الخبر وما وراء الخبر

أبعاد وخلفيات التصعيد الأمريكي في الساحل الغربي!

155

ذمار نيوز | خاص | تقارير | 21رمضان 1439هـ الموافق 6يونيو 2018م

اعداد/ أحمد يحيى الديلمي
تصورت أمريكا أن تحالفا دوليا من 17 دولة ومجمع من شذاذ الافاق من شأنه أن يلقي الرعب في النفوس اليمانية، لكن تكسرت كل تلك الأحلام والتصورات الأمريكية، ووجدت نفسها في مكانها الحقيقي تحت نعال أبطال الجيش اليمني واللجان الشعبية.
ومنذ أكثر من ثلاثة أعوام من بدء العدوان على اليمن وفشلت فيه جميع الخطط الشيطانية والحُقت الهزائم تلو الهزائم بالحلف الصهوأميركي سعودي على يد اليمنيين، حيث كان الشعب اليمني وقيادته الحكيمة وجيشة ولجانه الشعبية سيد الموقف في كل مواجهة ابتدعت فيها أمريكا خطة عدوان جديدة، فكانت المفاجأة الكبرى التي أذهلت أمريكا واذنابها وجعلتها اليوم في تعيش حال من الإرباك والتخبط العميق.
كلما أمعن العدوان في جرائمه تظهر مفاجآت عسكرية جديدة تشكل صدمة تصعق أمريكا واذنابها، لأنها وفي هذه المرة بات عليها أن تقتنع فيه أن إسقاط اليمن بات مجرد اوهام، وسيكون أكثر صعوبة مع تنامي قدرات الجيش واللجان الشعبية المتطورة، ولهذا فهي تحاول تنفيذ خطتها الجديدة عبر تمويل وتنفيذ وإشراف وتحريك قوات تحالف العدوان في تصعيد عسكري كبير على الساحل الغربي لليمن والمناطق المطلة على مضيق باب المندب، وهنا يطرح السؤال بحثاً عن خلفية هذا التصعيد وما يرمي إليه الآن وبهذا الزخم الذي قد يكون شبه مفاجئ.
ويشير الصحفي والمحلل السياسي جمال محمد الأشول الى أن أول ما يقع الباحث عليه في هذا الشأن هو أن أمريكا تقف وراء هذا التصعيد وتمد القوات التابعة لتحالف العدوان بكل ما يلزم في تحركهم وقتالهم بدءاً بالتخطيط والتدريب وصولاً إلى التجهيز والتنفيذ، مروراً بكل ما له صلة بالشأن الاستخباراتي والاستعلامي في الميدان، فأمريكا كما توضح الصورة الميدانية تقف بشكل كلي تحت ذريعة حماية الملاحة البحرية الدولية.
ويضيف الاشول هنا أن السؤال ينقلب ليطرح بصيغة أخرى: لماذا كثفت أمريكا تدخلها المباشر في هذه الفترة وبشكل يتقدم عن مستويات تدخلها السابق الذي لم ينقطع أصلاً منذ بدء العدوان على اليمن؟ لاسيما وأن السعودية والإمارات كانت ومازالت أداة رئيسة لأمريكا في التنفيذ؟.
وللإجابة على ذلك، يرى الاشول أن هناك سبيين دفع أمريكا للتصعيد العسكري وهما:‏
الأول: متصل بالميدان اليمني مباشرة وخاصة لجهة تراجع وهزائم قوات تحالف العدوان أمام الإنجازات العسكرية المهمة التي حققها الجيش اليمني واللجان الشعبية بدءاً من نهم إلى جبهات ما وراء الحدود، مروراً إلى جبهات الجوف، ووصولاً إلى الساحل الغربي وتحقيق انجازات عسكرية كبيرة فيها وتكبيد قوات تحالف العدوان خسائر كبيرة الأمر الذي ولد لدى أمريكا شعورا ببدء تلاشي التأثير في الميدان اليمني ما يعني تلاشي أحلام
الثاني: متصل بالأطماع الأمريكية الإسرائيلية، بالسيطرة على البحار والمضايق في البحر الأحمر والبحر العربي بشكل كلي، وهذا بدأ بالتخطيط عملياً لإحكام السيطرة على باب المندب انطلاقاً من السيطرة على معسكر العمري الواقع شرق مدينة ذو باب، والذي يبعد 10 كيلومترات عن مركز مديرية باب المندب، لما يمثل من أهمية استراتيجية كبيرة ويربط بين أربع مديريات تابعة لمحافظة تعز، هي: باب المندب وذو باب والوازعية والمخا، وهو محاطٌ بمرتفعات جبلية من اتجاهات الشمال والجنوب والشرق.
ويشير الاشول الى أن تعزيز سيطرتها عبر إنشاء قاعدة عسكرية في معسكر، ينبع من مرتكزين أساسيين هما:
الأول: الموقع الجغرافي المهم لليمن، سيما البحري كمضيق باب المندب والجزر في البحر الأحمر المشرفة على ممرات الملاحة الدولية وكذلك ما تمتلك من مناطق وجزر اسْتراتيجية ممتدة بين شرق البحر المتوسط وغرب المحيط الهادي وحتى الخليج العربي وتمتد بين قارات ثلاث قرب اليمن وكون البحر الأحمر يمثّلُ أقصرَ الطرق للمواصلات التجارية والعسكرية، فقامت بالسيطرة على جزيرة سقطرى التي تحاول واشنطن التواجد فيها عبر الإمارات أو السعودية وإنشاء قاعدة عسكرية تطلق عليها قاعدة (دييغو غارسيا) للسيطرة على المحيط الهندي، بهدف التحكم بمسار التجارة العالمية وحماية إسرائيل ومصالحها وضمان تحرك الكيان الصهيوني فيه بسهوله .
الثاني: نهب الثروات المهولة التي يمتلكها اليمن ومنها المخزون النفطي العالمي، ولهذه الأسباب الرئيسية بالهدف من العدوان على اليمن قامت أمريكا بالعدوان على اليمن وتقوم حالياً بالتصعيد على الساحل الغربي بكل ما يمكن أن تلقيه من ثقل في الميدان قاصدة العودة إلى اليمن للهيمنة على اليمن مجدداً بتدخل مباشر بعد فشل أدواتها السعودية والإمارات اللتان أسندت إليهما مهمة التنفيذ.

سعي أمريكا وإسرائيل للسيطرة على الأماكن الاستراتيجية اليمنية
مما لا شك فيه أن للأمريكيين والصهاينة مشروع استعماري في المنطقة ولا يمكن تنفيذه إلا من خلال الذرائع، ويعلم الجميع أنه عندما تريد امريكا شن عدوان على أي بلد واحتلاله ونهب ثرواته، فمن الضرورة أن تختلق الذرائع، ولا يهمها أن يصدقها أحد بقدر ما تفرض ذرائعها وتجبر العالم أن يصدقها، ثم ما يلبث أن يظهر الى العلن كذب وبطلان تلك الذرائع، كما فعلت عندما احتلت العراق بذريعة الأسلحة الكيميائية وكما تعمل الآن في المنطقة برمتها بذريعة مكافحة الإرهاب.
وبالعودة قليلاً الى أبرز الأسباب الحقيقية لشن العدوان الغاشم على اليمن نجد أن موقع اليمن الاستراتيجي يأتي في اولوية الاسباب الرئيسة لشن العدوان عليه للوصول الي باب المندب تحت ذريعة مكافحة المد الايراني بغية نهب الثروات، والسيطرة على المنافذ البحرية في اليمن، وإذا أردت أن تعرف المجرم فابحث عن المستفيد، فلم تكن غاية العُـدوان على اليمن إلا إعادة وتمكين القوات الأَمريكية لاحتلال الـيمـن من جديد بعد خروج آخر جندي أَمريكي من صنعاء في العام 2015م، وحينها أطلق مسؤولون اَمريكيون العديد من التصريحات التي تؤكد أن العُـدوان كان مُخطّـط بأَهـداف أَمريكية نفذته أَدواتها في الخليج، ومما جاء في تلك التصريحات، هو ما ذكره مستشار الجيش الأَمريكي والناتو “أنتوني كوردسمان”، من مركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية، أن “الـيـمـن له أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة للولايات المتحدة”، وأشار كوردسمان، الى أن “أراضي وجزر الـيَـمَـن تلعب، دوراً حاسماً، في حماية ممر عالمي آخر في الطرف الجَنُـوْبي الشرقي من البحر الأحمر أَو ما يُسمى باب المندب، كما أصدر البيت الأبيض بياناً، أوضح فيه أن واشنطن ستقدمُ الدعمَ اللوجيستي لتحالف العُـدوان، ليأتي بعد ذلك اعلان البنتاغون بشكل رسمي مشاركة أمريكا المباشرة في العُـدوان على الـيـمـن.
المخطط التآمري لاحتلال اليمن، وإحكام السيطرة على باب المندب
جاء العُـدوان على الـيـمـن تنفيذاً لمخطط تآمري صهيوأمريكي يترجم القلق الإسرائيلي من ثورة الشعب اليمني في سبتمبر 2014م، وهذا ما تجلى وبوضوح تام وجاء على لسان رئيس وزراء كيان العدو الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) الذي أصدر تحذيراً إلى الكونجرس الأمريكي بشأن اليمن، يضمن خطورة سيطرة الثوار على مضيق باب المندب، وتأثير ذلك على أمن (إسرائيل)، على حد زعمه، لتتضح أركان المخطط التآمري لثلاثي قوى الشر (أمريكا والعدو الإسرائيلي والنظام السعودي) لتدمير اليمن واحتلاله، وإحكام السيطرة على باب المندب، خدمة لمصالح العدو الإسرائيلي في المقام الأول.
وعلى السياق نفسه، ألقى رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق «بني غانتس»، محاضرة في معهد واشطن للسياسة، طالب فيها بالابتعاد عن القلق بشأن توقيع الاتفاق النووي مع إيران في ذلك الحين، معبراً عن قلقه بالقول: “ما يقلقني هو باب المندب والطرق البحرية الأخرى، إذ إنها أشد إقلاقاً من البرنامج النووي الإيراني”، مشيداً بالوقت نفسه بالدعم الأميركي غير المحدود والاستثنائي الذي تقدمة الولايات المتحدة لإسرائيل، من أجل الحفاظ على تفوّقها العسكري النوعي في المنطقة.
وبالتالي فعندما يمتلك المقاتل اليمني فكراً مناهضاً لقوى الاستكبار العالمي، بالإضافة إلى قدرته على تصنيع صواريخ محلية الصنع، ويسعى إلى تطورها على مراحل متعددة، ويتم نشرها في السواحل اليمنية ابتداء من باب المندب إلى سواحل الحديدة وسواحل عدن والمكلا، فهذا يشكل خطراً كبيراً على الكيان الصهيوني وأمريكا، وتهديداً مباشراً على مصالحهما، ولهذا فإن صراخ نتنياهو وخوفه ورعبه من اليمنيين يكشف ما يحاول السعوديون إخفاءه وتغطيته بأساليب وطرق متنوعة يغلب عليها المكابرة ويكشف السلوك الشيطاني المخادع الممزوج بالمجازر والتدمير بحق الشعب اليمني حرصاً على أمن كيان العدو وحماية لمصالحة.
وفي هذا السياق، يرى، الخبير السياسي، د. أنيس الأصبحي، في حديث إلى «جريدة الأخبار اللبنانية»، أن كل تحركات تحالف العدوان على الساحل الغربي تخفي وراءها أجندة أميركية وإسرائيلية، مضيفاً أن السيطرة على المدخل الجنوبي لباب المندب تعني السيطرة على البحر الأحمر والبحر العربي، ومن يسيطر على المحيط الهندي من خلال السيطرة على جزيرة سقطرى سوف يتحكم بمسار التجارة العالمية، لافتاً إلى أن الولايات المتحدة تسعى للسيطرة على البحار والمضائق بشكل كلي، خصوصاً في الشرق الأوسط لحماية إسرائيل ومصالحها.
وينبّه الأصبحي إلى وجود ارتباط كبير بين الأهمية الاستراتيجية لمضيق باب المندب والحرب على اليمن، وأن هناك مشروع تدويل لموانئ الدول المتشاطئة ومضائقها حتى يضمن الكيان الإسرائيلي التحرك بسهولة، ويشير إلى أن الاهتمام الأميركي بمضيق باب المندب يتزامن مع اهتمام إسرائيلي، وأن واشنطن تسعى لإنشاء قاعدة عسكرية في منطقة العمري مماثلة لقاعدة دييغو غارسيا التي يُطلق عليها أم القواعد العسكرية الأميركية وسط المحيط الهندي، مشدداً على ارتباط مطامع تحالف العدوان والأميركيين في إنشاء قاعدة عسكرية في باب المندب بما يحدث في جزيرة سقطرى، التي تحاول واشنطن التواجد فيها عبر الإمارات أو السعودية.
موقع اليمن الجغرافي والاستراتيجي المهم
يتميز اليمن، بموقع جغرافي استراتيجي مهم سيما البحري كمضيق باب المندب والجزر في البحر الأحمر المشرفة على ممرات الملاحة الدولية، وكذلك ما تمتلك من مناطق وجزر اسْتراتيجية ممتدة بين شرق البحر المتوسط وغرب المحيط الهادي وحتى الخليج العربي وتمتد بين قارات ثلاث قرب اليمن وكون البحر الأحمر يمثّلُ أقصرَ الطرق للمواصلات التجارية والعسكرية.
ويعتبر باب المندب ممراً استراتيجياً يصل البحر الأحمر إلى خليج عدن وبحر العرب، ولليمن أفضلية استراتيجية في السيطرة على المضيق لامتلاكه جزيرة بريم، وتشير التقديرات إلى أن ما بين 5 إلى 6% من إنتاج النفط العالمي، أي نحو 4 ملايين طن، تمر يومياً عبر المضيق باتجاه قناة السويس، ومنها إلى بقية أنحاء العالم، كما يمر عبر المضيق سنوياً ما يزيد على 21 ألف سفينة محملة بشتى أنواع البضائع.
وكما تقول إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فإن إغلاق مضيق باب المندب سيحول دون وصول ناقلات النفط من الدول الخليجية إلى قناة السويس وخط (سوميد) لنقل النفط من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط، وستضطر تلك الناقلات إلى الإبحار جنوباً إلى رأس الرجاء الصالح للوصول إلى الأسواق الأوروبية والأمريكية، ما سيزيد أضعافاً من تكاليف النقل، لذلك يسعى اللوبي الأمريكي الصهيوني الى التحكم في بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب عبر امتلاكه قواعد بحرية على امتداد البحر، حيث عمل على إقامة قواعد عسكرية قرب مضيق باب المندب، إذ يملك العدو الإسرائيلي قاعدة عسكرية كبرى في إريتريا، وتمتلك الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة في جيبوتي على الضفة الغربية لمضيق باب المندب.
إطلالة على سعي العدو الإسرائيلي للسيطرة على باب المندب
في ديسمبر 1995م، هاجمت قطع بحرية أرتيرية الحامية العسكرية لجزيرة حنيش اليمنية وقامت باحتلالها بدفع ودعم إسرائيلي، وعقب احتلال الجزيرة شهدت منطقة جنوب البحر الأحمر نشاطاً عسكرياً لإسرائيل والولايات المتحدة بالإضافة إلى أن احتلال جزيرة حنيش أعقبها بفترة وجيزة زيارة للرئيس الأرتيري أسياسي أفورقي إلى تل أبيب وعقد مع الإسرائيليين صفقة شراء أسلحة وتزويد جيشه بمروحيات وقطع عسكرية وتدريب 4 آلاف جندي.
وفي تلك الفترة كشف مصادر إعلامية بأن هناك تواجداً عسكرياً صهيونياً جنوب البحر الأحمر، وإن العدو الإسرائيلي يحاول إيجاد موطئ قدم لها في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر لمراقبة حركة الملاحة، وفي ديسمبر 1995م، نقلت صحيفة “يمن تايمز” عن مجلة الدفاع الوطني الأمريكية تصريحاً للعميد في البحرية الأمريكية هنري لابروس تحدث فيه عن مصلحة إسرائيل في السيطرة على جزيرة حنيش واصفاً إياها بـ”الجزيرة الاستراتيجية”، وفي تلك الفترة نشرت مجلة الدفاع الأمريكية أكثر من مادة صحفية عن جزيرة حنيش والأوضاع العسكرية في المنطقة.
ومع وجود تقارب كبير جداً بين دويلة الامارات والعدو الاسرائيلي بات من الواضح جدالً أن سيطرة الإمارات على جزيرة ميون المتحكمة بباب المندب جاء بدفع ورغبة إسرائيلية وأمريكية بحتة، لإعادة الأطماع الإسرائيلية في احتلال الجزر اليمنية في البحر الأحمر، ويتعزز الاعتقاد بوجود يد إسرائيلية في احتلال جزيرة ميون وجزيرة سقطرى بالنظر إلى ما كشفته مراكز دراسات غربية استناداً إلى صور لأقمار اصطناعية عن إنشاء الإماراتيين قاعدة عسكرية في جزيرة ميون وهو الهدف الذي كانت تسعى إليه إسرائيل سابقاً غير أنها في السابق رأت أن أرتيريا هي الأقرب لتنفيذ مهمة احتلال الجزر اليمنية بداية بجزيرة حنيش.