الخبر وما وراء الخبر

العدوان على مفترق طرق: البوصلة نحو الانكسار.!!

86

بقلم / فؤاد الجنيد

بين محاولات “جريفيث” الحثيثة وعرقلة العدوان لأي تقارب سياسي يلوح في الأفق المظلم، تتجه الأوضاع في اليمن نحو منعطف مجهول، ومصير غريب الملامح، وتفترش تقاسيمها على أرضية مترهلة أسوأ منها حالاً، تمسي على متغيرات التصعيد السياسي والعسكري، وتصحو على تجاعيد الكارثة الإنسانية، ونتوءات المأساة اليمنية في صباحاتها المعقدة.
تطورٌ هنا، وآخرٌ هناك، وبينهما تفقد بوصلة الأحداث قبلتها، ويفرغ بنك المناورة خزينته من الأهداف في سراب التخمينات، ويستند الجميع على جدار “لعل” وعمود “عسى”، ولا مبتدأ وخبر لكليهما.

مجرور بالحسرة
يبدو أن تحالف العدوان لم يقر بعد بفشله في معركة الحديدة، رغم أن الواقع بكل تفاصيله الظاهرة والخفية يكشف ذلك بجلاء، ومع أن ماكينته الإعلامية التي سخرها وعوّل عليها خذلته منذ الوهلة الأولى؛ لاستنادها على رمال متحركة من التظليل والتهويل، إلا أنه ما يزال مكابراً في الإفصاح عن خسارته وانكساره، وتبخر أهدافه أمام سخونة المواجهات، ويعلل ذلك تارة لـ إفساح المجال لحل سياسي يقوده المبعوث الأممي إلى اليمن “مارتن غريفيث”، ولحرصه على سلامة الحديدة وسكانها من أي عمل عسكري تارة أخرى.

هذا الصوت الإماراتي الآتي بنبرة الناسك الرحيم، والمتورع الحكيم، ليس أكثر من فقاعة ملوثة بنوايا المكر والتربص، فهي تخفي خلفها ذهول الخيبة والخسارة الفاضحة، وصدمة الانبهار ببسالة المجاهد اليمني البسيط الذي قطع أوصال كتائبه، ومزق تعزيزات مرتزقته، وأحرق آلياته ومدرعاته، وأبرح جنوده قتلاً، وأثخنهم جراحاً، وهذا بدوره فتح الباب على كوابيس الضغط النفسي، والمعنوية السلبية المستفحلة التي انعكست سلباً على نتائج المعارك الصادمة، الضغط النفسي الجاثم، قابله ضغط سياسي وعسكري إقليمي على تحالف العدوان ومرتزقته لحسم المعركة، التي تدخلت فيها هذه المرة كلٌ من واشنطن وباريس عسكرياً على الأرض، وقبلهما تل أبيب ولندن وكيانات أخرى، فباتت قوى العدوان عالقة بين ضغطين متوازيين، أولهما ضغط انتصارات اليمنيين وانكسارها، وثانيها ضغط المظلة الإقليمية التي باتت هي الأخرى مصدومة مما يجري من ملاحم يمنية وصفت بالأساطير الأقرب إلى الإعجاز.

على مفترق طرق
تحملت أبو ظبي على عاتقها معركة الساحل الغربي بصفة فردية؛ ولها أجندتها الخاصة بعيداً عن دائرة التحالف، فإلى جانب طمعها في الإنفراد بميناء الحديدة، هي من تقود المرتزقة وتسيطر عليهم سياسياً وعسكرياً في هذه المعركة، سواءً أبناء الجنوب الذي تحكم قبضتها عليه وعلى سلطاته، أو الورقة الجديدة، “طارق صالح” وقواته الذين انبلجوا من رحمها، ويأتمرون بأمرها، لكن ذلك لا يلغي قلق الرياض مما يجري عسكرياً على أرض الميدان، وانعكاسات نتائجه على مسار العاصفة وأهدافها، فعمدت إلى إذابة جليد التجافي المتكثف على العلاقات الإماراتية، والرئيس الفار وحكومته، بالرغم من كلفة هذا التقارب، الذي لم يقل ثمنه عن إضفاء شرعية للإمارات لاقتحام الحديدة، وفك الارتباط مع حزب الإصلاح، لكن التناقض الذي طرأ مؤخراً على موقفي هادي وقرقاش بشأن تعليق معارك الحديدة، كشف أن منصور هادي لا يزال فتى الرياض المدلل، وأن علاقته بالإمارات ليست أكثر من ورقة مؤقتة تطلبتها متغيرات أحداث المرحلة.

هدف مزدوج
لا يخفى على أحد، أن لـ أبو ظبي هدفاً مزدوجاً في قرار غزو الحديدة، فإلى جانب سعيها للسيطرة على ميناء الحديدة وجزرها، تسعى إلى تشتيت تركيز الجيش اليمني ولجانه الشعبية في مختلف الجبهات، وخلق فجوات في خطوطهما من خلال التحرك لرفد جبهة الساحل الغربي بالمجاهدين على حساب جبهات أخرى؛ لكنها تفاجأت بأن الحديدة محمية برجالها، وأن في مخزونها من مقاتليها ما يؤمنها ويذود عن ترابها، وأن رفدها بالمجاهدين لم يكن سوى استعداد لمعركة تحرير السواحل الغربية على امتدادها شمالاً وجنوباً، حتى تلك الاختراقات والزحوف التي حاول العدوان التقدم فيها في محافظات صعدة والبيضاء والجوف باءت بالفشل الذريع؛ وكانت سبباً في تحرير واستعادة مواقع جديدة كانت تحت الاحتلال خلال الفترة السابقة.

نموذج سيء
النموذج السيء الذي قدمته الإمارات في إدارة المحافظات الجنوبية وبعض المدن الساحلية التي احتلتها، خلق وعياً مستحدثاً في أوساط المغرر بهم، والمتذوقين لسياساتهم، ما جعلهم يلتحمون مع إخوانهم، ويلتفون حول المجاهدين اليمنيين، ويقاتلون بضراوة وبسالة دفاعاً عن أرضهم وعرضهم، فهم يدركون ماذا ينتظرهم حال تمكن الغزاة من احتلالهم، والسيطرة على قرارهم وسلوك حياتهم. حتى أولئك الذين نزحوا من مدينة الحديدة بفعل المعارك الأخيرة، نزح جميعهم إلى المحافظات والمدن الواقعة تحت سلطة حكومة صنعاء، وسيطرة “أنصار الله”، ولسان حالهم: “ننزح حيث نشعر بالأمان”. في المقابل تعرض النازحون إلى المحافظات الجنوبية لأسوأ أساليب الإذلال والامتهان، وتم طردهم وترحيلهم، وعدم السماح لهم بدخول مدن الجنوب، بعد أن ظلوا عالقين في النقاط الأمنية لأيام، في مشهد يجسد مدى استفحال ثقافة الاحتلال العدوانية والإقصائية، وتعمق قيم الكراهية والانقسام التي حلت بفعل العدوان محل مشاعر الحب والإخوة، وقيم التعايش والتسامح والسلام.