الخبر وما وراء الخبر

لا يمكن أن يتحقق لك الإيمان ويكتمل إيمانك الا بالاستجابة لله في الانفاق في سبيل الله.

85

إذاً فالمال هو عبادة من أهم العبادات ورد الأمر به في القرآن الكريم كثيراً مقترناً مع الصلاة ومع غيرها بل قرنه حتى بالإيمان، وهذا يدلل على الأهمية الكبيرة للإنفاق ومنزلته في الإسلام، قرنه بالإيمان فأمر به مع الإيمان فقال سبحانه وتعالى: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ}(الحديد:7) وعادة ما يقرن القرآن الكريم بالإيمان من الأعمال الصالحة، الأعمال التي لها أهمية كبيرة، ولها وزن كبير كبير في الإسلام، مثلما هو حال الجهاد في سبيل الله، ومثلما هو حال الإنفاق.

فعندما يقرنه مع الإيمان فهذا يدلل على ضرورته وملازمته للإيمان، فلا يمكن أن يتحقق الإيمان في واقعك وأن يكتمل لك إيمانك بدون هذا الفرض المهم، والاستجابة لله في هذا الأمر العظيم، بل كذلك في مقام الأمر يأمر على هذا النحو، في مقام العتاب المؤاخذة اللوم التحذير كذلك، يقول سبحانه وتعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِم عَلِيمًا} (النساء:39) ماذا عليهم؟ هذا هو لمصلحتهم، لنجاتهم، لسعادتهم، لدفع العذاب عنهم، لخيرهم في الدنيا والآخرة، ماذا عليهم!؟ ويقدمه كصفة لازمة للإيمان والتقوى فيقول سبحانه وتعالى في آيات كثيرة حينما يصف عباده المؤمنين المتقين: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} ويقدمها كحالة مستمرة لديهم فيقول: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء}(آل عمران:134) فهم عند اليسر وفي السراء وأمورهم متيسرة ينفقون ولا يبخلون، وهم في الظروف الصعبة والشدايد ينفقون وبقدر إمكانياتهم، بقدر ظروفهم، من رحمة الله الواسعة أن فتح المجال للإنسان ينفق بقدر ظروفه، بقدر حاله، لم يفرض على الإنسان الذي ظروفه صعبة أن ينفق أموال طائلة أو كبيرة، بل يقول: {َمِمَّا} {مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} فما منحك الله من رزق تنفق منه، تقدم منه.

وهكذا يذكرنا الله سبحانه وتعالى بأهمية الإنفاق، بثمرته لنا، بعائده لنا، فيعتبر ما قدمناه، ما أنفقناه مما رزقنا وأعطانا خيراً يدّخِره لنا ليوم فقرنا، ليوم حاجتنا، لآخرتنا، لمستقبلنا الدائم، فيقول سبحانه وتعالى: {وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا}(المزمل:20) فما تقدمه من خير ومنه الإنفاق الله يدّخِره لك، تكسب به عند الله، فهو رصيد يحسب لك، وينميه الله لك، فتحصل من خلاله على الشيء العظيم العظيم عند الله سبحانه وتعالى.

وعندما نتأمل فيما أمر الله به من الإنفاق، ومثلما قلنا الإنفاق دائرة واسعة نجد أن الإسلام أولى اهتماماً كبيراً برعاية الفئات المحرومة والمحتاجة ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(البقرة:215) هذه الفئات المحتاجة داخل المجتمع الإسلامي، وبدءاً من محيط الإنسان من قرابته {فَلِلْوَالِدَيْنِ} وهم أولى بالمعروف، {وَالأَقْرَبِينَ} الأقربين أولى بالمعروف.

وفي القرآن الكريم نجد حثاً واسعاً وتأكيداً كبيراً على الإحسان إلى الوالدين، على الاهتمام بذوي القرباء والإحسان إليهم، وبذل المعروف لهم، وكم تكرر في القرآن الكريم {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} قرنه حتى بالنهي عن الشرك به، بالأمر بعبادته وحده، ويعقب ذلك {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}.

أيضاً الأقربين {وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى} يأمر الله في القرآن الكريم بصلة الرحم، ثم بقية الفئات المحتاجة في المجتمع {الْيَتَامَى} وهم من الفئات التي أولى الإسلام اهتماماً كبيراً بها واعتبرها مسؤولية كبيرة على المجتمع المسلم أن يكون رحيماً باليتامى، محسناً إلى اليتامى، وأن اليتيم إذا كان قد فقد أباه أن يبقى الدور الذي يقوم به المجتمع تجاهه يعوض ما فقده، دوراً أبوياً حنوناً رحيماً، وكذلك الفقراء والمساكين وابن السبيل،

ونجد أن الاهتمام بهذه الفئات المحرومة وهي شريحة واسعة داخل المجتمع المسلم، الفقراء، الأيتام، المحتاجون، فئات واسعة وشريحة واسعة داخل المجتمع المسلم، الاهتمام بها له أهمية كبيرة جداً لأمور متعددة في مقدمتها أنه يعزز من الروابط بين المجتمع المسلم، يحافظ على تماسكه، ويحافظ على وحدته، يحافظ على جو التآخي والتلاحم داخل المجتمع المسلم؛ لأنه إذا صاحب الفوارق المادية داخل المجتمع المسلم حالة من الجفاء والبخل وتعززت حالة الأنانية والجشع فكل يفكر في نفسه فقط، ولا يهمه إلا مصلحته الشخصية، وكل اهتمامه مركز ومنصب في كيف يجمع لنفسه فقط، ويترك الآخرين من حوله، فالغني لا يأبه بالفقير، لا يدرك معاناته، لا يدرك ما يقاسيه في معيشته، يصاحب هذا النوع من الجفاء، من البخل، من الأنانيات فوارق كبيرة في النفوس، انقطاع، بُعد كبير، جفاف كبير في العلاقات، بُعد كبير عن المحبة والأخوة والتراحم، بل بدلاً من المحبة تنشأ تعقدات كبيرة في النفوس، وتتعزز في نفوس الفقراء والفئات المحرومة حالة السخط تجاه الأغنياء وما لديهم، ويصبح الجو السائد في المجتمع المسلم جواً لا أخوياً بعيد عن التلاحم والتآخي والتكاتف.

[الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]

دروس من هدي القرآن الكريم

من محاضرة السيد/ عبد الملك بدر الدين الحوثي

بعنوان: الإنفاق

بتاريخ: 14 رمضان 1433هـ.