الخبر وما وراء الخبر

صحيفة أمريكية: لا يمكن فهم “داعش” ما لم نفهم الوهابية بالسعودية

108

صدم الصعود الدرامي لداعش العديدين في الغرب. وقد وقع كثيرون في حيرةٍ – ورعبٍ – بسبب عنفها، وجاذبيتها الواضحة للشباب السُنّي. ولكن ما هو أكثر من ذلك، هو أنهم وجدوا التناقض السعودي في مواجهة هذه الظاهرة إشكاليًا وغير قابل للتفسير، وتساءلوا “ألا يفهم السعوديون أن داعش تمثل تهديدًا لهم، أيضًا؟”.

يبدو أن النخبة الحاكمة في السعودية – حتى في هذه اللحظة – منقسمة. فالبعض سعيدٌ بأن داعش تواجه “النيران” الشيعية الإيرانية بـ “نيران” سنية؛ وأن هناك دولةً سنية جديدة تتشكل في قلب ما يعتبرونه إرثًا سنيًّا تاريخيًا؛ كما أنهم مأخوذون بإيديولوجية داعش السلفية المتشددة.

بينما السعوديون الآخرون أكثر تخوفًا، ويسترجعون تاريخ الثورة التي قام بها الإخوان الوهابيون ضد عبدالعزيز (تنويه: لا علاقة لهؤلاء “الإخوان” بالإخوان المسلمين، ويرجى ملاحظة أن كل الإشارات اللاحقة بعد ذلك هي للإخوان الوهابيين، وليس لجماعة الإخوان المسلمين)، الأمر الذي كان سيتسبب في انهيار الوهابية وآل سعود بأواخر العشرينيات من القرن العشرين.

الازدواجية السعودية

لا يمكن فهم الخلافات والتوترات الداخلية السعودية بخصوص داعش إلا باستحضار الازدواجية الكامنة (والمستمرة) التي تقع في صميم البنية العقدية للمملكة وأصولها التاريخية.

فأحد أهم الخطوط المهيمنة في الهوية السعودية يرتبط بشكلٍ مباشرٍ بمحمد بن عبد الوهاب (مؤسس المدرسة الوهابية) واستخدام بن سعود لتزمته الفكري المتطرف والإقصائي. (وقد كان الأخير وقتها مجرد زعيم بسيط – من بين عديدين – في سياقٍ من السجال المستمر والغارات التي تشنها القبائل البدوية على مواطن الكلأ في صحراء نجد المقفرة).

ويتعلق الشق الثاني لهذه الازدواجية المربكة تحديدًا بالتحول الذي قام به الملك عبدالعزيز لاحقًا نحو تأسيس الدولة بنهاية العشرينيات من القرن الماضي: كبحه للعنف الإخواني (بغرض الحصول على مكانةٍ دبلوماسية كدولةٍ قومية بجوار بريطانيا وأمريكا، (وتأسيسه للاندفاع الوهابي الأصلي) و ما أعقب ذلك من سيطرةٍ لاحقة على صنابير البترودولار المتزايدة في سبعينيات القرن العشرين، الأمر الذي مكّنه من إبعاد التيار الإخواني المتحمس عن البلاد بتصديره للخارج.

إلا أن هذه “الثورة الثقافية” لم تأخذ منحى إصلاحيًا معتدلًا. فقد كانت ثورة قائمة على فكر محمد بن عبدالوهاب الذي يشبه فكر اليعاقبة في كراهيته لكل ما يعتبره انحطاطًا وبعدًا عن الصواب، لذلك قامت دعوته على تطهير الإسلام من كل ما ارتبط به من بدع ووثنيات.

لا يوجد ما يفصل بين الوهابية وداعش

كتب الصحفي والكاتب الأمريكي، ستيف كول، كيف احتقر محمد بن عبدالوهاب – التابع المتزمت والناقم لعالم القرن الرابع عشر ابن تيمية – “النبلاء العثمانيين والمصريين الذين يتزينون ويضربون على الدفوف ويدخنون التبغ والحشيش وهم يسافرون عبر جزيرة العرب كي يصلوا إلى مكة”.

ففي نظر عبدالوهاب، هؤلاء ليسوا بمسلمين؛ بل كانوا دجالين يتخفون في زي المسلمين. كما أنه في الحقيقة لم يجد سلوك البدو المحليين أفضل كثيرًا. فقد أثاروا عبدالوهاب بتقديسهم للأولياء وبنائهم الأضرحة وبمعتقداتهم.

وكابن تيمية من قبله، اعتقد عبدالوهاب أن فترة إقامة النبي محمد في المدينة هي النموذج المثالي للمجتمع المسلم (أفضل القرون) الذي يجب أن يسعى المسلمون لمحاكاته (هذه هي السلفية بشكلٍ أساسي).

لقد أعلن ابن تيمية حربًا على الشيعية والصوفية والفلسفة الإغريقية. وتكلّم بصراحةً أيضًا عن رفضه لزيارة قبر النبي والاحتفال بيوم مولده، مصرّحًا بأن كل هذه السلوكيات ليست إلا تقليدًا لعبادة المسيحيين للمسيح باعتباره الرب (أي سلوكيات وثنية) على حد زعمه. استوعب عبدالوهاب هذه التعاليم المبكرة، وأشار إلى أن “أي شكٍ أو تردد” من جانب المؤمن فيما يتعلق بهذا التفسير الخاص للإسلام من شأنه أن “يحرمه من الحصانة القائمة على حرمة ممتلكاته وحياته”.

وقد أصبحت إحدى المبادىء الرئيسية لمذهب عبدالوهاب العقدي المنطلق الأساسي للتكفير. ففي ظل المذهب التكفيري، استطاع عبدالوهاب وأتباعه اعتبار زملائهم المسلمين كفارًا إذا ما انخرطوا في أنشطة يمكن الزعم بأي شكلٍ أنها تتجاوز سيادة السلطة المطلقة (التي تتمثل في الملك). كذلك فقد ندد عبدالوهاب بكل المسلمين الذين يقدسون الموتى أو الأولياء أو الملائكة. واعتبر أن هذه المشاعر تنقص من الخنوع الكامل لله، لله فقط. فالإسلام الوهابي، بالتالي، يمنع الصلاة عند الأولياء والموتى المحبوبين، والحج إلى مقامات ومساجد بعينها، والاحتفالات الدينية بالأولياء، وتقديس يوم مولد النبي محمد، بل وحتى يمنع استخدام شواهد القبور عند دفن الموتى.

لقد طالب عبدالوهاب بالامتثال – الامتثال الذي كان لزامًا أن يتم التعبير عنه بطرقٍ ماديةٍ وملموسة. فقال إن جميع المسلمين يجب أن يتعهدوا بشكلٍ فرديٍ بالولاء لقائدٍ مسلمٍ واحد (الخليفة، إن وُجد). وكتب: يجب أن يُقتل أولئك الذين لا يمتثلون لهذه الرؤية، وأن تُنتهك أعراض زوجاتهم وبناتهم، وأن تُصادر ممتلكاتهم. وهكذا اشتملت قائمة المرتدين الذين يستحقون الموت على الشيعة والصوفيين والطوائف الإسلامية الأخرى التي لم يعتبرها عبدالوهاب مسلمةً على الإطلاق.

لا يوجد هنا ما يفصل بين الوهابية وداعش. إذ ينشب الخلاف بعد ذلك فقط: من التأسيس اللاحق لمذهب محمد بن عبدالوهاب العقدي القائم على “حاكم واحد، وسلطة واحدة، ومسجد واحد” – فهذه الركائز الثلاث تشير بنفس الترتيب إلى الملك السعودي، السلطة المطلقة للوهابية الرسمية، وسيطرتها على “الكلمة” أو (المسجد).

هذا الخلاف – رفض داعش لهذه الركائز الثلاث التي تقوم عليها حاليًا السلطة السُنّية بأسرها – هو ما يجعل داعش، التي تتطابق مع الوهابية في كل الجوانب الأخرى، تمثل تهديدًا عميقًا للمملكة السعودية.

آل سعود ارتكبوا المجازر متسترين بالجهاد كما تفعل داعش (نبذة تاريخية 1741-1818)

لقد أدّت دعوة عبدالوهاب لهذه الآراء شديدة التطرف بالطبع إلى طرده من مدينته – وفي عام 1741، بعد زمنٍ من التيه، وجد ملجأً تحت حماية بن سعود وقبيلته. فما أدركه بن سعود في تعاليم عبدالوهاب الجديدة هي أنها وسيلةٌ لقلب نظام العادات والتقاليد العربية. لقد كانت طريقًا للاستيلاء على السلطة.

عند هذه النقطة، استطاعت عشيرة بن سعود – متسترةً تحت العقيدة الوهابية – أن تفعل ما اعتادت على فعله دائمًا، أي شن الغارات على القرى المجاورة وتجريد أهلها من ممتلكاتهم. كل ما في الأمر أنهم كانوا لا يفعلون ذلك الآن في إطار التقليد العربي، وإنما تحت راية الجهاد. كذلك فقد أعاد كلٌ من بن سعود وعبدالوهاب تعريف فكرة الشهادة في سبيل الجهاد، والتي تضمن لأولئك الذين اُستشهدوا دخولًا فوريًا إلى الجنة.

في البداية، داهموا بضعة مجتمعات محلية وفرضوا حكمهم عليها. (وقد كان الاختيار محدودًا أمام السكان الذين تمت مداهمتهم: إما التحول إلى الوهابية أو الموت). وبحلول عام 1790، سيطر التحالف على معظم شبه الجزيرة العربية، وشن مرارًا غارات على المدينة وسوريا والعراق.

فقد قامت استراتيجيتهم – كما هي استراتيجية داعش اليوم – على إخضاع الشعوب التي يغزونها، فقد كانوا يهدفون إلى زرع الخوف. في 1801، هاجم الحلفاء مدينة كربلاء المقدسة بالعراق، وقاموا بذبح آلاف المسلمين الشيعة، بما في ذلك النساء والأطفال. وتم تدمير العديد من الأضرحة، بما فيها ضريح الإمام الحسين، حفيد النبي محمد عليه السلام.

وقد كتب المسؤول البريطاني، ليوتينانت فرانسيس واردن، الذي كان يتابع الموقف في ذلك الوقت “لقد سرقوا المدينة (كربلاء) كلها، ونهبوا قبر الحسين… وقتلوا خلال يوم – بوحشيةٍ من نوعٍ خاص – أكثر من خمسة آلاف من السكان …”.

وقد كتب أيضًا أسامة بن بشر النجدي – مؤرخ الدولة السعودية الأولى – أن بن سعود ارتكب مذبحة في كربلاء عام 1801. وسجّل هذه المذبحة قائلًا “لقد استولينا على كربلاء وذبحنا واتخذنا أهلها (عبيدًا)، فالحمد لله رب العالمين، ونحن لا نعتذر عن ذلك، بل نقول: “وللكافرين: نفس المعاملة”.

وفي عام 1803، دخل عبدالعزيز المدينة المقدسة “مكة”، التي استسلمت تحت تأثير الإرهاب والخوف (نفس المصير الذي لاقته “المدينة” أيضًا). وهدم أتباع عبدالوهاب المعالم التاريخية، ومن بينها كل المقابر والأضرحة. وفي النهاية، دمّروا قرونًا من العمارة الإسلامية التي كانت تجاور المسجد الحرام.

إلا أنه في نوفمبر من العام 1803، قتل موتورٌ شيعي الملك عبدالعزيز (انتقامًا منه لمذبحة كربلاء). خلف الملك ابنه، سعود بن عبدالعزيز، وواصل غزو الجزيرة العربية. إلا أن الحكام العثمانيين لم يعودوا قادرين على الجلوس وهم يشاهدون امبراطوريتهم يتم التهامها قطعةً قطعة. في 1812، طرد الجيش العثماني، المكوّن من المصريين، الحلفاء خارج المدينة وجدة ومكة. وفي 1814، مات سعود بن عبدالعزيز متأثرًا بالحمى. وقد أُسِر ولده عاثر الحظ، عبدالله بن سعود، وتم اقتياده إلى اسطنبول حيث أُعدم بشكلٍ مروِّع (ذكر أحد زوار اسطنبول أنه رآه وهو يتم إذلاله في شوارع اسطنبول لثلاثة أيام، ثم شُنق بعد ذلك وقُطعت رأسه وتم إطلاقها من فوهة المدفع، ثم استُئصل قلبه وقُطِّع وغرست أجزاؤه في جسده). وفي 1815، سحق المصريون (الذين كانوا يقاتلون في جانب العثمانيين) القوات الوهابية في معركةٍ حاسمة. وفي عام 1818 استولى العثمانيون على العاصمة الوهابية “الدرعية” ودمروها. وبذلك انتهت الدولة السعودية الأولى. وانسحبت الأعداد القليلة الباقية من الوهابيين إلى الصحراء لإعادة ترتيب صفوفهم، وبقوا هناك في سكون لمعظم القرن التاسع عشر.

التاريخ يعيد نفسه مع داعش

ليس من الصعب إذن أن نفهم كيف أن تأسيس “الدولة الإسلامية” بواسطة داعش في العراق المعاصر قد يعيد أصداءً تاريخية بين أولئك الذين يتذكرون هذا التاريخ. وفي الحقيقة، فإن روح وهابية القرن الثامن عشر لم تذوِ مقتصرةً فقط على نجد، ولكنها عادت مرةً أخرى إلى الحياة عندما انهارت الامبراطورية العثمانية في خضم الفوضى التي تزامنت مع الحرب العالمية الأولى.

فقد انضوى آل سعود – في فترة نهضتهم بالقرن العشرين – تحت لواء عبدالعزيز – الرجل الهاديء والمخضرم سياسيًا – الذي قام، في سياق توحيد القبائل العربية العنيدة، بإطلاق حركة “الإخوان” السعوديين بنفس الروح القتالية التبشيرية المبكرة لعبد الوهاب وبن سعود.

لقد كان “الإخوان” نسخةً أخرى للحركة الطليعية الشرسة شبه المستقلة المبكرة “للأخلاقيين” الوهابيين المسلحين الذين كانوا قد نجحوا تقريبًا في الاستيلاء على الجزيرة العربية بأوائل القرن التاسع عشر. ومثلما حدث سابقًا، نجح “الإخوان” في الاستيلاء على مكة والمدينة وجدة بين عامي ١٩١٤ و١٩٢٦. وبالرغم من ذلك، فقد بدأ عبدالعزيز يشعر بأن “اليعقوبية” الثورية التي يظهرها “الإخوان” تمثل تهديدًا لمصالحه الواسعة. وبالفعل، ثار الإخوان عليه – مما أدى لحربٍ أهلية استمرت حتى ثلاثينيات القرن العشرين عندما أخمدها الملك بالانتصار عليهم: حيث أطلق عليهم النار باستخدام الأسلحة المتطورة.

في عهد هذا الملك (عبدالعزيز)، بدأت الحقائق البسيطة للعقود الماضية في التآكل. إذ كان النفط يتم اكتشافه في شبه الجزيرة، وكانت بريطانيا وأمريكا تغازلا عبدالعزيز، وإن ظلوا حتى ذلك الوقت أقرب لدعم الشريف الحسين كحاكمٍ شرعيٍ وحيدٍ لجزيرة العرب. ومن هنا احتاج السعوديون أن يطوروا موقفًا دبلوماسيًا أكثر تعقيدًا.

لذلك تم تغيير “الوهابية” بالقوة من كونها حركة جهادٍ ثورية قائمة على التطهر الديني التكفيري، لتصبح حركة دعوية محافظة اجتماعيًا وسياسيًا ودينيًا (الدعوة الإسلامية) وأن تعمل كمؤسسةٍ تبرر الالتزام بالولاء للعائلة السعودية المالكة ولسلطة الملك المطلقة.

الثروة النفطية وانتشار الوهابية

بظهور الثروة النفطية – كما يكتب الباحث الفرنسي جيل كيبيل – تمثّلت الأهداف السعودية في “إيصال ونشر الوهابية في جميع أنحاء العالم الإسلامي… أي العمل على “وهبنة” الإسلام، وبالتالي اختزال “الأصوات والآراء الدينية المتنوعة في “عقيدةٍ واحدة” – الحركة التي كان من شأنها تجاوز الانقسامات القومية. وقد تم – وما يزال يحدث – استثمار مليارات الدولارات في هذا الشأن تعبيرًا عن القوة الناعمة للسعودية.

لقد كان مزيجًا مُسكرًا من تصاعد القوة الناعمة المدعومة بمليارات الدولارات، والرغبة السعودية في السيطرة على الإسلام السُنّي على حدٍ سواء مع العمل على تعزيز مصالح الولايات المتحدة، فقد رسخت، بالتزامن، الوهابية دراسيًا واجتماعيًا وثقافيًأ في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، وهو بدوره تحول إلى جزءٍ من سياسة الاعتماد الغربية على السعودية، سياسة الاعتماد التي بدأت منذ اجتماع عبدالعزيز مع روزفلت على سفينة حربية أمريكية (أثناء عودة الرئيس من مؤتمر يلاطا) وتستمر حتى اليوم.

لقد ركًز الغربيون اهتمامهم على المملكة، ونظروا إليها من منطلق الثروة، والتحديث الظاهري، والقيادة المزعومة للعالم الإسلامي. واختاروا الافتراض بأن المملكة ستخضع أمام ضرورات الحياة الحديثة، كما أن إدارتها للإسلام السني ستثنيها عن تشددها وتُخضعها أيضًا للحياة الحديثة.

ولكن رؤية “الإخوان السعوديين” للإسلام لم تمت في ثلاثينيات القرن العشرين. لقد تراجعت، ولكنها بقيت مسيطرةً على بعض مفاصل النظام – وهذا هو مصدر الازدواجية التي نلاحظها اليوم في الموقف السعودي تجاه داعش.

فمن جانبٍ تُعد داعش حركةً وهابية بشكلٍ عميق. ومن جانبٍ آخر، فهي شديدة التطرف بطريقة مختلفة. ومن الممكن أن ننظر إليها جوهريًا باعتبارها حركةً تصحيحية للوهابية المعاصرة.

فداعش هي حركة “ما بعد المدينة”: إنها تنظر لأفعال كلا الخليفتين الأولين، بدلًا من النبي محمد نفسه، كمصدرٍ للمحاكاة، كما أنها تنكر بقوةٍ ادعاء السعوديين بحقهم في تولي السلطة.

ومع تطور الملكية السعودية في زمن النفط لتصبح مؤسسة أكثر تضخمًا، كسبت دعوة الإخوان مزيدًا من الأرض (برغم الحملة التحديثية التي قام بها الملك فيصل). فقد تمتعت “رؤية الإخوان” – ولا تزال تتمتع – بدعم من العديد من الرجال والنساء والمشايخ البارزين. وبمعنى من المعاني، كان أسامة بن لادن تمثيلًا دقيقًا للازدهار الذي حدث مؤخرًا لدعوة الإخوان.

واليوم، لا يبدو أن تقويض داعش لشرعية الملك إشكاليٌ، بل يمكن اعتبار ذلك عودة للأصول الصحيحة للمشروع السعودي – الوهابي.

فخلال الإدارة التنسيقية المشتركة للمنطقة من قِبل السعوديين والغرب، وفي سياق تنفيذ المشروعات الغربية (مواجهة الاشتراكية والفكر البعثي والناصرية والنفوذ السوفيتي والإيراني)، سلّط السياسيون الغربيون الأضواء على عناصرٍ انتقائية تؤكد قراءتهم لموقف السعودية (الثروة والتحديث والنفوذ)، ولكنهم اختارو تجاهل المكوّن الوهابي.

وفي نهاية المطاف، كانت أجهزة الاستخبارات الغربية تنظر إلى الحركات الإسلامية الأكثر تطرفًا باعتبارها أكثر فاعلية في دحر الاتحاد السوفيتي في أفغانستان – وفي قتال بلدان وزعماء الشرق الأوسط المغضوب عليهم.

فلماذا يجب أن نندهش إذن من أن التفويض الغربي – السعودي للأمير بندر في التعاطي مع التمرد في سوريا ضد الرئيس الأسد كان من شأنه أن يؤدي لنشوء طبعة إخوانية جديدة في صورة حركة عنيفة تعتمد على زرع الخوف: داعش؟ ولماذا يجب أن نندهش – إذا كنا نعرف القليل عن الوهابية – من أن المتمردين “المعتدلين” في سوريا أصبحوا أكثر ندرةً من أحادي القرن الأسطوري؟ لماذا كان ينبغي علينا أن نتصور أن الوهابية ستخلق معتدلين؟ أو لماذا تخيلنا أن المذهب العقدي القائم على “زعيم واحد وسلطة واحدة ومسجد واحد: تعترف بهم أو تُقتل” كان بإمكانه أن يؤدي بنهاية المطاف إلى اعتدالٍ وتسامحٍ؟

صحيفة أمريكية ورلد بوست