الخبر وما وراء الخبر

عين على الجيش..وأخرى على لقمة العيش: مالذي يريده تحالف قريش.؟

60

بقلم / فؤاد الجنيد

على ضفاف الصمت يسترق اليمنيون الأنظار، تبللهم أمواج المعاناة المتدافعة، يرفعون اكفّهم إلى السماء في دعاء المضطر والمظلوم، ثم يلوّحون للشمس البعيدة خلف الأفق ويتوسلون إلى اصفرارها الشاحب البقاء؛ فـ وحشة الغروب أهون عليهم من ليل الوجع الحالك، وانوار العالم عاجزة عن إختراق سياج الألم الشائك الذي نسجت التواءته الصلبة بقايا إنسانية لا تحمل شيئاً من حروف اسمها، وجعلت الإنسان اليمني معزولاً وحبيساً رغم تصدره عناوين نشرات الأخبار وتغطيات وكالات الأنباء.

ملايين الدولارات تصرفها دول العدوان هنا وهناك، ومليارات المنح والهبات تجد طريقها مفتوحة لشراء المواقف وتكديس الولاءات، لكن الرمق اليمني في قاموسهم بحاجة إلى مفاوضات ولقاءات بإشراف أممي حتى يحظى بفرصة للنظر في معاناته، ومنحه حقوقه وثرواته المنهوبة يومياً من مسوخ العدوان وزبانيته الذين يتاجرون بالوطن تحت مزاد إعادة الشرعية المفقودة.

لا تكف أبواق العدوان ساعة واحدة عن الحديث المجوّد والمنغّم عن الشعب اليمني ومعاناته، وكيف أن الحرب القت بتبعاتها ونتائجها على كاهله، لكنها تتنصل من مسئولياتها في ذلك، وتتملص من الإعتراف بوقوفها وراء كل هذه الكوارث الإنسانية بدءً بقتل المدنيين وتدمير مساكنهم واسواقهم وطرقاتهم ومستشفياتهم ومقرات أعمالهم، مروراً بالحصار الثلاثي ونهب واردات النفط والغاز في المحافظات المحتلة، وانتهاءً بتعنتها وعرقلتها اي تسوية سياسية من شأنها إنهاء الحرب وتطبيع الحياة العامة وعودة الإستقرار والأمان.

في هذه الأثناء تشهد اليمن موجة مسعورة من إرتفاع أسعار المواد الغذائية والأدوية وكل المنتجات والسلع بفعل الهبوط الحاد في سعر العملة المحلية أمام الدولار، وهذا ما فاقم المعاناة وزاد الأمر تعقيداً خصوصاً في ظل انقطاع صرف رواتب الموظفين اليمنيين منذ ما يقارب العامين بعد نقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى مدينة عدن الجنوبية، وفي حال استمر الوضع على هذه الشاكلة فإننا سنشهد كارثة إنسانية غير مسبوقة بحق ملايين اليمنيين الذين انعدمت أمامهم فرص العمل وانغلقت أبواب الدخل اليومي الذي كان متاحاً ليغطي الجزء البسيط من متطلبات الحياة اليومية التي تبقيهم على قيد المعيشة، فما يحصلون عليه حالياً هو نصف راتب كل أربعة أشهر تعكف حكومة الإنقاذ في صنعاء على جمعه من العائدات المحدودة من ميناء الحديدة، وهو الأمر الذي طرحه قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي للمبعوث الأممي “مارتن غريفيث” كموافقة غير مشروطة لإشراف أممي على ميناء الحديدة وإيداع كل ايراداته إلى البنك المركزي في صنعاء شريطة أن تقوم دول تحالف العدوان وحكومتها في عدن بتغطية العجز المالي الكافي لصرف رواتب الموظفين اليمنيين شهرياً، وهو ما رفضته قوى العدوان على لسان الرئيس هادي في استهتار قبيح بحياة ملايين اليمنيين الذين عصفت بهم الحرب الإقتصادية إلى وادٍ سحيق من المعاناة المستمرة والمتنامية.

قبل عملية نقل البنك المركزي اليمني من صنعاء استمرت سلطات “أنصار الله” في صرف رواتب جميع الموظفين منذ اليوم الأول للعدوان، فهي ترى في الرواتب ملكية للشعب ولا فضل لأحد فيها، ولم تقحم الوظيفة العامة في أتون الصراع على أبعاد سياسية أو جغرافية ولا حتى طائفية، ولم تقم بفصل أولئك المؤيدين للعدوان إيماناً منها بأن الوظيفة العامة حق للمواطن، وهو السلوك الذي لم يفعله مرتزقة العدوان في أماكن سيطرتهم، أضف إلى ذلك حرص الحكومة اليمنية في صنعاء على منع تداول كل الأوراق النقدية الجديدة التي طبعت دون غطاء حرصاً مسئولاً منها على الإقتصاد الوطني وحمايته من الإنهيار قدر المستطاع في وقت تسعى حكومة ما يسمى بـ الشرعية المدعومة من الرياض إلى اغراق الأسواق اليمنية بالطبعات المتتالية من العملة الجديدة بهدف التسبب بالمزيد من الهبوط المتسارع للريال اليمني أمام الدولار، وهي الورقة الأخيرة التي تعوّل عليها الرياض في انهاك اليمنيين وصرفهم عن مواصلة الصمود والثبات بعد أن فشلت في جميع أوراقها السابقة التي كان آخرها إشعال فتنة الصف الداخلي في ديسمبر نهاية العام الماضي، ناهيك عن المحاولات المستمرة للنيل من اللحمة الداخلية، وتفريخ المكونات السياسية، وتمزيق النسيج الإجتماعي، وتكليب الرأي العام على سلطات الداخل؛ لكن وعي اليمنيين وايمانهم بقضيتهم وقف سداً منيعاً أمام تلك المحاولات المكشوفة، وزاد من حماسهم وتفاعلهم في رفد الجبهات بالمال والرجال، وترسخت قناعتهم بأهداف العدوان الحقيقية وما وراءها من مخططات أمريكية وصهيونية تسعى للنيل من الشعب اليمني واحتلال جزره وموانئه، ونهب خيراته ومقدراته، وتدمير بنيته التحتية وقتل أبنائه ونسائه وأطفاله بمجازر وحشية لا تخطر على بال الشياطين.