الخبر وما وراء الخبر

معركة الحديدة والساحل وصفقة القرن

41

بقلم / محمد المنصور

العملية البحرية النوعية الكبيرة التي نفذها أبطال القوة البحرية على ميناء المخاء المحتل أمس الأول ستكون لها نتائجها المباشرة في قادم الأيام، نظرا لظروف الحرب والعدوان والحصار على اليمن وتدمير منشآتها ومواردها وعدم القدرة على استيراد أية نوعية من الأسلحة فإن عملية المخاء عملية استراتيجية في نوعيتها وتوقيتها ومكانها سيكون لها تأثيرها المباشر في انحسار خيارات العدوان الأمريكي البريطاني الصهيوني الذي كانوا يعولون عليه في احتلال الحديدة ومنطقة الساحل الغربي اليمني، واستكمال السيطرة على مضيق باب المندب وكل الساحل اليمني وجزره وموانئه ، وبما يضمن لتلك القوى الاستعمارية الأمريكية الصهيونية ووكيلها الإماراتي الإقليمي المضي قدما فيما سمي صفقة القرن .

كان الجزء الأول من صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية قد بدأ بزيارة ترامب للسعودية وحصوله على مئات المليارات وموافقة سعودية بمضامين الصفقة التي تعني تصفية القضية الفلسطينية واعتبار القدس عاصمة الكيان الصهيوني، كما تعني الصفقة تصعيد العداء لإيران وسورية وحزب الله وأنصار الله والحشد الشعبي في العراق وهي القوى التي تتصدى للمشروع الصهيو أمريكي التكفيري في المنطقة .

نجح ترامب في تمرير قراره الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني ونقل سفارته إليها دون أدنى معارضة من السعودية ومعظم الدول العربية والإسلامية التي كانت قد باركت الخطوة فيما سمي القمة الأمريكية الإسلامية في الرياض برئاسة ترامب .

ولتنفيذ بقية جوانب ما سمي صفقة القرن يأتي الضغط السعودي الأمريكي المصري السياسي والاقتصادي على السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، والقوى والفصائل الفلسطينية في غزة للقبول بالصفقة المشبوهة بالقوة والترغيب .

يمارس نتنياهو العدوان العسكري المستمر على غزة لإجبار حركة حماس وبقية القوى والفصائل على القبول بالصفقة مقابل مزايا اقتصادية مستقبلية تتمثل في خطة لإعمار قطاع غزة ومزايا اقتصادية أخرى.

أصدر الكنيست الصهيوني قانون يهودية الدولة الصهيونية الذي يعني تهديدا مباشرا لكل أشكال الوجود العربي الإسلامي المسيحي في فلسطين .

يأتي الإعلان عن مشروع نيوم السعودي الاستثماري الاقتصادي الترفيهي الذي سيقام على أراض سعودية مصرية أردنية برأسمال قدر بـ500مليار دولار لكي يحقق خطة شيمون بيريز المعلنة في 1996م ، والتي تهدف إلى التطبيع الصهيوني مع البلدان العربية ، كما تسعى خطة نيوم السعودية إلى أن تحقق اندماجا صهيونيا في المحيط العربي الإسلامي اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا بين شعوب ودول المنطقة، وذلك ما تطلب اتخاذ عدد من الخطوات التمهيدية منها :

– تحويل الخطاب السياسي والإعلامي والديني المعادي للكيان الصهيوني إلى خطاب معادي لإيران وحركات المقاومة، وخطاب مبرر للتقارب والتطبيع مع الكيان الصهيوني والتبرير لجرائمه بحق الشعب الفلسطيني.

– التجاهل التام للقضية الفلسطينية والحقوق المقدسة للعرب والمسلمين في فلسطين والقدس الخ.

– القيام بزيارات أمنية وإعلامية سعودية إماراتية بحرينية للكيان الصهيوني، وإفساح المجال الإعلامي لقادة صهاينة عسكريين وسياسيين للحديث إلى الجمهور العربي والإسلامي .

– استصدار الفتاوى الدينية التي تبرر التطبيع مع الكيان الصهيوني.

– استقبال وفود صهيونية ثقافية وإعلامية في السعودية والبحرين والإمارات الخ .

– المشاركة في فعاليات رياضية صهيونية والعكس .

– التنسيق الأمني والعسكري السعودي الصهيوني الإماراتي في العدوان على اليمن وسورية والعراق الخ .

– مشاركة الإمارات في مناورات عسكرية عديدة يشارك فيها جيش الكيان الصهيوني .

– القيام بخطوات تقارب وتطبيع سياسي وعسكري وأمني واقتصادي وإعلامي مع الكيان الصهيوني وباعترافات نتنياهو وقادة صهاينة آخرين بأن علاقة الكيان الصهيوني ببعض البلدان العربية هي في أفضل حالاتها.

ولكي يكتمل مشروع صفقة القرن الأمريكية الصهيونية لفلسطين والمنطقة التي يتبناها ترامب ومحمد بن سلمان ومحمد بن زايد بشكل رئيسي، ويشرف عليها الصهيوني جاريد كوشنر صهر الرئيس الأمريكي فإنه كان لا بد من اتخاذ خطوات تمهيدية ذات أبعاد استراتيجية كبرى منها :

– تنازل مصر عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية التي أصبحت وفقا لذلك طرفا في اتفاقية كامب ديفيد والتطبيع مع الكيان الصهيوني.

– قيام السودان بتأجير جزيرة سواكن لتركيا لضمان مشاركتها في مشروع نيوم والانخراط في صفقة القرن وعدم معارضتها .

– الضغط على الأردن للقبول بالصفقة بوضعه في ضائقة اقتصادية نجم عنها تظاهرات شعبية مطلبية انتهت إلى إلغاء قانون ضريبة المبيعات، وتدخل سعودي إماراتي كويتي لمساعدة الأردن كما قيل في مقابل ما يبدو أنه صمت أردني عن تمرير مخطط تهويد القدس وتصفية القضية الفلسطينية التي عرفت بصفقة القرن وعدم معارضتها .

إن العدوان السعودي الأمريكي التحالفي على اليمن قد جاء منذ البداية في إطار محاولة السعودية إعادة هيمنتها على اليمن بالقوة وبرضا أمريكي بريطاني فرنسي عبر عنه القرار 2216 الصادر عن مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع وبالإجماع، هذا القرار الظالم وغير المنطقي يسحب الشرعية من الشعب اليمني ليمنحها لهادي ومرتزقة السعودية المرضي عنهم أمريكيا وبريطانيا .

صمود الشعب اليمني العظيم بوجه العدوان والحصار أفشل مخططات القوى الاستعمارية وتوابعها السعودي والإماراتي، وأظهر أهدافها الحقيقية لغزو واحتلال اليمن وليست الشرعية سوى ذريعة وغطاء لتلك الأهداف التي تصب في خدمة أمريكا وبريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني من تلك الأهداف :

– قيام الإمارات وفي إطار العدوان السعودي الأمريكي التحالفي باحتلال معظم الجزر والموانئ اليمنية إضافة لمنطقة باب المندب وميناء المخاء ،

– قيام الإمارات والسعودية بإنشاء المليشيات المسلحة وتدريبها وتجهيزها على أسس مناطقية وجهوية لتكون أدوات غزو وسيطرة وإخضاع لمناطق الثروة والمناطق الحيوية، ومدعاة لتدخل أمريكي بريطاني بدعاوى مكافحة الإرهاب.

وبالنظر إلى متطلبات نجاح صفقة القرن بإبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية تأتي تطورات مراحل العدوان السعودي الأمريكي الإماراتي على اليمن من مزاعم إعادة الشرعية ومنع الخطر الإيراني إلى ما تمثله السيطرة العسكرية الإماراتية السعودية على الموانئ والجزر اليمنية التي لا تقع في مناطق الصدام العسكري مع الجيش واللجان الشعبية من أبعاد خطيرة تتضح وتتكشف تباعا .

فبهدف تحويل البحر الأحمر وبحر العرب إلى بحيرة صهيونية أمريكية خالصة جاءت تطورات العدوان السعودي الإماراتي التحالفي في احتلال الجزر والموانئ اليمنية والتي آخرها ميناء الحديدة .

كان من الملاحظ اهتمام الصحافة ووسائل الإعلام الصهيونية بمعركة الحديدة والساحل الغربي وتأكيد كتاب صهاينة على أن خسارة التحالف لمعركة الحديدة وانتصار من أسماهم الحوثيين تمثل مشكلة بالنسبة لإسرائيل، وتأكيد الصحافة الصهيونية على أهمية متابعة إسرائيل لما يجري في الساحل الغربي وباب المندب .

كل المعطيات في معركة الساحل والإصرار الإماراتي على احتلال الحديدة تشير إلى أن نجاح صفقة القرن يقتضي استكمال احتلال الساحل الغربي ومدينة الحديدة.

ذرائع الإمارات تساقطت أمام صمود الشعب اليمني العظيم في معركة الساحل الغربي الملحقية بحق، وكشف التعاطي السياسي المسؤول لقيادة ثورة الـ21من سبتمبر ، والمجلس السياسي الأعلى وحكومة الإنقاذ مع مبادرة المبعوث الأممي بشأن الحديدة عن الأهداف الحقيقية للإمارات وتحالف العدوان والمتمثل بالغزو والسيطرة على الحديدة ومينائها ، وليس إدخال المساعدات الإنسانية والرقابة على الأسلحة الإيرانية المزعومة .

بدأ عجيبا رفض الإمارات لمبادرة المبعوث الأممي خاصة بعد هزائم جيشها ومرتزقتها المنكرة في معركة الحديدة والساحل الغربي.

ولا يفهم ذلك الإصرار الإماراتي على احتلال الحديدة إلا إذا علمنا الرغبة الإماراتية في التحول إلى الحليف والوكيل الإقليمي الأول لأمريكا وبريطانيا، ونجاح أو فشل احتلال الحديدة يعني مضي أو تعثر الجوانب الاستراتيجية الجيوسياسية لصفقة القرن ومشروع نيوم الخ، كما يعني احتلال الإمارات للحديدة وأطماعها التوسعية ودورها الإقليمي الشيء الكثير.

خسارة الإمارات لمعركة الساحل وضعها أمام خيارات صعبة منها الانسحاب من اليمن والتي جاءت على لسان الدكتور عبد الخالق عبدالله مستشار محمد بن زايد وذلك هو أفضل الخيارات لكنه خيار مكلف وله انعكاساته على الدور الإماراتي في اليمن والمنطقة وعلى مستقبل صفقة القرن .

كما أن بقاء الإمارات والتحالف غارقة في مستنقع الساحل يعرضها كذلك لاستنزاف مادي وبشري كبير لا تستطيع احتماله إلى ما لانهاية .

وبما تحققه القوة الصاروخية والطيران المسير من عمليات نوعية وما يسطره أبطال الجيش واللجان الشعبية يوميا من بطولات في جبهة الساحل الغربي وغيرها من الجبهات فإن المعادلة ليست في صالح العدوان ومرتزقته بأي حال .

العملية الأهم للقوة البحرية في ميناء المخاء التي تأتي لتذكر العدو الإماراتي بفشله ومحدودية أن لم يكن انعدام خياراته، هي نجاح استراتيجي جديد وهام كذلك للقوة البحرية بعد عمليات استهداف ناجحة للبوارج الحربية البحرية والزوارق استطاعت بتوفيق الله حرمان العدو من استخدام إمكاناته البحرية الكبيرة في القيام بأية عملية إنزال بحري على طول الساحل من المخاء إلى ميدي .

نتائج هذه العملية العسكرية البحرية النوعية اليمنية المباركة تضع الإماراتي والتحالف أمام حقائق يمنية لم يراها من قبل، وهي ستصب حتما لمصلحة الصمود اليمني بوجه العدوان، وتعزز كذلك من زخم خوض معركة الساحل وتحرير المخاء وكافة منطقة الساحل الغربي بإذن الله.