الخبر وما وراء الخبر

رمضان شهر التعبئة الجهادية والتحرك إلى الجبهات

115

بقلم / أبو نصرالله
يأتي شهر رمضان ببركته وخيره ونوره وفتحه ونفحاته وانتصاراته الكبرى التي سطرها الله في القرآن الكريم وأعطى مساحة واسعة لأول انتصار على الباطل وإزهاق له (يوم الفرقان يوم التقى الجمعان) جمع يمثل الخير والعدل والإيمان والفلاح وجمع يمثل الشر والظلم والشرك والنفاق والكبر والطاغوت لكن النصر والغلبة كانت من نصيب الثلة المؤمنة المجاهدة رغم قلة عتادها وعددها قال تعالى: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) .

يحل رمضان على الأمة الإسلامية كموسم عظيم ونفحة إلهية يتعرض فيها المؤمنون والمؤمنات للنفحات التي تسعدهم أبد الدهر وتجعلهم في حالة قرب منه وحب واستجابة له كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن لربكم في أيام دهركم نفحات فتعرضوا له لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبداً)

وكما أن للأزمنة نفحاتها فللأماكن نفحاتها كذلك وأحيانا تجتمع نفحة الزمان والمكان معا ومن هذه النفحات مثلا : العمرة في رمضان والوقوف بعرفة أيام الحج والجود بالمال في رمضان تأسيا برسول الله الذي كان أجود ما يكون فيه، ويماثل هذا الرباط في رمضان والمصابرة والدفاع عن المستضعفين والأوطان و العمل الأمني حفاظا على حياة الناس والإمداد والإسناد والنفير إلى جبهات الحق والإيمان والعدل والوفاء والتقدم إلى الصفوف الأولى لمواجهة المحتلين والمستعمرين الجدد وأعوانهم وجنودهم وجنجويدهم وكل شذاذ الأفاق الذين يدورون حيثما تدور أمريكا ويتواجدون أينما يتواجد المارنز الأمريكي والمصالح الامريكية والبريطانية والفرنسية وغيرها من الدول الاستعمارية التي استطاعت أن تخترق العقل العربي والصف الإسلامي، بل تمكنت من الوصول إلى التحكم في القرار السياسي العربي وسحب الأنظمة العربية الحاكمة إلى صفها وجبهتها جبهة الضلال والإضلال وجبهة الاستبداد والاستعباد، وصارت الشعوب الإسلامية شعوب ضائعة تائهة بسبب التولي الصريح من الأنظمة لأمريكا وإسرائيل وسكوت العلماء والدعاة والخطباء عن هذا التولي بل إن كثير اً من المحسوبين على الإسلام والشريعة والتفسير والفتوى برروا هذا التولي وأحلوه تصريحا أحيانا وإشارة وهنا لا بد بل يجب أن يوجد جمع يجدد للأمة الأمل ويحيي فيها روح الجهاد من أجل إعادة الحق إلى نصابه والفصل أو الفرقان بين أولياء الرحمن الموحدين لله التوحيد الصحيح والحقيقي وبين أولياء الشيطان وقرنه المتمثل في النظام السعودي الذي يترجم ولاءه لأمريكا ترجمة عملية في الوطن العربي ويجسد الولاء تجسيدا واقعياً، يتجلى هذا الولاء في العدوان على اليمن وسوريا والعراق وأفغانستان وليبيا ولبنان فكل ما يعانيه ويكابده أهل اليمن والمسلمون في الوطن العربي سببه المباشر على المستوى السياسي هو النظام السعودي وتياره الديني الذي يمارس أخطر وأقذر مؤامرة والتي تتمثل في إصدار البيانات والفتاوى المحللة لتحركه السياسي والعسكري الظالم وترضى بتواجد القواعد العسكرية في البر والبحر وتغض الطرف عن صفقات الأسلحة المهولة الموقعة مع أمريكا.

هذا التحليل أو التبرير يجاهر به مشائخ الوهابية السلفية علنا وموثق بالصوت والصورة وأمام التراكم الفضيع للباطل والشر والنفاق يبرز الإيمان كله بكل صدق وعزيمة وثقة بالله وهذا الجمع يتمثل في أهل اليمن الذين لم ينتظروا ما انتظره الشعب العراقي والليبي وغيرها من الشعوب الذين خدعوا وخدروا بالوهابية وتأثروا بمشائخها وفتاواهم فها هم أبناء اليمن الحكماء والفطناء يخوضون معركة الحق والتحرر وانتزاع السيادة وخلع الوصاية السعودية والهيمنة الأمريكية.

ها هي اليمن من جديد تصنع تاريخا مشرقا بضياء التضحيات وأنوار الدماء الزاكية وبهاء القوافل المباركة التي كشفت الحقائق المتراكمة وأسقطت أقنعة الزيف التي لبست عباءة الدين ورفعت شعار الحقوق والحريات فهذه التضحيات الكبيرة أسهمت في تصحيح الوعي وتعديل الاعوجاج التاريخي في الأمة

إنها دماء وتضحيات التحرر والانعتاق من الظلمة والطغاة والمحتلين وتستنهض المؤمنين وأحرار العالم التواقين للحرية والعدل

ها هم رجال اليمن وشبابه الأطهار يستأنسون بالموت اقتداء بالإمام علي ويقدمون قوافل الشهداء بسخاء ورضى ويحيون الروح الحسينية في الأمة ولسان حالهم وشعارهم ومناجاتهم لله هو : اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى.

ها هم يقاتلون شرار البرية من الناكثين والقاسطين والمارقين الجدد الذين ارتكسوا في نفاقهم وحقدهم ويزدادون رجسا إلى رجسهم بسبب ما تربو ونشأوا عليه من فكر خبيث وتعاليم شيطانية جعلتهم يرون المؤمن كافرا وعدوا والكافر وليا وصديقا وحليفا وهذا كله يعزز في قلوب المؤمنين من أهل اليمن وغيرهم صوابية التحرك الجهادي والثبات على خطى الشهداء ورفد الجبهات بالمزيد والمزيد من الرجال الذي فتح الله لهم باب الجنة والعزة والكرامة والفلاح في الدنيا والآخرة.

إن المجاهدين والمرابطين في الثغور وجبهات المواجهة أمام مملكة الكراهية والعمالة والخيانة ومرتزقتها ثوابهم عظيم وعظيم في كل الأوقات إلا أن الجهاد والرباط والصبر والمصابرة مع الصيام أكثر كما قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من رابط يوماً في سبيل الله عزّ وجلّ فيصوم يوماً في سبيل الله إلا زحزح عن النار سبعين خريفاً) وحديث((من صام يوماً في سبيل الله بعد الله بينه وبين جهنم مسيرة مائة عام) لأن المجاهد جمع بين عبادتين وفضيلتين وحاز شرفين بل ثلاثة: جهاد النفس الأمارة بالسوء المحبة للحياة و الراغبة في البقاء الكارهة للفناء هنا يتغلب المجاهد على هوى نفسه ويؤثر على نفسه حياة الأمة ويبيع روحه من خالقها ويعقد صفقة الخلود مع الله وفي سبيله الذي اختاره بعد أن قهر النفس من الميل إلى زهرة الحياة الدنياومنعها من الماء والأكل في شهر رمضان، ثم جهاد العدو فيستحق أن يزحزح عن النار وفي هذا دلالة على أن ثواب المجاهد الصائم كبير وكبير إذا لم يؤثر الصيام على أداءه الجهادي ويعيق تحركه الميداني لمواجهة المعتدين أولياء أمريكا وخدام الصهاينة وأعوان الظلمة من المرتزقة والخونة الذين يمارسون أبشع أنواع الإجرام ويقومون بتنفيذ أخطر المؤامرات التي تهدد الإسلام وتستهدف القرآن وتروض الشعوب المسلمة لملوك فجرة وحكام فسدة عملاء خائنين لله وللرسول وللمؤمنين وما يمارسه خونة الداخل وما قد فعلوه بالعقول والنفوس أخطر من الحرب العسكرية وأشد وأنكى وما هذا العدوان العالمي والحرب الكونية على اليمن إلا إحدى مخرجات وتجليات البناء الحاقد والفكر الخبيث والمنافق الذي يجعل من أراذل البشر وسفهاء الأمة ملائكة ويصور الحمقى والسفهاء بصورة العظماء والحكماء ويعطي الشرعية في الحكم لكل شاذ ومنحرف ومنحل في سلوكه وطباعه وتربيته كما هو الحال مع الشرعية المزعومة في اليمن ومع الشرعية المكذوبة لولاة الأمر في الخليج الذين بينهم وبين الشرع والشريعة والشارع الإسلامي بعد المشرقين.

يأتي شهر رمضان واليمن يدخل عامه الثالث من العدوان والحرب التي فرضت عليه من قبل خونة الداخل وفراعنة الخارج

يأتي شهر الله ليخرج الناس من حالة القعود والجمود والنوم والكسل واللامبالاة والخلود إلى النوم وقتل ساعات هذه الشهر بمتابعة القنوات والمسلسلات والمسرحيات الهابطة والتافهة والفكاهات التي يهدف أصحابها إلى قتل الجدية والنشاط وقيم الرجولة والاهتمام بهموم الامة وقضاياها.

إلى روحية التحرك والخروج إلى ميدان النزال وساحات الوغى والجهاد لإزهاق الباطل وإحقاق الحق وإغاضة المجرمين والكافرين ونصرة المظلومين والوقوف في وجه المستكبرين كما فعل النبي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم في هذا الشهر العظيم (كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ).

وكما أن الله كلف النبي بالخروج والنفير من بيته لجهاد المتآمرين على الإسلام الصادين عنه بعد صبره على أذاهم وإحسانه إليهم وتحمله لكل الإساءات وإعراضه عن كل التهم التي رمي بها وبعد أن حاور قريش وناظرها وحاججها بالبراهين والآيات وتعامل معهم بكل رحمة وحلم وحب وحكمة لعلها تهتدي وتتزكى وتتحرر من الأنا والأنانية وترتقي في وعيها وتتوجه إلى الله لتوحده التوحيد السوي الصحيح وتعبده العبادة الخالصة إلا أن قريش لم تتعامل مع النبي بعقل ولم تعط المشروع الذي جاء به وحيا من الله الاهتمام من نفسها وهكذا هم الأنانيون والانتهازيون والنفعيون في كل زمان ومكان تتشابه وضعياتهم ونفسياتهم وتحركاتهم ويذوقون وبال أمرهم في نهاية المطاف وختام الصراع مع الحق وهذا وعد الله تعالى الذي ننتظره في هذه الأيام التي طلع فيه قرن الشيطان.

إن شهر رمضان هو شهر التعبئة الجهادية والتحرك لللجبهات التي يرابط فيها المجاهدون من اللجان الشعبية والأحرار من أبناء الجيش هؤلاء الشرفاء والكرماء والمحسنون الذين يقدمون أبهى صور الإحسان بتقديم أغلى وأنفس ما يملكون ويجودون بالنفس -والجود بالنفس أسمى غاية الجود- ويسطرون أروع البطولات أمام أعداء الله وأعداء الدين والقرآن والوطن.

المجاهدون في سبيل الله لم ولن يجادلوا في الحق والدعاة إليه الذين ينادونهم للفوز بعز وشرف الدارين فالرجال الصادقون مع الله المستجيبون له المعبدون أنفسهم لله وحده لا يرتابون في مواجهة الظلمة والطواغيت ولا يجادلون كما يجادل الكثير والكثير من الناس لم يبحثوا عن المعاذير والمبررات والشبه التي يستطيعون من خلالها البقاء في منازلهم والنوم على الأسرة بل اختاروا طريق الحق واستعذبوا النوم في المتارس والخنادق وطلبوا الراحة في الشعاب والوديان وتعطروا بغبار الجنة التي اختطوا طريقها واختاروها كأحدى الحسنيين وجعلوا من أرواحهم الطاهرة ونفوسهم الزاكية محرابا للانتصار او معراجا للشهادة.