الأدمغة اليمنية تتغلب في معركتها مع المستحيل
أحمد يحيى عبدالله الديلمي
“قادمون في العام الرابع، بمنظوماتنا الصاروخية المتطورة والمتنوعة التي تخترق كل وسائل الحماية الأمريكية وغير الأمريكية”
“قادمون في العام الرابع بطائراتنا المسيرة التي هي على مدى بعيد”.
بهذه العبارات الموجزة والمركزة، ختم قائد الثورة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي خطابه الذي القاه بمرور العام الثالث من العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، ليدشن العام الرابع من الصمود والتحدي والعنفوان، والذي أطلق عليه الشهيد الرئيس صالح الصماد بأنه سيكون عاماً باليستياً بامتياز.
تلك العبارات التي امتزجت بابتسامة السيد القائد تدل بوضوح على الثقة والاطمئنان والعنفوان، فلم تكن تلك العبارات سطحية في مغازيها، بل تحمل في طياتها الكثير من المفاجئات التي سترعب قوى العدوان في البر والجو والبحر.
ولم تكن تلك العبارات عشوائية، وتنحصر في الاستهلاك الاعلامي، بل أنها تأتي ترجمة حقيقة للخيارات الاستراتيجية التي سبق وإن أعلن عنها السيد القائد في إطار مواجهة العدوان وردعة.
ولم تكن تلك العبارات تُشير الى الاعتماد على الغير لمواجهة قوى تحالف العدوان، بل تعكس انجازات الأدمغة اليمنية التي استطاعت بفضل الله وتأييده تحويل التحديات الى فرص، وإرساء مداميك الاعتماد على النفس لمواجهة العدوان، وفرض معادلة توازن رعب حقيقة مع ذلك العدو المتغطرس الذي أمعن في إجرامه.
والكل يعلم أن العدوان على اليمن جاء بشماعة وذريعة اعادة الشرعية المزعومة التي أصبحت لاشرعية طالما وأنها عملت على تدمير البنية العسكرية لليمن، وذلك بإيعاز من قوى تحالف العدوان، حيث قامت بتدمير منظومة الدفاع الجوي سام ، وتعطيل الصواريخ الباليستية “اسكود”، ناهيك عن التدمير الممنهج للقوة الجوية واغتيال الطيارين من جهة، وعمليات الاغتيالات المنظمة للقيادات العسكرية والتفجيرات الانتحارية، بالإضافة الى مؤامرة هيكلة الجيش من جهة أخرى.
وفي ضوء ذلك، تم تدشين العدوان على اليمن بقرار أمريكي صهيوني من البيت الأبيض، وبأدوات خليجية وعربية على أمل انجاز المهمة في غضون أسابيع، أو أشهر على أكثر تقدير، ووفق ما كان مخطط لها، وستتحقق أهدافها بأسرع وقت، وذلك بمجرد قصف المطارات والقواعد الجوية والمعسكرات ومخازن الأسلحة ومنصات الصواريخ، بالتزامن مع دخول قواتها الغازية ومرتزقتها إلى الأراضي اليمنية، ولكن سرعان ما تلاشت تلك الاوهام وتبدّدت أمام شعب عظيم يأبى الضيم، يرفض الظلم، يصرخ في وجه الطغيان والاستكبار، ويعشق الحرية والكرامة، شعباً مؤمناً بربة، وملتزماً بقيادته الحكيمة.
وعندما قرعت طبول الحرب من واشنطن وبدأ العدوان على اليمن، تساقط الشهداء بالآلاف، حيث قامت طائرات العدوان بنشر الموت في كل مكان ولم تستثني أي شيء، وما يزال العدو المتغطرس يمُعن في مجازره الوحشية بحق المدنيين، إلا أنه في المقابل تلك الجرائم، تجد جهود جبارة للأدمغة اليمنية التي تفاجئ العدو بمفاجئات مرعبة تأتي وفق خطط مدروسة بعناية، وظهرت المفاجئات تلو المفاجئات لهذا الشعب المظلوم في القدرات العسكرية والتصنيعية، لاسيّما وأن المساعي تجري على قدم وساق لامتلاك قوة دفاعية وهجومية رادعة لا تقف عند سقف معين.
وعندما كانت قوى العدوان تتوهم بأنها قضت على القوة الصاروخية، وهو ما جاء في تصريحات الناطق باسم تحالف العدوان آنذاك عسيري، أنه تم تدمير 90% من الصواريخ الباليستية، مرت الايام، وتمكنت الجهود المثمرة الأدمغة اليمنية في مركز الدراسات والبحوث التابعة للقوة الصاروخية، من تصنيع صواريخ محلية الصنع من جهة، فاستهلت مفاجئتاها بمنظومة صواريخ “الصرخة”، وصولاً إلى تدشين الجيل الأول من منظومة “بدر”1 الباليستية محلية الصنع، والتي تعمل بالوقود الصلب، وتنطلق إلى مضمار المواجهة من منصات تحت أرضية بسرعة (4.5 ماخ) وبدقة عالية، ومن جهة أخرى، تم بعون من الله عز وجل تطوير صواريخ باليستية لتصل الى مدّيات أطول لعل أبرزها (بركان تو اتش)، لتكون الرياض وما بعد الرياض، وما بعد بعد الرياض في مرمى تلك الصواريخ.
وأصبح وصول الصواريخ الباليستية الى الرياض وتحقيق أهدافها امراً اعتيادياً لم يعد العدو السعودي قادراً على إنكاره والتكتم عليه تارة، وزعم اعتراض تلك الصواريخ تارة أخرى، لينحصر فشلة في جمع حطام تلك الصواريخ وارسالها لأسيادهم الأمريكان، لعّلهم يستطيعون فك بعض شفراتها، لتعد هذه المنظومات من أبرز الإنجازات التي استطاعت الأدمغة اليمنية صناعتها، والتي تمتاز بدقتها العالية في إصابة الهدف، ومزودة بتقنية لن تستطيع بطاريات الباتريوت وأجهزة التجسس من فك شفراتها، حيث تمثل قوة رادعة ستغير موازين المواجهة، وترسي لنقلة نوعية في معادلة توازن الرعب مع العدو، لتصبح صنعاء في معادلة توازن الرعب ليست أقل حرمة من الرياض، فالسن بالسن، والقصر بالقصر، والمطار بالمطار، والبادئ أظلم، والقادم أشد وأعظم.
وعندما عملت قوى العدوان على تدمير القوة الجوية، وبعد إن أمعنت قوى العدوان بطائراتها الحربية من ارتكاب أبشع الجرائم والمجازر الوحشية بحق المدنيين، مرت الايام واصحبت الطائرات المسيّرة (قاصف وصماد 1 و2و3) التي تمكنت الأدمغة اليمنية من صناعتها قادرة على الوصول إلى عقر دار النظام السعودي الرياض، وتقصف اهداف استراتيجية فيها، وتنهمر عليهم كالأبابيل ترميهم بقذائف من سجيل، وهذا يُعد انتصاراً هاماً ونقلة نوعية لسلاح الجو المسير، لاسيما وأن أراضي المملكة تعج بأجهزة الرصد والتعقب الاستطلاعية والاقمار الصناعية وبطاريات الباتريوت وغيرها، هذا بالإضافة الى عمليات الطائرات المستمرة التي ضربت أماكن تجمعات المرتزقة في الساحل الغربي وعدن والجوف ومارب، ناهيك عن عمليات اسقاط الطائرات الحربية المختلفة اف 15 و16،و”تورنيدو”، و”تايفون” و”بلاك هوك”، وطائرات الاباتشي، وكذا طائرات الاستطلاع إم كيو 9 الأمريكية ذات التكنولوجيا الحديثة جداً.
وعندما توهمت قوى العدوان أنها اصبحت في مأمن بعد السيطرة على معظم مواني اليمن في عدن والخوخة وشبوة المكلا وكذا معظم الجزر البحرية، ومرت الايام وتمكنت الادمغة اليمنية من تطوير الأسلحة البحرية المناسبة والخطط التكتيكية التي جعلت الجيش واللجان الشعبية يستطيعون القيام بعمليات هجومية ونوعية في البحر نكلت بالعدو والحقت به خسائر في الارواح والعتاد، هذا بالإضافة الى عمليات استهداف البوارج الحربية ومنعها من الاقتراب من السواحل اليمنية، لعل كان اخرها البارحة الحربية “الدمام”، ناهيك عن العملية النوعية للقوات البحرية ضد الغزاة في ميناء المخاء، حيث دمرت كل الأهداف المطلوبة، ليلخص تلك الإنجازات ذلك الزامل للشاعر المتميز، حين يقول
يا موج هايج ويا بحر زخار قل للعدو جاتك رجال البحرية
عمر العرب ياخاين الدم والجاه ما باتموت الا وهي متوافية
وعندما توهمت قوى العدوان بأنها قادرة على غزو أرض اليمن بالياتها ومعداتها العسكرية المُدرعة والحديثة والمزودة بأحدث التكنولوجيا القتالية، مرت الأيام واستطاعت الادمغة اليمنية من صناعة وتطوير الأسلحة المناسبة التي جعلت الجيش واللجان ينكلون بتلك المدرعات لتصبح في “خبر كان”، بل تجاوز ذلك لتصبح “لا محل لها من الاعراب” في قاموس اسطورة الأسلحة الأمريكية الوهمي، وكل هذا بفعل “الولاعة” التي كانت كفيلة بإهانة تلك الأسطورة، كما استطاعت القناصات التي صنعتها وطورتها الأدمغة اليمنية من حصد أرواح المئات من المنافقين والغزاة في كل شهر يمّر من العدوان.
يمكن القول أن السر في ذلك، يكمن في القيادة والمشروع، ففي اليمن ثمة يوجد قيادة حكيمة تبذل كل جهودها في سبيل الله ومن اجل الدفاع عن الارض والعرض من الغزاة، التي استطاعت بفضل الله، وبجهود الشعب وتضحياته من تحقيق ثورة شعبية حققت جميع أهدافها، وكانت كفيلة بأن تنقل اليمن من مربع الوصاية والهيمنة علية الى مربع الحرية والاستقلال الوطني وعدم التبعية لأحد.
وبموازاة ذلك، يوجد مشروع قرآني تحرري لهذه الأمة جمعاء قادرًا على تقديم الروي والخطط الناجعة لمواجهة أعداء الأمة مهما كانت قوتهم، وكفيل أيضاً ببناء هذه الأمة والارتقاء بها الى دوحة العلياء، ذلك المشروع الذي يجسد القران الكريم ككتاب هداية للأمة في جميع مجالات الحياة، وليس كتاب محصور فقط في التشريع العقائدي، بل دستور إلهي للحياة يرتقي بمن يتمسكون بهدية الى أن يكونوا قادرين على مواجهة اعدائهم، وكذلك القدرة على الاختراع والابتكار والبناء والتطور في مختلف المجالات
وبالتالي لم يُعّد للمستحيل من مكان في قاموس اولئك الفتية الذين أمنوا بربهم، والتزموا بهدى كتابة المبين، وساروا وراء أعلام الهدى، مصابيح الدجى في ذلك الليل الحالك، وسيدرك الجميع أن الله غالب على أمره وما الانتصارات الموجعة للعدو إلا شواهد تؤكد صدق الوعود الالهية للذين ظلموا بأنه على نصرهم لقدير.
وفي الختام، فإن الحرب اليوم هي حرب الأدمغة التي لا تعتمد على كثرة والعدة والعتاد، وحتى إن نجحت قوى تحالف العدوان في تشديد الخناق وفرض الحصار على الشعب اليمني، فانه لن يكون بمقدورهم فرض الحصار على الإرادة الصلبة والعيش بكرامة لشعب بأكمله، ولم ولن يستطيعوا فرض حصار على تلك الادمغة اليمنية التي لا تعرف المستحيل، فلا يعني نقص العدة والعتاد شيئا مادامت العقول تبدع في تحويل اللا شيء الى شيء مؤثر قادر على الردع والمواجهة. لاسيّما وأن هناك شبعاً هم شعب الايمان والحكمة، لا يعرفون المستحيل، وفيه أدمغة لا تعرف الانكسار، ولا الاستسلام، بل تضاهي عنان السماء، وسوف ينتهي العدوان وتضع الحرب أوزارها غدا أو بعد غد، وسوف يكون النصر المؤزر لذلك الشعب العظيم شاء المستحيل أم أبى.