الخبر وما وراء الخبر

هل يفهم تحالف العدوان على اليمن معنى ’قواعد الاشتباك’؟

92

بقلم / شارل أبي نادر

” قواعد الاشتباك” في العلوم العسكرية وقوانين الحرب، هي القواعد التي تلتزم بها القوات المسلحة خلال العمليات العسكرية، في النزاعات المسلحة أو في عمليات حفظ السلام أو في عمليات فرض السلام، والتي تضطلع بها في المسرح الدولي أو الاقليمي أو الوطني المحلي، وذلك استناداً للقانون الدولي ولمفهوم صلاحية مجلس الأمن الدولي، وهي تتشكل استنادا لمعادلة مركبة من الأبعاد القانونية والعسكرية والاستراتيجية والسياسية والعملياتية، وقد تتغير من ميدان أو معركة أو مسرح عمليات الى آخر، تبعا لظروف ومعطيات المهمة، ولكن تبقى، وفي جميع الظروف والمعطيات، محددة بالقانون الدولي الانساني وقانوني الحرب والنزاعات المسلحة، ولا يجب ان تتخطى بتاتاً، في أية معطيات أو ظروف، الحدود والقيود التي تحمي المدنيين من أطفال أو نساء أو شيوخ، خاصة اذا كان هؤلاء خارج دائرة المشاركة بالعمليات العسكرية.

مؤخراً، وبعد أن فاقت مجازر تحالف العدوان على اليمن أعلى مستوى من الاجرام، وبعد أن علا صراخ المنظمات الانسانية الدولية، والتي “خجلت مؤخرا على دمها”، على خلفية استهداف حافلة مدرسة تنقل أطفالا يمنيين في مديرية ضحيان في شهر اغسطس الماضي، استشهد منهم أكثر من أربعين طفلاً مع عدد مضاعف من المصابين، وجّهت وزارة الحرب الاميركية (البنتاغون) تحذيرا الى السعودية، بأنها مستعدة لخفض الدعم العسكري والاستخباراتي، لحملتها ضد اليمن، إذا لم يُظهر السعوديون أنهم يحاولون تقليل عدد “القتلى” المدنيين نتيجة الغارات، وذلك حسب شبكة “سي ان ان”.

أضافت الشبكة المذكورة نقلاً عن مصادر مطلعة على موقف البنتاغون، إن الاحباط يتزايد لدى منظمات حقوق الانسان وبعض أعضاء الكونغرس، بالاضافة الى أن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس والجنرال جوزيف فوتيل، قائد عمليات الجيش الأمريكي في الشرق الأوسط، يشعران بقلق من أن الولايات المتحدة تدعم حملة عسكرية تقودها السعودية، نفذت غارات جوية نتج عنها مقتل عدد كبير من المدنيين.

من باب حفظ ماء الوجه والادعاء باحترام القوانين الدولية، والرد على تعاظم الانتقادات الدولية المرتبطة بالمنظمات الانسانية، دفعت الولايات المتحدة تحالف العدوان، الى تكليف فريق متخصص بالتحقيق بمجزرة ضحيان. وبعد أن أنهى الفريق أعماله لناحية الاضطلاع على ملابسات وظروف ومعطيات الجريمة، تبين له أن هناك أخطاء في التقيد بقواعد الاشتباك، أوصى بها لقيادة التحالف، الذي بدوره أكد أنه سيحاسب المسؤولين عن التقيد الخاطئ بقواعد الاشتباك.

قرار التحالف أعلاه والذي صدر بتاريخ الثاني من شهر أيلول سبتمبر الجاري، كان قد سبقه مؤتمر صحافي للفريق المحقق، عُقد في جدة قبل يوم، تطرق فيه المتحدث باسمه منصور المنصور الى تفاصيل الغارة ونتائج التأكد من متابعة أفلام الاستهداف ومساري الهدف والصاروخ قبل الاستهداف مباشرة، بالاضافة الى تأكيد المعلومات والاحداثيات بأن الهدف هو حافلة تنقل قيادات من الحوثيين، وتابع منصور في تقريره: “قبل الاستهداف بخمسة ثوان، لا أكثر، كان الهدف ما زال نفسه: قيادات من الحوثيين، لكن بعد أن حصل إطلاق الصاروخ الوحيد في الغارة، وأصيب الهدف، جاءت أوامر من غرفة العمليات بوقف الاطلاق نظراً لوجود مدنيين قرب الهدف”.

ما تم متابعته أعلاه، لناحية “الاحباط” الاميركي و”غيرة” أعضاء من الكونغرس ولجنة حقوق الانسان على المدنيين في اليمن، بالاضافة لخلاصة تقرير الفريق المحقق بالجريمة مع عرضه للتفاصيل الفنية “الغريبة العجيبة”، والمتعلقة بعملية اطلاق الصاروخ على الحافلة المدرسية، ايضا مع إعتراف التحالف “الخجول” بحصول خطأ بالتقيد بقواعد الاشتباك، وعزمه على اتخاذ الاجراءات بحق المسؤولين عن الخطأ، كل ذلك يدفعنا للاستنتاجات التالية:

– يستنتج من المؤتمر الصحفي للفريق المحقق، وعند دخوله في التفاصيل الفنية لعملية الاطلاق واستهداف الحافلة المدرسية، والذي برهن عن جهل ووقاحة مقززة عندما قال: ان الصاروخ الوحيد الذي تم اطلاقه من القاذفة، بقي وفي الخمس ثواني الأخيرة من مساره قبل الهدف، مصوباً على حافلة تقل قيادات من الحوثيين، وبمعلومات مؤكدة وباحداثيات ثابتة، ليتبين بعد انفجار الصاروخ أن الهدف هو حافلة فيها أطفال، وبأن غرفة العمليات التي تنسق وتدير عمل القاذفة، طلبت (بعد فوات الاوان طبعا) وقف الاطلاق لوجود مدنيين قربه، يستنتنج من ذلك مدى تدني مستوى الحرفية في نظام عمل التحالف مقارنة مع قدراته الجوية الضخمة في التدمير والاستهداف، ومدى الاستخفاف بحياة المدنيين، عن قصد أو عن جهل، الامر الذي ينسحب بالكامل على معركة وحرب هذا التحالف على اليمن وعلى أبنائه.

– يستنتج أيضا أن الاميركيين هم غير جديين بتاتاً لناحية التشدد على تحالف العدوان على اليمن بوقف استهداف المدنيين، حتى أنهم وبكل وضوح طلبوا بالحرف الواحد: “بأنهم مستعدين لخفض الدعم العسكري والاستخباراتي، لحملة التحالف ضد اليمن، إذا لم يُظهر السعوديون أنهم يحاولون تقليل عدد القتلى المدنيين نتيجة الغارات”، وهم كما يظهر بكل وضوح ايضاً، قد يخفضون دعمهم العسكري … يخفّضونه ولا يلغونه، والمطلوب من التحالف فقط ، حسب الاميركيين: “تقليل عدد القتلى المدنيين”، مثلا (من أربعين شهيدا في الغارة الى عشرين فقط)، وليس وقف استهداف المدنيين بشكل كامل، وهذا يعتبر التزاما بدعم العدوان مع بعض التحفظ غير المؤثر.

ما يجري في اليمن حالياً، بما يحمله من جرائم ومجازر ومآس تطال المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، ودور عبادة ومستشفيات وغير ذلك، خرج من دائرة إمكانية إسقاطه على أي قواعد إشتباك أو قانون أو نظام أو معادلة دولية، وهو في الحقيقة يمثل نظاماً غريباً غير مألوف، تخطى جميع الأعراف والتقاليد والقوانين والمعاهدات والعلاقات الدولية والانسانية والاجتماعية، والانكى من ذلك كله، أنه يجري باشراف ورعاية ومتابعة أممية وبامتياز.

أخيراً.. يستنتج أن تحالف العدوان على اليمن، ومن ورائه الدول الراعية والداعمة له، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية، لا يلتزمون بأي قوانين دولية أو انسانية ، ولا حتى بأي أعراف أو اصول أو التزامات أخلاقية أو ما شابه، وهم في مطلق الأحوال، لا يعني لهم شيئا ما يسمى بـ “قواعد الاشتباك”، وبالتالي لا يلتزمون إلا بقواعدهم الخاصة التي خلقوها وفرضوها، رغماً عن المجتمع الدولي و مؤسساته الفارغة والفاشلة .