مشروعية الصرخة في المساجد
يتشكَّك أو يتلكّأ أو يتحرّج البعض من الصرخة في المساجد لعددٍ من الاعتبارات أو لبعضها، وتأصيلا لمشروعيتها أوردُ عددا من النقاط التي بعضها دليلٌ كاملٌ ووافٍ ومنطقي يزيل ذلك التشكك والتلكؤ والتحرُّج، وبعضها خطابي إقناعي، وبعضها مما يستلزمه أولئك المتشكِّكون والمتلكِّئون والمتحرِّجون، وهي كلها كافية لمن كان خاليا من التعصب أو التحزُّب.
1-إنها تعبيرٌ عن الإنكار على عداوة اليهود والنصارى للإسلام والمسلمين، وتعبير بالبراءة منهم، وموقف قولي وفعلي يرفض الموالاة لهم، وقد أمر الله بأن لا نتخذ اليهود والنصارى أولياء، وحذَّر بأن حكم المتولِّين لهم هو حكمهم، ولما كان هناك من يسارع إلى تولِّيهم وإلى حسن الظن بهم، والانخداعِ بهم، وهو أمر مرفوض في الإسلام، فكان لا بد من إظهار البراءة ضدهم، وفي هذه الحالة قد تصل حالة المشروعية إلى حالة الوجوب، وما هذا حاله فإنه يجوز في المسجد كما يجوز في غيره.
2- أمرنا الله في كتابه الكريم أن نتبرَّأ من أعدائه وهم كثيرون في القرآن الكريم، ولَعَن فيه الذين كفروا من بني إسرائيل، وعاب الكاذبين والظالمين والفاسقين، وقد تجمَّعت كلُّ صفات الشرور تلك في أمريكا وإسرائيل، فكيف لا نتبرَّأ ممن تبرَّأ منهم القرآنُ، وما يجوز في القرآن الكريم يجوزُ مثلُه في المساجد، وقد أشار إلى ذلك الشهيد القائد في إحدى محاضراته.
3- استدل الشهيد القائد بكونها أمرا بمعروف ونهيا عن منكر، وأنها نوعٌ من الجهاد، والله أمرنا بالجهاد ، وتلك الأمور تجوز أو تجب في المسجد مثلما تجوز أو تجب في غيره.
4- الشعارُ أثَّـر تأثـيرا كبيرا على العدو، وانزعاج الأمريكان بتوجيهات سفيرهم السابق في اليمن بمسحه وقلعه وسجن الهاتفين به دليلُ تأثيره عليهم ، بل والحروب الست التي شُنَّت بسببه، وهو عمل صالح ينال من العدو نيلا كبيرا ؛ ولهذا فهو مشروعٌ أيَّما مشروعية، في المسجد وفي غيره؛ قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) [التوبة:120].
5- للمساجد قدسية عظيمة، وتكتسب الصرخةُ فيها الطابعَ العباديَّ الجهاديَّ الدينيَّ في نفوس المسلمين، وفي نفوس أعدائهم، بالشكل الذي يجعلهم يهابونهم بشكلٍ أكثر.
6- أمر الله في كتابه الكريم بقتالِ هؤلاء الأعداء، فكيف بالكلام عنهم وفضحِهم ومواجهتهم نفسيا، وتوعويا، وتثقيفيا، وتربويا، وقد أشار الشهيد القائد إلى ذلك في محاضرة (الشعار سلاح وموقف).
7-بالنظر إلى ما يرتكبه هؤلاء الأعداء اليوم بحق المسلمين من مؤامرات واختراقات، وصناعة مشكلات، وهندسة أزمات، بدافع العداوة المتجذِّرة فيهم للإسلام، ولأنهم أساسُ الشرِّ ومنابعُه، وهم أصلُ الفساد، ومؤجِّجو الصراعات المذهبية والطائفية والمناطقية، والساعون لتشويه الإسلام، وإمساكُهم بزمام أمور المسلمين، ونصبُهم عملاءَهم للحكم عليهم، وصناعتهم لما يسمى بـ(القاعدة وداعش) لضرب الإسلام وتشويهه؛ ولهذا ساءت أحوال المسلمين، وشاع الضلال فيهم، وفي هذه الحالة كما في كل حالة يجب على المسلمين أن يتقوا الله وأن يقولوا القول السديد، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب: 70- 71]، وإن الصرخة في وجوههم ومواجهتَهم نفسيا لهو من القول السديد الذي أمرنا الله بأن نقوله، في كل وقت وكل مكان، وقد أثبتت الأحداث يوما بعد يوم سداد هذه الصرخة، وأفضل الأماكن المساجد، وأفضل الأوقات صلاة الجمعة، وقد ذكر ذلك العلامة المجاهد أحمد صلاح الهادي حفظه الله في آخر محاضرة (الإرهاب والسلام) بحضور الشهيد القائد سلام الله عليه.
8-نصَّ الفقهاءُ أنه لا يجوزُ في المساجد إلا الطاعات، وعليه فإن الصرخة من الطاعات التي تجوزُ في المساجد؛ لأنه لا يوجَد فيها كلمة واحدة محرَّمة من جهة، ومن جهة ثانية هي من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي إعلان المعاداة لأعداء الله، وهي حربٌ نفسية على الأعداء، وكل هذا من صميم الطاعات، بل من أفضلها، إن لم يكن من واجباتها.
9-قال الله تعالى: (لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً) (النساء148)، وإذا كان الله قد أذن بالجهر بالسوء عند حصول الظلم، فما بالُنا بالجهر بالحق، وبالكلمات والعبارات التي ليس فيها أيُّ سوء، بل هو الحق الصراح، والمنهج البيِّن الوضاح، ولا فرق في ذلك بين مسجدٍ ولا غيره.
10-يردِّد المسلمون أذكارا جماعية بصوتٍ جهوريٍّ، ومنها أدعية الجأر بالاستغفار والدعاء لله في الاستسقاء، مما يسمى (التوَّاب)، كما يقيم البعض الاحتفالات الدينية والتعليمية، وفيها الأناشيد الجماعية وما شاكلها، وما يحصل منها قد يكون من الفوائد الخاصة بأهل تلك القرية وتلك المنطقة، وليس هذا الشعارُ أقلَّ حقا منها في المساجد، على الرغم أنه مما يُدْرَأُ به كثير من المفاسد العامة، ويجلَبُ به كثير من المنافع العامة أيضا.
11-ثم ما الفرق بينها في المسجد وفي الساحات والمظاهرات والاجتماعات، فقد كان كثير من المنتقِدين لها يصرُخون في الساحات في 2011م ويردِّدون شعاراتٍ كثيرةً بعد صلاة الجمعة، وبعد الجماعات، وكانت المساجد الداخلة ضمن الساحات يُهْتَف فيها بتلك الشعارات، بل كانوا يصِفون خصومَهم السياسيين بعبارات تصفهم بالسوء الشديد، في الصلاة وأثناء الدعاء عليهم، ولا يملك المصلون خلفهم إلا ترداد كلمة (آمين).
12-كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يُخَطِّط للمعركة في المسجد، وفيها القتل والقتال، وكان يُحَرِّض فيها المؤمنين على القتال، وذلك كله أوقعُ وأهمُّ من مجرد هتافاتٍ ثقافيةٍ وتربويةٍ ونفسية.
13-أمر الله نبيه أن يقول لليهود: (قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ) [آل عمران: 119]، وجاء هذا الأمرُ بعد ذكرِه لعمليةِ المخادَعة الصادِرة عن اليهود، ولذا وجَّهه الله تعالى توجيها حكيما وسهلا بأن يقول: الموت لهم، وهو أمر متكرِّر من يهود اليوم؛ لهذا فمن الحكمة أن نقول لهم ذلك القول اليوم، كما أن الله سبحانه وتعالى حين أخبر عن حرصهم على الحياة، وخوفهم الشديد من الموت، وأنهم يفرون منه، أمر الله نبيه أن يقول لهم (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ) [الجمعة: 8]، وهذا في القرآن، وما هو في القرآن يجوز في المساجد وغيرِها بالأولى.
14- صرَخ أئمة أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم بشعاراتٍ ثوريةٍ عسكريةٍ في المساجد وبشكلٍ جماعي، بل صرَخ بعضُهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فحين أعلن الإمام الحسين بن علي العلوي الفخي (ت169هـ) ثورته في المدينة على بني العباس دخل فتيانُ آل محمد وخيرتُهم المسجدَ النبوي فجرا، وصرخوا فيه بشعار (أحد أحد)، بل وأمر أحدُهم المؤذنَ أن يؤذِّن بـ(حي على خير العمل) التي هي شعار أهل البيت الخاص بهم أيضا، مع أن كثيرا من المصلين والحاضرين لم يكونوا على مذهبهم، ولا على توجُّهِهِم السياسي والثوري ، وكان ذلك في وجه العباسيين المسلمين، فما بال البعض تزعجه صرخة في وجه اليهود والنصارى المعتدين؟!.
15-وهناك شعارات مذهبية خاصة، يُطْلِقُها ويمارسُها بعضُنا، مع عدم رضا بقية المصلين من المذاهب الأخرى، ومع ذلك لا أحدَ يمنعُهم منها، فمن شعارات أهل البيت: قراءة البسملة أول كل سورة من سور القرآن، والأذان بحي على خير العمل، وإرسال اليدين في الصلاة، وترك التأمين، وقراءة آية الكرسي بعد الصلاة، كما أن شعار الفرق الأخرى، إسقاط بسم الله الرحمن الرحيم، وترك حي على خير العمل في الأذان، والضم والتأمين، وكل مذهبٍ يمارسُ شعاراته المذهبية بكل اطمئنان، فلماذا ينزِعج البعض إذا سمع شعارا عاما ينبغي للأمة جميعا أن تتوحَّد فيه وأن تصرُخ به، ولا سيما وقد رأينا عداوة أمريكا وانخراطها المباشر في العدوان على اليمن، وعلى شعوب عربية وإسلامية كثيرة.
16-هو نوع من المواجهة الثقافية والتربوية والنفسية لأمريكا التي تهدِّد دول الإسلام والمسلمين جميعا، وإطلاقُه في الاجتماعات التي تعكِس مظاهرَ القوة للمسلمين كما إطلاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابِه وأهلِ بيته للشعارات في الجبهات لإظهارِ قوتهم، ومعنوياتهم العالية، ولأنه المعرِّف بهم، وهو حرب نفسية عليهم، وهي مما وجب علينا أن نقوم به اليوم ضدهم وفي مواجهتهم ولا سيما وقد رأينا هذا العدوان السعودي الأمريكي علينا بهذا القبح والبشاعة، وهذه المواجهة والحرب النفسية عليهم تجوز في المساجد أكثرُ من جوازِها في غيرها.
17-وحتى لو لم يكن للشعارِ أشباهٌ ونظائرُ في تاريخ الإسلام بل كان من مستجدات هذا العصر، ورأينا فيه سلاحا ماضيا على أعداء الله ورأيناه مؤثِّـرا فيهم على النحو الذي يساعدُنا على النصر، فإنه يجب علينا استخدامُه وتوظيفُه توظيفًا جيدا، والإفادة من مردوداته التربوية والنفسية والثقافية.
18-وإذا كان هناك من يعتقد أن الصرخة شعارٌ خاص وحصري بأنصار الله فهذه مشكلتُه لا مشكلة أنصار الله، لأن الشهيد القائد طرح هذا الشعار ليكون لكل المسلمين في مواجهة مشروع أمريكا العدائي للإسلام والمسلمين. وهناك من الأحزاب والتيارات السياسية والاجتماعية مَنْ يصرُخون بهذا الشعار وهم لا ينتمون أبدا إلى أنصار الله كمكوِّن من مكونات المجتمع اليمني.
19-أصبح الشعار الآن علما وعنوانا للأبطال المقاوِمين للعدوان السعودي الأمريكي وللمجاهدين الأحرار في الجبهات، بل بات جزءا من أسلحتهم التي يطلقونها على أعدائهم في كل معركة، وليس خفيا أن كثيرا من الأعداء ما إن يسمعوا الصارخين في بداية المعركة حتى يصابوا بالرعب، والخوف، ومن باب الإعانة لهم والمواساة والاعتراف بفضلهم أن نردِّد ما يردِّدون، وأن نصرُخ بما يصرُخون، وصدق الإمام الحسين الفخي حين قال:
ويعجبُني المرءُ الكريمُ نِجارُه ** ومَنْ حين أدعوه إلى الخير شَمَّرا
يعينُ على الأمرِ الجميل وإن يرى ** فواحشَ لا يصبرْ عليها وغيَّرا
وهناك كثير مما يمكن قوله، غير أن من لم ينفعه القليل لن ينتفع بالكثير.