ماذا يعني القصف اليمني للإمارات ؟؟
بقلم / حميد رزق
بعد ايام من ارتكاب السعودية والإمارات عدداً من المجازر البشعة ضد الأطفال والمدنيين في اليمن خاصة مجزرتي أطفال ضحيان في صعدة والدريهمي بالحديدة تلفزيون المسيرة أعلن يوم الاثنين الموافق 27 أغسطس 2018م نجاح الطيران اليمني المسير في شن غارات على مطار دبي الدولي.. هذا الإعلان يأتي بعد شهر من غارات مماثلة شنتها الطائرة المسيرة (صماد 3) على مطار أبو ظبي في “دويلة” الإمارات، المسافة الفاصلة بين أبو ظبي ودبي زهاء 400 كم.
من حيث دلالات العملية يؤكد اليمنيون ان ضرباتهم التي تستهدف عاصمتي السعودية والإمارات ليست احداثاً معزولة أو مجرد إسقاط واجب بغرض ايصال رسائل دعائية وإعلامية، ولكنها ردود مدروسة زمانا ومكانا وتتصاعد بوتيرة ثابتة، ومن يعود الى طبيعة الرد الصاروخي على السعودية كانت البداية اطلاق باليستيات قصيرة ومتوسطة المدى، وتواصلت عمليات التطوير في التصاعد وصولا الى قصف العاصمة السعودية الرياض بواسطة صاروخ بالستي يصل مداه إلى 1300كم من طراز بركان2H، الامر ذاته ينسحب على مجال الطيران المسير الذي كانت ضرباته الأولى في جبهات الداخل ومن ثم بعض المدن السعودية المتاخمة للحدود مع اليمن وصولا الى قصف المدن الإماراتية الرئيسية.
المفارقة ان استهداف مطار دبي بما له من أهمية اقليمية ودولية يأتي في ظل حالة طوارئ غير معلنة تعيشها الإمارات عقب الضربة السابقة في ابو ظبي، كانت الإمارات قد أبرمت عقوداً لشراء سلاح مضاد للطيران المسيرة، ومع ذلك لم تحل الاحتياطات الإماراتية دون وقوع الضربة التالية. ما يكشف بوضوح ان اليمن الجريح والمحاصر مستمر في تطوير وسائل الرد والردع، وان اليمنيين ليسوا في وارد الضعف أو الاستسلام كما يعتقد صناع القرار في الرياض وابوظبي، وكما يقاتل اليمني بالحجارة أو السلم والولاعة (القداحة) في حال افتقد الى السلاح، فانه يعمل ويسهر الليل مع النهار لتطوير قدرات المواجهة وتحويل المحنة والمأساة الى فرصة.
ويؤكد اليمانيون باستهداف مطار دبي انهم أصحاب قرار مستقل (يضربوا في المكان والزمان الذي يريدونه)، ومن المؤكد ان هذه الضربات تخلف تداعيات في اتجاهات عديدة داخل السعودية والإمارات، فعلى الصعيد المعنوي استهداف دبي وقبلها الرياض وابو ظبي ينعكس سلبا على ما يسمى بدول التحالف ومن يسير في فلكها، اما على الصعيد الاقتصادي فمن المعروف ان دبي هي المدينة المالية الاولى في المنطقة ومهما كانت المكابرة الإماراتية لكن الحرب على اليمن باتت تفرض نفسها وتحضر بقوة على طاولة المستقبل المنظور للمنطقة ودول الترف والإنتاج النفطي في الخليج.
النفي الإماراتي
ليس مهماً باعتقادي ان تعترف أو تنفي الإمارات تعرض مدنها الرئيسية للقصف بواسطة الطيران اليمني، المهم في هذه الحالة ما يقوله الجيش واللجان الشعبية في اليمن، المهم ما تعلنه قناة “المسيرة” اما الإمارات فمن غير المتوقع إقرارها بوصول الطائرات اليمنية الى عقر دارها لأن هذا يعني تسليماً بانقلاب المعادلة في مواجهة اليمنيين المحاصرين منذ أكثر من ثلاث سنوات.
ان قرار ضرب مطار دبي بمعزل عن الإقرار أو النفي السعودي ـ الإماراتي هو قرار كبير واستراتيجي، ويحمل أبعاداً عسكرية وسياسية غير عادية، فأن تمتلك القيادة اليمنية الجرأة على اتخاذ هذا القرار وإعلانه يعني انها تتموضع في موقع قوة وتمتلك إرادة فولاذية لا تضعف أو تتراجع بعكس رهانات كثيرين ممن ينتظرون مؤشرات ضعف أو استسلام يمنية امام دول ما يسمى بالتحالف.
وإذا كانت الإمارات في ضربة يوليو الماضي على مطار ابو ظبي اعترفت بشكل موارب بالحديث عن حادث عرضي تسببت به مركبة نقل عادية، فإنها فيما يخص مطار دبي لجأت للهروب السريع الى الامام، لكن هذا لن يغير من الحقيقة شيئا فلو لم تحدث الضربة السابقة (في ابو ظبي) لما احتاجت السلطات الإماراتية للبحث عن سلاح متخصص في التصدي للطائرات المسيرة في عواصم عديدة، ولما صارت تعيش حالة طوارئ غير معلنة (بحسب معلومات أكدت حدوث اعتقالات وحظر السفر ليمنيين وعرب على خلفية عمليات الطيران المسير) ومع ذلك لن تطول المدة حتى تخرج صحف ووسائل إعلام غربية بتفاصيل تكسر سياسة التعتيم الحاصلة.
استهداف دبي والمسار السياسي
هل ثمة تأثير سياسي للقصف اليمني على مدن الإمارات خاصة الضربة الأخيرة في مطار دبي التي جاءت قبيل جولة مشاورات مزمعة في جنيف ترعاها الأمم المتحدة ؟؟ من الواضح ان قصف دبي يحمل رسالة الى المجتمع الدولي مفادها ان الرهان على اي دور أممي ضعيف ويكاد يكون معدوماً، وبما ان الحرب السعودية الإماراتية مستمرة بدعم أمريكي فإن الجانب اليمني يرى ان حقه في الرد مشروع ولن يتأثر بالحديث عن مشاورات ومفاوضات مرتقبة ما دام العدوان متواصلاً ولم يتوقف.
لقد بات اليمنيون على ثقة ان المجتمع الدولي لن يلتفت الى معاناتهم إلا في حال كثفوا أعمال القصف على عواصم دول الحرب والتحالف وتمكنوا من تطوير وسائل الردع التي تطال مصالح دول العدوان ذاتها.
الضربة والجبهة الداخلية
استمرار الضربات الصاروخية والجوية اليمنية نحو أهداف استراتيجية في السعودية والإمارات هي انعكاس لإنجازات تصنيعية في المجال العسكري وعمليات التصنيع والتطوير تعبر عن متانة في جبهة الداخل، فلولا حالة الطمأنينة والانسجام الذي تعيشه الجبهة الداخلية لما تمكن اليمنيون من الصمود فضلا عن الانجاز والابتكار وتطوير الأسلحة ومن ثم إرسالها صوب الأهداف المحددة في عواصم دول ما يسمى بالتحالف.
وتكمن الأهمية الإضافية للضربات التي ينفذها سلاح الجو المسير وسلاح الصواريخ اليمني انها بمثابة الرافد لثبات الجبهات العسكرية في مختلف الجبهات المشتعلة، والاهم من ذلك كله إرادة جماهيرية عارمة يستند اليها الجيش اليمني وقطاعاته العديدة، وامام هذا الانسجام والمتانة في الجبهة الداخلية نستطيع ان نستشرف مستقبل الحرب والعدوان على اليمن الذي لن ينتهي بغير الفشل الذريع والهزيمة الواضحة للسعودية وحلفائها.