد عقد المشاورات مع اندلاع انتفاضة شعبية غاضبة في المحافظات الجنوبية تطالب باسقاط “حكومة هادي” وتهتف بشعارات منددة “بالتحالف وتدعو لإنهاء الوجود الاماراتي السعودي، ولأول مرة يقوم المتظاهرون في عدن وحضرموت بإحراق لافتات عملاقة تحمل صور قادة الامارات والسعودية وعبد ربه منصور”.

وأخيراً، لا تود السعودية افساح المجال لقطار المفاوضات اليمنية بالتحرك فيما لا تزال ردود الفعل الدولية ازاء جرائم الحرب التي ارتكبتها في ضحيان والحديدة متواصلة، وكان لتقرير لجنة الخبراء التابع للامم المتحدة دور كبير في احراج النظام السعودي وحشره في زاوية ضيقة.