الخبر وما وراء الخبر

أهمية ولاية الله ورسوله والذين آمنوا.. ح2

284

بقلم / عدنان الجنيد

إن الله عز وجل ضرب لنا مثلاً في سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام ـ حيث توجه خطابه إلى قومه الذين عبدوا غير الله واشركوا به بأنه براءُ منهم ومما يعبدون وإن العداوة والبغضاء هي العلاقة التي يتم مواجهتهم بها حتى يؤمنوا بالله وحده واشارت الآيات بأننا كأمة لا بد أن يكون لنا بالنبي إبراهيم وقومه اسوة حيث قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَ‌اهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَ‌آءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ كَفَرْ‌نَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَحْدَهُ ) الممتحنة.

وقال تعالى: (لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ‌ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ…) المجادلة:22

ومن مفهوم المخالفة لهذه الآية نفهم أن الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر هم الذين يوادون من حاد الله ورسوله….

وفي موضع آخر تجد أن الله عز وجل قرن النصر والغلبة لأهل الحق على أعدائهم بضرورة تولي الله ورسوله والذين آمنوا كشرط أساس في اقامة دولة الحق التي تقف ضد دولة الباطل ومن غير هذا الشرط لا يتحقق للأمة أي نصر بل ويصبح أمرها بيد أعدائها وتصبح – أيضاً – فريسة سهلة للشرق والغرب لأنها تخلت عن ولاية الله ورسوله والمؤمنين وفي ذلك يقول الله تعالى: ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَ‌سُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَ‌اكِعُونَ ، وَمَن يَتَوَلَّ اللَّـهَ وَرَ‌سُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْغَالِبُونَ )[المائدة:55-56].

وسيأتي بيان ذلك أكثر في النموذج الأعلى لولاية الله ورسوله والمؤمنين.

الموالاة والمعاداة في كتب الحديث النبوي:

إن كتب الأحاديث مشحونة بالأحاديث التي تدعو وتأمر وتحث على ضرورة موالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله ورسوله فمنها -على سبيل المثال- ما يلي:

سأل النبي -صلى الله عليه وآله – أبا ذرـ رضي الله عنه ـ (أتدري أيُّ عُرى الإيمان أوثق؟

قال: الله ورسوله أعلم. قال: الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله عزوجل) رواه الطبراني.

وهناك حديث هام يدل على أهمية الموالاة لأولياء الله والمعاداة لأعداء الله، وأن جميع عبادات وطاعات وأعمال العبد يتوقف قبولها عليها، أخرج الإمام الناصر للحق السيد الحسن بن علي الأطروش ـ رضوان الله عليه ـ في كتابه ” البساط ” بسنده عن أبي عبدالله الصادق عن آبائه أن علياً ـ عليه السلام ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ( لو أن عبداً قام ليله وصام نهاره وأنفق ماله في سبيل الله علقاً علقاً وعبَدَ الله بين الركن والمقام ثم يكون آخر ذلك أن يذبح بين الركن والمقام مظلوماً لما صعد إلى الله من عمله وزن ذرة حتى يظهر المحبة لأولياء الله والعداوة لأعداء الله)

قال الحسن بن علي الأطروش: معنى يظهر “أي يعتقد ذلك ويظهره في من يمكن إظهاره فيه ”

إن هذا الحديث يذكر أن شخصاً يصوم النهار ويقوم الليل ويتعبد وينفق أمواله في سبيل الله وتعبد في أفضل وأقدس مكان عند الله ما بين الركن والمقام ثم بعد ذلك يُقتل مظلوماً .. فعمله هذا كله ما يرفع إلى الله منه مثقال ذرة حتى يظهر المحبة لأولياء الله والعداوة لأعداء الله.

إن الموالاة والمعاداة ليست مجرد فكرة عابرة رويت أو سمعت من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بل كان الاهتمام بها كبيرا جداً لأنها تمثل وحدة الصف الاسلامي ضد الخطوط الأخرى التي يتزعهما اليهود والنصارى والكافرون فإضافة إلى ما نزلت من الآيات بهذا الخصوص وهي كثيرة كانت توجيهات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثيرة ومتعددة في الموالاة والمعاداة سواءً في وقت الحرب أو في وقت السلم لأن ثبات المجتمع الإسلامي على مبدأ الموالاة لله ورسوله والمؤمنين ومعاداة أعداء الله من اليهود والنصارى والكافرين يعد ذلك عنصر قوة يتميز به هذا المجتمع حيث يبقى متماسكاً قوياً مترابطاً صلباً ضد كل مؤامرة تسعى إلى إضعافه أو اجتثاثه ومن خلال ما سبق يتحتم علينا معرفة النموذج الأعلى الذي أبرزه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للأمة كمبدأ خالد لولاية الله ورسوله والمؤمنين ـ وهو ما سيأتي ذكره

النموذج الأعلى لولاية الله ورسوله والمؤمنين :

ويتضح لنا هذا النموذج بعد عودة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من حجة الوداع في السنة العاشرة للهجرة في يوم الثامن عشر من ذي الحجه ومعه عشرات الالاف من جموع المسلمين حيث وقف في وادي (خٌم) -منطقة بين مكة والمدينة وهي أقرب ما تكون إلى مكة – بعد أن نزل عليه قول الله سبحانه وتعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين) المائدة : 76

بعد نزول هذه الآية وفي وقت الظهيرة في وقت حرارة الشمس وحرارة الرمضاء أعلن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمراً لمن تقدم أن يعودوا وانتظر في ذلك المكان حتى تكامل الجمع وبعد ذلك رُصَّت له أقتاب الإبل ليصعد عالياً فوقها لتراه الأمة – إن كان ينفعها ذلك – لتراه وتشاهده وهي تعرفه بشخصه لترى علياً ويد رسول الله رافعة ليده وهي تعرف شخص علي ومن فوق تلك الأقتاب يعلن موضوعاً هاماً وقضية هامة وهي قضية ولاية أمر هذه الأمة من بعده صلوات الله عليه وعلى آله.

عندما صعد وبعد أن رفع يد علي – عليه و السلام – خطب خطبة عظيمة إلى أن وصل إلى قوله : “أيها الناس إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من انفسهم فمن كنت مولاه فهذا عليُّ مولاه اللهمَّ والِ من والاه وعادِ من عاداه وانصر من نصره وأخذل من خذله ”

إذا رأينا تسلسل حديث الولاية – الذي ذكرناه في الحلقة السابقة – لوجدناه ينسجم انسجاماً كاملاً مع الترتيبات التي أعلن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عنه في أثرها فقد أعطى هذا الأمر الهام موضعه من الأهمية وجمع له الأمة في شدة الرمضاء وبعد حجة الوداع التي حضرها المسلمون من بلدان متعددة ليكون ذلك أبلغ في الحجة وأوضح في وقوع المحجة.

وحديث ولاية الإمام علي ـ عليه السلام ـ مروي في جميع كتب الحديث من مختلف طوائف الأمة – سنة وشيعة -فقد جاء بروايات متواترة وأسانيد متظافرة وليس هناك أدنى شك من ثبوته وروايته عن جموع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فلا مجال للتشكيك به بحال من الأحوال…

إن من المفاهيم التي جاء بها حديث الولاية:

من واقع الحال والظروف المحيطة التي رافقت إعلان الولاية يتبين لنا مدى خطورة ولاية الأمر ومدى تأثيرها بمستقبل الأمة..

ومما يزيد الأمر أهمية أكثر هذا التسلسل العجيب الذي ذكره رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فبدأ بقوله: إن الله مولاي أي وأنا المبلغ عنه سبحانه ثم قال: وأنا مولى المؤمنين أولى بهم من أنفسهم » ويتابع الأمر على هذا الأسلوب ليبين أنها ولاية ممتدة من عند الله إلى عند رسوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ولاية مندرجة لا ينفصل بعضها عن بعض ثم يقول: فمن كنت مولاه أليس كل مؤمن فينا يعتقد ويؤمن أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ هو مولاه أي مسلم أي أمة أي طائفة سنة أو شيعة لا يخرج عن هذا المبدأ ولا يدين بغير ذلك.. الجميع مقر بأنه مولى المؤمنين ـ صلوات الله عليه وآله وسلم ـ ثم ختمها بقوله: فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه.

ومما ينبغي أن نعرفه أن الرسول ـ صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله ـ يوم أشار إلى ” علي ” فإنه في نفس الوقت يشير إلى ولاية أمر الأمة المتجسدة قيمها ومبادئها وأهدافها ومقاصدها في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -عليه السلام_ وهو بذلك النموذج الأعلى والأرقى والأجدر الذي على الأمة إذا أرادت عزها ومجدها أن يكون ولاة أمرها في مثل قيم ومبادئ وإيمان وعلم هذا الإمام ـ كرم الله وجهه ـ وإلا تاهت في غيِّها وغابت عن رشدها.