واذكروا حرب “مران” الأولى.
بقلم / فاضل الشرقي
مع تصاعد زخم الأحداث الأمنية والعسكرية والإقتصادية على بلدنا، والتصعيد المستعر في جبهات الساحل الغربي والحديدة، وجبهات الحدود، وبقية الجبهات حري بنا أن نتوقف بتأمل وتركيز عند محطات مهمة من حرب مران الأولى، أحداث ومواقف سجلها التاريخ في طياته وصفحاته لثلة من المؤمنين لا يتجاوز عددهم ال 300 شخص أو يزيدون قليلا مابين مقاتل، ومدد، وطبيب، وأمنيين، ومسلحين، وغير مسلحين، حوصروا لمدة 3 أشهر ومنع عنهم الغذاء، والماء، والدواء، والسلاح، والحركة، بكل ما للكلمة من معنى، وأحاطت بهم القوات العسكرية المؤللة، والمشاة، والألوية الضخمة بكل عتادها من كل الاتجاهات، في منطقة محصورة لا تتجاوز ال4 كيلوا، واختنقت بالعتاد والعديد والقصف الجوي والبري والزحوفات المستمرة ليلا ونهارا طيلة ال3 الأشهر في منتصف العام 2004م.
قوة عسكريرة بلغت تقديراتها آنذاك بما لا يقل عن 120 ألف مقاتل ومرتزق حشدتهم السلطات الظالمة على منطقة (مران) وانتشروا في سهولها، وجبالها، وتبابها، ووديانها، وممراتها، بهمجية ووحشية وشراسة قل نظيرها، وفرضوا حصارهم المطبق على هذه العزلة والمساحة الصغيرة لقرابة التسعين يوما بدون هوادة..
ثبت وقاتل واستبسل الرجال الأبطال مع قائدهم طيلة هذه الفترة غير آبهين بشئ حيث لا ماء، ولا غذاء، ولا دواء، ولا طبيب يداوي ويعالج الجراح، ولا سلاح، ولا مدد، فلم يكن في المنطقة أكثر من قاذفين وعدد عشر قذائف آر بي جي، وواحد معدل رشاش 12 فقط نفذت ذخيرته في الأيام الأولى، والرجال المؤمنون يتداون بالأعشاب ويضمدون جراحهم بإبر وخيوط الخياطة كأنما يرقعون قطعة من القماش، بل بلغ بهم الحال أن يأكلوا حشيش ونبات الأرض، ويعصرون بأيديهم أوراق الأشجار ليشربوا مائها دون أن يفت ذلك في عضدهم، أو يوهن عزمهم في ملاقات الأعداء وقتالهم والتصدى لهم، وقدموا ما يقارب 195 شهيدا مقابل سقوط أكثر من 30 ألف قتيل وجريح من الأعداء في أيام قلائل.
ثبتوا وواجهوا وقاتلوا وعشقوا النزال والحرب دون أي خبرة أو تجربة أو مهارة أو أي فنون قتالية فلا توجد معسكرات ولا دورات للتدريب ولا مدربون، وأكثرهم بدون سلاح وانما ينتظرون من استشهد منهم ليقاتل الآخ بسلاح أخيه الشهيد وما تبقى من ذخيرته.
لقد عرفت شبابا أبطالا مقاتلين كانوا (يبترعون) فرحا إذا قرعت الحرب طبولها، ويقتحمون غمارها بكل لهف وشوق، وهم بها آنس من الطفل الرضيع بثدي أمة، لا تأخذهم في الله لومة لائم، وكانوا والله يأسفون ويحزنون إذا قرعت طبول الصلح والسلام، من حبهم وعشقهم للجهاد والشهادة.
قاتلوا وواجهوا واستبسلوا وصبروا وكلهم ثقة بالله ونصره وصدق وعده ووعيده.. تلك المواجهة المحتدمة التي قاتل فيها السيد حسين (رضوان الله عليه) بنفسه حتى اجترحت واقترشت راحت يداه من قبضة البندقية، وكان يضع عليها الدقيق المعجون بالماء فقط لا غير.
تلك الظروف الحالكة التي قال فيها السيد حسين في بيانه الشهير في الأيام الأولى من حرب مران الأولى هذا النص الجميل: (ثقوا بنصر الله وإن وجدتم هؤلاء المعتدين محيطين بالبلاد من كل جانب، فالله معنا، وهو ناصرنا، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا).
اليوم نحن نقاتل ونمتلك كل أنواع السلاح، ومختلف أنواع الطعام والشراب، وآخر المديلات من السيارات ووسائل النقل، نقاتل ونحن نمتلك القيادة، والمشروع، والأمة، والشعب، والدولة، والأرض، والجغرافيا ولكن ينقصنا بحق سلاح الإيمان.. ينقصنا ذلك الوعي والحماس والعشق للجهاد والشهادة.
صحيح هناك اندفاع واقبال واستبسال ولكن هناك قصور في جوانب مهمة جدا.
نعم اخواني المجاهدون نحن بأمس الحاجة للوعي بالقضية والمشروع، وحب وعشق هذه القضية، والذوبان فيها حتى نسترخص التضحية، ونجود بالأرواح، ونرتاح للحرب واصوات الطائرات، ونستبسل في ملاقات الأعداء، ونجد في التنكيل بهم.
نحن نحتاج للحماس والأنس العلوي بالحرب والقتال، ونحتاج للتضحية الكربلائية، والعشق الحسيني، والإيمان المحمدي، والروحية الجهادية الزيدية، والوعي الكامل بالقضية التي نقاتل من أجلها ودفاعا عنها، و ونحتاج حبها وعشقها والذوبان فيها، فنحن قوم الله ورجاله الموعودون الذين يحبهم ويحبونه، فلا يوهنون، ولا يضعفون، ولا يستكينون، مهما طال أمد الحرب واستعر لهيبها.. وإن نصر الله لقريب.