الإمام علي يصدر توجيهات عسكرية للجيش اليمني واللجان الشعبية
حمود الأهنومي
هذه توجيهاتٌ وجّهَ بها الإمامُ علي جيشَه في صفين، وهو مع كونه إماماً كان قائداً عسكرياً محنّكاً، وفي هذه التوجيهات ما يبين احترافَه العسكري المهني، وما أجدر أن يستمعَ إليها الجيش اليمني واللجان الشعبية اليوم باعتبارهم مخاطَبين بها اليوم مخاطَبة أولية، مع الاعتبار بأخذ الفارق في التسليح.
سأضَعُ التوجيهات بين قوسين، مع شرح بسيط، وتنزيل واقعي لها للاستفادة منها.
يقول عليه السلام:
(معاشر المسلمين).
(استشعروا الخشية): اجعلوا الخوف من اللّه شعارا لكم؛ لأن هذا الخوف أساس الاتقان والاخلاص في العمل، والدليل على ذلك انك لو أسندت عملاً خاصاً لمن لا يخاف اللّه، ثم أسندت هذا العمل بالذات لمن يخاف منه تعالى لوجدت الفرق بينهما كبيرا وبعيدا.
إذا خفتم الله أيها المجاهدون أمّنكم من كل ما سواه.
(وَتجلببوا السكينة): تحلّوا بالوقار، وهدوء الأعصاب، ولا تهتمّوا بالقيل والقال والدعايات الكاذبة، ولا تغرنّكم أكاذيب قنوات التضليل، ولا أراجيف أهل النفاق.
(وَعضّوا على النواجذ فإنه أنبى للسيوف عن الهام)، إذا عض الانسان على أضراسه تصلبت أعصابه وصارت أشد وأقوى على تحمّل الطعن والضرب. وهو أيضاً تعبير عن التجلد، والتجلد اليوم يكون بالثبات والهجوم وبالروحية المعنوية العالية التي يتمتع بها مقاتلونا الأشاوس.
(وَأكملوا اللامة) أي الدرع وآلات الحرب. وهو يبين لكم أهمية الإعداد والتجهيز المسبق، ففي حالة الدفاع يتم تجهيز آلات الدفاع من الصواريخ والقنابل ومضادات الدروع والطيران، وعند الهجوم كذلك يجب إعداد السلاح المناسب له.
(وَقلقلوا السيوف في أغمادها) حرّكوها (قبل سلها) كيلا تستعصي عن الخروج. وهذا أيضاً في تعبير اليوم يعود للتجهيز المسبق لأدوات الحرب وآلاتها بحيث تكون جاهزة للاستخدام في أية لحظة قادمة، يجب أن نعد العدة لكل معركة نتوقعها أو نريدها.
(وَالحظوا الخزر): الخزر: هو النظر بمؤخر العين ازدراءً للعدو واستصغاراً لحاله. وهو بتعبير اليوم اتخاذ الإجراءات والمظاهر التي تبين حالة الازدراء للعدو، وانعدام التهيب له، والاحتقار لما عنده مع التجهز الكامل.
(و اطعنوا الشزر) أي نوّعوا الضربات، اضربوا من شمال ويمين وخلف وقدام. وبتعبير اليوم استخدموا عدة آلات وعدة أسلحة في المعركة الواحدة، بحيث تضربون العدو بعدد متنوع من الأسلحة، بالصواريخ والمدفعية والدبابات والصواريخ وبما استطعتم فكلما أضفتم نوعا جديدا من السلاح كلما كان أكثر إيلاما للعدو.
(و نافحوا بالظبا) اضربوا أعداءكم بالسيوف. وكان السيف فيما مضى هو الحاسم للمعركة، واليوم أصبحت البندقية وسلاح المشاة هي الحاسم للمعركة، وأنعم وأكرم بالمجاهدين في هذا المضمار.
(و صِلوا السيوف بالخُطا) اذا قصرت السيوف عن الوصول الى الأعداء فصلوها بخطاكم أي تقدموا نحوهم ولا تهابوهم. واليوم إذا بعد عليكم العدو، فقربوه بالتوتشكا والإسكود. فكروا كيف تصلون لعدوكم وكيف تؤلمونه بأي طريقة وبأي وسيلة.
وكثير من هذه التنبيهات كانت مناسبة لعصرها أما اليوم فهناك ما يناسب عصرنا ولا يخفى علينا، وقد مر التنبيه على بعضه.
(واعلموا انكم بعين اللّه): أي بحفظ من الله تعالى وكلايته ورعايته. حين يتحرك المجاهد وهو يعتقد أن الله معه، فإن تحركه سيكون فاعلا وقويا. وهؤلاء المرتزقة اليوم يتحركون وهم يعون أن التحالف السعودي الأمريكي معهم، والمنتصر بدون شك هو من كان الله معه.
(وَمع ابن عم رسول اللّه (ص)): لأنكم مع القيادة الحقة فأنتم على حق في هذه الحرب تماما كما لو كنتم مع رسول اللّه (ص) واللّه سبحانه يشملكم بعونه وعنايته إذا أخلصتم التوكل عليه. وهذا يشير إلى أهمية القيادة وكونها على الصلاح والاستقامة. وما يطمئن اليوم أننا في معركتنا ضد العدوان ننحاز إلى شعبنا وتحت راية أبي جبريل الموفّق المسدد بإذن الله.
(وعاودوا الكر): أي كرروا هجماتكم على العدو، فتكرار الهجمات والإصرار عليها يصيب العدو بالفشل. وهذا واضح للمجاهدين ومجرّب عندهم. وليس هناك أكثر إصرارا من المجاهدين الأبطال في اليمن على الكر المستمر مهما قدموا من تضحيات.
(وَاستحيوا من الفر): لأن الشجاع لا ينهزم ولا يستسلم، ويصبر على الشدائد.
(فإنه عار في الأعقاب): أي أن الناس يعيّرون الأبناء بفرار الآباء، وهو نوعٌ من التحريض الذي كان فاعلاً ومؤثراً.
(وَنارٌ يوم الحساب) بالإضافة الى عذاب الحريق بعد الموت، وقد توعد الله من يولي الكفار دبره يوم الزحف، وجعله العلماء من الكبائر. ومن حسن الحظ أن مجاهدينا الأبطال لا يعرف الفرار إلى سلوكهم الحربي طريقا أبدا.
(وَطيبوا عن أنفسكم نفسا): ابذلوا أنفسكم في سبيل اللّه عن طيب نفس. وهو ما نشاهده ونراه بأم أعيننا في مجاهدينا الذين يسخون ويجودون بأغلى ما لديهم بكل شوق وتلهف. إنها نيل المعالي عند الله من خلال الشهادة التي هي الفوز الأكبر.
(وَامشوا الى الموت مشيا سُجُحا) أي سهلا، والمعنى أقبلوا على الموت راغبين لا كارهين.
(وَعليكم بهذا السواد الأعظم). وهو عسكر معاوية قائد أعداء الإمام في ذلك الوقت. (وَالرواق المطنّب) أي خيمة القيادة التي شدت بالأطناب (فاضربوا ثبجه) أي وسطه (فإن الشيطان) وهو معاوية (كامن في كسره) أي في جانبه.
وهذا يشير إلى أهمية ضرب مراكز التحكم والسيطرة عند العدو، المتمثلة في غرف العمليات المركزية والميدانية، إن القضاء على رؤوس الأعداء هو الكفيل بما يقضي على الشياطين التي تعتمل في رؤوسهم.
(وَقد قدم للوثبة يدا، وأخّر للنكوص رجلا) أي أن معاوية أن رأى في جيش الإمام ضعفا وجبنا وثب وأقدم، وان رأى فيه شجاعة وجلدا نكص وانهزم. وهو ما نراه اليوم في هذه القطعان من مرتزقة العدوان إذا رأوا الجد والثبات رغم الغطاء الجوي فإنهم سرعان ما يفرون لا يلوون على شيء.
(فصمداً صمدا) اثبتوا واصبروا. الثباتُ ذخيرة تضعُها في ذهنية العدو وبه يعرف من أنت أيها المجاهد الكريم.
(حتى ينجليَ لكم عمود الحق) أي أنتم تحاربون من أجل فكرة تؤمنون بها وتقدمون التضحيات من أجلها، فاصبروا. الصبر على الجهاد هو من يكشف عن هذا العمود ويجعله ظاهراً للجميع.
(وَأنتم الأعلون واللّه معكم) ان صبرتم في الجهاد، ورفضتم الاستسلام، ولم تخدعكم الحيل والأكاذيب وسلكتم أسباب النصر، ووثقتم بما عند الله فأنتم المنتصرون.
(وَلن يتركم أعمالكم) لا ينقصكم اللّه شيئاً من الجزاء والثواب، فسيضيف إلى نصركم مجازاتكم بالثواب الأخروي.
** تم استفادة الشرح من كتاب الديباج الوضي للإمام يحيى بن حمزة، ومن ظلال نهج البلاغة للعلامة محمد جواد مغنية.