الخبر وما وراء الخبر

العار والشنار لقتلة أطفال اليمن وفلسطين

50

بقلم / جعفر المهاجر

في جريمةِ حرب مرعبةٍ أُخْـرَى تضاف إلى عشرات جرائم الحرب في اليمن، قصفت طائراتُ حكام آل سعود حافلة 51 شهيداً و79 جريحاً.

ورأى العالَــمُ كيف تفحمت جثث أولئك الأطفال الأبرياء، وتناثرت قرطاسيتُهم وأقلامُهم. واختلطت بدمائهم وأشلائهم المبعثرة على حين غِرَّة. وهذه الجرائم لا تختلف أبداً عن وأد الأطفال في الجاهلية إنْ لم تكن أبشعَ وأشد هولا منها، حيثُ تقف النفس الإنْسَانية مذهولة أمام وحشيتها وبشاعتها ودمويتها. فأي حقد يحمله هؤلاء السفاحون الأوغاد في صدورهم العفنة، وأية وحشية تأصلت في دمائهم الفاسدة بعد أن تحدوا كُـلّ خلق ديني، وعرف أخلاقي.

وكأن لسان حالهم يقول وهم يمزقون لحوم هؤلاء الأطفال بطائراتهم:

شربتُ الإثمَ حتى مات قلبي

وجسمي قد تشبع بالخطايا.

وإيغالاً في الوحشية والإجرام، أعلن المتحدث العسكري باسم التحالف العربي، تركي بن صالح المالكي: إنَّ الحافلةَ التي تحمل الأطفال هي (هدف شرعي لأن صاروخاً انطلق منها نحو القُـوَّات السعودية في جيزان). ولكن حين اتسعت دائرة الاستنكارات من العالم الغربي وليس العربي، وطالب الأمين العام للأُمَـم المتحدة بتأليف لجنة تحقيق محايدة لمعرفة الحقيقة كاملة فغيّر آل سلول كلامهم وأسرعوا إلى تغطية جريمتهم بتعيين (لجنة تحقيقية سعودية) لتكون بديلاً عن لجنة الأمين العام للأُمَـم المتحدة. وهي لعبة مكشوفة يلجأ إليها النظام السعودي بعد كُـلّ مجزرة يرتكبها بحق المدنيين طوال الأعوام الأربعة التي مضت تكاد تمضي على الحرب الجاهلية. فالنظام السعودي نصب من نفسه خصما وحكما في آن واحد معتقدا إن هذا الأسلوب الديماغوئي سيخفف من وطأة الجريمة واستهجان منظّـمات حقوق الإنْسَان لها..

وإيغالاً في التعتيم على الجريمة، أعلن المتحدث العسكري باسم قُـوَّات التحالف المدعو (تركي بن صالح المالكي) لقناة العربية الناطقة باسم آل سعود قائلاً:

(إن خادم الحرمين الشريفين يوصي بمعاملة الأطفال الذين يزجهم الحوثيون في الحرب معاملة إنْسَانية خَاصَّة بتوفير كُـلّ مستلزمات الحياة لهم، وبذل المحاولات المستمرة لتسليمهم إلى ذويهم رأفة بهم.!!!)، وهي مجرد أكاذيب إعلامية رخيصة لا تمُتُّ إلى الواقع المرير بصلة. ولم تشهد أية منظّـمة إنْسَانية رصينة على هذه الأقوال الجوفاء.

ومن مفارقات القدر أن يعلن المبعوث الأُمَـمي لليمن أن اليمن على حافة الانهيار وأن 15 مليون يمني مهددون بشبح المجاعة، وأن آلاف الأطفال قتلوا في هذه الحرب. وبعد التصريح يتصل ما يسمى بالسكرتير الصحفي للرئيس عَبدربه منصور هادي القابع في الرياض بمحطة البي بي سي ليقول لمذيعها: إن 85% من مناطق اليمن تنعم بالأمن والأمان تحت رعاية (التحالف العربي) وإن هذا التحالف حريص على كُـلّ قطرة دم في اليمن.!!! فأية عمالة يمثلها هؤلاء؟!، وأي سقوط أخلاقي وصلوا إليه بعد أن فقدوا كُـلّ حس إنْسَاني، وهم يتصورون أن أكاذيبهم هذه ستجد من يصدقها فبئس العمالة والعملاء.

لقد هزَّت الجريمةُ الجديدةُ في ضحيان ضمائرَ الشرفاء في العالم بعد أن عرفوا بالدليل القاطع إن مصداقية النظام السعودي هي دون الصفر.

وتزامنت هذه المجزرة المروعة مع جريمة أُخْـرَى لا تقل عنها وحشية وحقداً ارتكبها الكيان الصهيوني في غزة مضافة إلى سجله الإجرامي الطويل في ارتكاب مئات المجازر في فلسطين المغتصبة، حيثُ قتل الصهاينة بغارة جوية عائلة مكونة من سيدة حامل مع طفلتها البالغة من العمر.

وقد التقت جرائم آل سعود في اليمن مع جرائم الصهاينة في فلسطين وأثبت الطرفان أنهما من طينة إجرامية واحدة فاقت كُـلّ التصورات. بعد أن نال حقدهم الأجنة وهم في بطون أمهاتهم. ولو كانت تلك المرأة صهيونية لانعقد مجلس الأمن فوراً، وأسرع ثور البيت الأبيض ترامب إلى تويتر ليسجل إدانته واستنكاره لجرائم (الإرهابيين).

ولا أبالغُ في القول: إن مأساة الشعب اليمني ومظلوميته صارت شبيهة بمأساة الشعب الفلسطيني ومظلوميته وربما أشد منها هولا وفظاعة. ونظرا لتشابه جرائم الطرفين بحق الشعب الفلسطيني واليمني فقد استعان المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي (أفيخاي أدرعي) بآراء وعاظ آل سعود التي تحرم الخروج على الحاكم. ونشر هذا الصهيوني العنصري فتوى ما يسمى عضو هيئة كبار العلماء في السعودية (صالح بن فوزان الفوزان) تقول:

(إن المظاهرات والاعتصامات ليست من عمل المسلمين ولم يعرفها التأريخ الإسْلَامي، كما أنها من أمور الكفار ولا يرضى بها الإسْلَام. وإن مظاهرات غزة مشمولة بهذه الفتوى.!!!) وليس لي غير القول إن غربان الشر على أشكالها تقع.

وكعادة الحكام العرب والمسلمين ووعاظهم فقد ظلوا صامتين كصمت أبي الهول وكأن على رؤوسهم الطير إزاء هذه الجرائم الوحشية. ولم يسمحوا لشعوبهم الخروج إلى الشوارع واستنكار عمليات الإبادة بحق الشعب اليمني تطبيقا لفتوى الفوزان مع العلم إن دولا كالسويد وهولندا وفرنسا وألمانيا طالبت بعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن على أثر جريمة الحرب البربرية هذه.

ورحم الله المتنبي الذي قال:

مَنْ يَهُنْ يَسْهُلِ الهَوَانُ عَلَيهِ

ما لجُرْحٍ بمَيّتٍ إيلامُ..

وكمواطن مسلمٍ أسأل هؤلاء الحكام أليس الدين الإسْلَامي هو أول الأديان الذي يرفُضُ العدوان ويعتبر حرمة دم المسلم أقدس من كُـلّ المقدسات؟ ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله:

(من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإنْ لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)؟.

فماذا ستقولون لأنفسكم أيها الرؤساء والملوك العرب ورئيس جامعتهم حين ترون هؤلاء الأطفال الأبرياء مضرجين بدمائهم ولحومهم تتناثر حول الحافلة المحترقة؟ هل هو عمل بطولي قامت به طائرات صهاينة آل سعود ضد هؤلاء الأطفال الأبرياء؟ أم هو عمل يمثل أدنى درجات الخسة والانحطاط البشري؟ وماذا قلت لنفسك يا رئيس ما يسمى بـ (المؤتمر الإسْلَامي) حين رأيت تلك الجثث المحترقة والدماء تتناثر منها؟ وكيف تخلد إلى النوم وأنت ترى هذه الجرائم الكبرى يرتكبها أعراب قساة جفاة في بلاد الإسْلَام؟ أليس هؤلاء الأطفال هم عرب ومسلمون قُتلوا ظلماً، وصعدت أرواحهم البريئة إلى السماء تشكو مظلوميتها للواحد الأحد قاصم ظهور الطغاة عبر التأريخ؟ ألم يقل الله في محكم كتابه العزيز (وقفوهم إنهم مسؤولون)، فأي عار ركب رؤوسكم نتيجة صمتكم وجبنكم وتخاذلكم.؟

ألا تبا لكم ولعناوينكم التي اشتراها صهاينة آل سعود بالريال والدولار.

وأين أنتم يا علماء الأمة ويا خطباء الجمعة في بلاد الإسْلَام؟ ألم تخجلوا من أنفسكم حين تطلب دولا أوروبية التحقيق في هذه الجريمة، وتعبر المتحدثة الإعلامية باسم منظّـمة اليونسيف (ميريتشل ريلانو) التي تعتبرونها (كافرة) عن حزنها على صفحتها في تويتر لتدون:

(أشهد برعب الصور ومقاطع الفيديو القادمة من صعدة، عاجزة عن التعبير. كيف كان هذا هدفاً عسكرياً؟ لماذا قتل الأطفال؟ هل هناك آذان صاغية بعد أن وصل اليمن إلى أسفل الهاويه؟).

ألم يخجلكم موقف هذه المرأة. وعليكم أن تدسوا رؤوسكم في التراب لو كنتم تملكون أدنى قدر من تأنيب الضمير؟

كيف تبقون ساكتين وأنتم تتحدثون لساعات طوال عن قيم الإسْلَام، وأخلاق المسلم في فضائيات الدجل الرخيص؟ هل أصيبت ألسنتكم بالفالج؟ وإلى أي حضيض سيوصلكم نفاقكم وحقارة شأنكم؟

إن الشرعية التي تتبجحون بها تحولت إلى وصمة عار كبرى على رؤوسكم ورؤوس ولاة أموركم وأسيادهم الذين يدعمونهم بالسلاح الفتاك لممارسة عملية القتل بأبشع صورها دون هوادة وهم يتفرجون عليها.

لكن منطق الحق يقول كلما تمادى المعتدون في العدوان، وتفاقمت الكارثة الإنْسَانية، فلن يستطيعوا استئصال الشعب اليمني الضاربة جذوره في أرض اليمن التي تحولت إلى مقبرة للغزاة عبر التأريخ، ولا يمكن لهذا الشعب المكافح أن يرضخ لإرَادَة عملاء الأمريكان والصهاينة مهما اشتدت جرائمهم.

واذا انطلقت اليوم أصوات منظّـمات حقوق الإنْسَان لكي تضعَ العالم أمام مسؤولياته الأخلاقية، فإنها لَا بـُـدَّ أن تمثل الخطوة الأولى نحو جلب هؤلاء المجرمين لمحكمة دولية وإن طال الزمن. وستلاحق دماء الأبرياء وخَاصَّة الأطفال الذين هم أحباب الله صهاينة آل سعود في كُـلّ مكان يقبعون فيه. وستتحول قصورهم الفخمة إلى كوابيس تقض مضاجعهم حتى في غرف نومهم. وسيأتي هذا اليوم بإذن الله تعالى ليكون طغاة آل سلول عبرة لكل طغاة العالم.

* كاتب عراقي