قراءة في تقرير لجنة خبراء مجلس حقوق الإنسان حول اليمن
بقلم / حميد رزق
تسارعت الأحداث في وجه النظام السعودي، التقارير الدولية تتوالى، وغالبيتها تدين الجرائم السعودية في اليمن وتطالب بوضع حد لانتهاكات حقوق الانسان التي يمارسها تحالف آل سعود بحق المدنيين. وكالة “اسيوشتد برس” أصدرت في شهري تموز/يوليو وآب/اغسطس تقريرين؛ الأول يكشف عن سجون سرية تديرها الإمارات في عدن وتشهد أعمال تعذيب وحشية وتنتهك فيها كرامة المعتقلين، والثاني يكشف عن قيام دول “التحالف السعودي” بتجنيد عناصر “القاعدة” لمقاتلة من وصفهم التقرير بـ”الحوثيين””، “هيومان رايتس ووتش” كان لها نصيب من رصد الجرائم السعودية في اليمن، أصدرت الشهر الماضي تقريراً مطولاً تحت عنوان التخفي خلف مسمى التحالف ذكرت فيه ان “الكثير من الهجمات التي شنتها قوات التحالف انتهكت قوانين الحرب وتتضمن أدلة على حصول جرائم حرب، نفذها أشخاص بقصد إجرامي”.
لم يمض الكثير من الوقت حتى صدر تقرير لجنة خبراء مجلس حقوق الانسان الذي تضمن إدانات واضحة للسعودية ودول “التحالف” وحملها مسؤولية سقوط غالبية المدنيين في الحرب على اليمن.
التقارير السابقة كانت بمثابة جرس إنذار، دفعت النظام السعودي الى اتخاذ اجراءات مضادة من خلال عقد مؤتمرات صحفية لناطق “التحالف” تركي المالكي وكذلك اصدار بيانات ترفض التقارير الحقوقية الدولية وتتهمها بالتحيز، الاجراءات السعودية بدت غير كافية خاصة أن ارتدادات مجزرة أطفال ضحيان ما تزال حاضرة بقوة في الفضاء الحقوقي العالمي، وبغرض الإنحناء أمام رياح الادانات الدولية ذهب النظام السعودي مكرها نحو مسرحية التحقيق في مجزرة أطفال ضحيان وصولا الى الاعتراف المخاتل وتوجيه اعتذار مبطن بغرض الظهور في موقع من يتحمل المسؤولية بعد فشله في التنصل من الجريمة والتعامل معها كهدف عسكري مشروع.
لم يكن النظام السعودي قد أفاق من صدمة تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة الذي أدرج قادة دول التحالف في قامة مجرمي الحرب حتى خرجت “هيومان رايتس ووتش” يوم الأحد في الثاني من شهر سبتمبر بتقرير جديد شككت بمصداقية التحقيقات السعودية في مجزرة ضحيان وأكدت أن لجنة الحوادث السعودية تفتقر الى المصداقية ولا تحظى بأي قيمة قانونية. وكررت المنظمة وصفها لمجزرة أطفال ضحيان بأنها جريمة حرب تضاف الى سلسلة جرائم ارتكبها تحالف آل سعود بحق المدنيين في اليمن طوال الثلاثة أعوام الماضية.
* تقرير لجنة خبراء الأمم المتحدة
حالة من جلد الذات تعيشها السعودية والإمارات عقب صدور تقرير لجنة خبراء مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
التقرير الصادر في 28 شهر آب/أغسطس أماط اللثام عن جانب من جرائم الحرب التي مارستها السعودية والامارات بحق الشعب اليمني منذ ثلاثة أعوام لا سيما المجازر ضد المدنيين والانتهاكات الخطيرة في سجون الاحتلال والأطراف التابعة له بالجنوب كما تطرق التقرير الى الحصار المفروض على اليمن وتداعياته الكارثية يخالف قواعد القانون الدولي.
تقرير لجنة الخبراء اقتصر على الفاصل الزمني بين مارس 2015 ويونيو 2018 م واستهل فقراته بالحديث عن الهجمات (المجازر) ضد المدنيين حيث بلغ عدد “الضحايا” 16706 بينهم 6475 ” قتيلًا” و10231 جريحًا .. هذه الارقام لا تعكس الحقائق على الارض فالمركز القانوني للحقوق والتنمية ( مقره صنعاء) يؤكد أن عدد الضحايا 37896 بين شهيد وجريح بينهم قرابة 6500 طفل نصفهم قتلوا بالغارات السعودية الاماراتية.
* قلق سعودي
رغم محدودية النتائج التي توصل اليها تقرير خبراء مجلس حقوق الانسان لكنه أثار غضباً سعودياً إماراتياً كبيراً لأسباب عديدة، أبرزها:
كون الفريق المكلف لاعداد التقرير يتبع منظمة الأمم المتحدة ويحظى بمصداقية دولية
التقرير سلط الضوء على نماذج صارخة من انتهاك حقوق الانسان الذي تنفذه السعودية والامارات بشكل متعمد بحق المدنيين في اليمن سواء من خلال القصف والمجازر أو من خلال أساليب التعذيب القذرة في السجون أو من خلال اتباع سياسة التجويع وتشديد الحصار
تحت عنوان الهجمات ضد المدنيين. أكد التقرير أن معظم الإصابات في صفوف المدنيين سببها “غارات التحالف الجوية” التي استهدفت مناطق سكنية وأسواقًا وجنازات وحفلات زفاف وسجونًا وقوارب الصيادين ولم تسلم المشافي من الاستهداف الجوي.
استعرض فريق الخبراء 60 حالة استهدفت فيها الغارات السعودية الاماراتية منازل وأحياء سكنية وأسواقًا ومرافق طبية ومراكب صيد وبنى تحتية مدنية أخرى تسببت في سقوط 509 مدنيين بينهم 84 امرأة و233 طفلاً، كما تطرق التقرير الى الغارات المزدوجة التي تستهدف المستجيبين أي المسعفين وهذا النوع من الجرائم مارسته دول التحالف بشكل متكرر ومتعمد، الأمر الذي يزيد من حجم المأساة ويضاعف أعداد الضحايا.
* الحصار واعاقة وصول المساعدات
فيما يخص الحصار، أشار التقرير الى آثاره الواسعة والمدمرة على المدنيين في اليمن. ورغم قيام الامم المتحدة بالاشراف على آلية للتفتيش، الا أن دول التحالف تقوم بإجراء عمليات تفتيش اضافية طابعها تعسفي الغرض منها منع أو تأخير البواخر من دخول الحديدة.
يؤكد التقرير أن آثار الحصار على المدنيين هائلة، فقد تراجعت بشكل كبير امكانية الوصول الى المواد الغذائية والوقود وفاقم من هذه “المشكلة” توقف “الحكومة” عن صرف مرتبات الموظفين في ظل ارتفاع الاسعار وتراجع القدرة الشرائية، الأمر الذي خلف كارثة انسانية 17،8 مليون شخص يعانون من انعدام الامن الغذائي و8،4 مليونًا على شفير المجاعة. فيما توفي 13 ألف مريض نتيجة اغلاق مطار صنعاء وعجزهم عن السفر لتلقي العلاج. ورغم ذلك، فان اجراءات الحصار المشددة كما يشير فريق الخبراء لم تثمر عن ضبط أي اسلحة عبر عمليات التفتيش التي تجريها قوات التحالف والامم المتحدة ليخلص التقرير إلى أن (ما من فائدة عسكرية تبرر الاثار الكارثة للحصار الذي يعاني بسببه ملايين المدنيين بما يخالف القانون الدولي) .
* السجون والتعذيب
سلط تقرير خبراء مجلس حقوق الانسان الضوء على فظاعات تمارسها الامارات في السجون الخاصة بالمحافظات الجنوبية، ففي الفقرة 69 تمت الاشارة الى حدوث انتهاكات في مرافق احتجاز غير مصرح بها خاضعة لسيطرة الامارات حيث تعرض المحتجزون لاصناف من التعذيب القاسي حيث يتم تعرية النزلاء وتعريضهم للاعتداء الجسدي بما في ذلك صغار السن (القصر) ووثق التقرير حالات اختطاف لنساء من منازلهن وتعرضهن “للعنف” كما يتعرض لاجئون أفارقة لاستغلال يطال النساء والاطفال ليخلص فريق الخبراء الى مسؤولية الامارات والسعودية عن هذه الانتهاكات.
رغم أن التفاصيل التي وردت في التقرير لا تعكس واقع المأساة والجريمة التي يرتكبها العدوان السعودي الامريكي الاماراتي في اليمن، الا أنها أثارت قلقاً بالغاً لدى النظامين السعودي والاماراتي، فهذان النظامان لم يتعودا على مثل هذا الوضوح في الاشارة الى جرائمهما. ولم يمض وقت طويل حتى أصدر ما يسمى بالتحالف بياناً يرفض تقرير الخبراء ويتنصل عن تحمل مسؤولية هذه الجرائم، واصفاً ما ورد في تقرير الخبراء بالمغالطات المنهجية. بيان “التحالف” نفى أن تكون غاراته تستهدف المدنيين كما رفض الاتهامات الموجهة اليه بفرض قيود على وصول المساعدات الانسانية وممارسة الاحتجاز التعسفي والاخفاء القسري والتعذيب والعنف وتجنيد الاطفال.
الهاجس الأهم
الهاجس الأكثر أهمية لدى السعودية وتحالفها ضد اليمن تمثل في جرأة تقرير خبراء الأمم المتحدة وتسميته محمد بن سلمان ومحمد بن زايد في رأس قائمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب في اليمن. ففي المرفق 1 من التقرير تم تحديد الاطراف الرئيسية في النزاع واحتل محمد بن سلمان الخانة الأولى في القائمة الطويلة يليه في الجانب الاماراتي خليفه بن زايد ونائبه محمد بن زايد. وفي اليوم التالي أصدر تحالف آل سعود بياناً يرفض إدراج “أسماء القادة والمسؤولين في دول التحالف” في ملحق التقرير.
مراقبون أكدوا أن الولايات المتحدة تعمل بمسارين، الأول العمل على التنصل من جرائم الحرب والثاني تستفيد من ورطة النظام السعودي لممارسة المزيد من الابتزاز وتحصيل الأموال.
في الخلاصة، قد لا يكون للتقارير الحقوقية الدولية تأثير سريع ومباشر على مسار العدوان على اليمن لكن في المدى البعيد تلك التقارير تشكل عرائض اتهام ستقود مجرمي الحرب الى طاولة “العدالة” طال الوقت أم قصر.