الخبر وما وراء الخبر

شهر الصيام مدرسة الاحرار

103

ﺑﻘﻠﻢ / ﻓﻴﺼﻞ ﺍﻟﻬﻄﻔﻲ

ﻣﻦ ﻳﺮﻓﺾ ﺍﻟﺮﺿﻮﺥ ﻟﻠﺬﺍﺕ ﻭﺍﻻﺭﺗﻤﺎﺀ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻨﻘﻊ ﺍﻟﺸﻬﻮﺍﺕ ﻫﻮ ﺃﻧﺴﺎﻥ ﺃﺧﻠﺺ ﺍﻟﻌﺒﻮﺩﻳﺔ ﻟﻠﻪ ﻓﻌﺒﺪ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻪ ﻭﺫﻟﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﻃﺎﻋﺘﻪ ﻭﻧﻴﻞ ﺭﺿﺎﻩ .
ﻭﻳﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻣﻦ ﺍﻟﺮﻛﺎﺋﺰ ﺍﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻬﺎ ﺗﺴﻤﻮ ﻧﻔﺴﻴﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﺗﺮﺗﻘﻲ ﻓﻲ ﺳﻠﻢ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﺍﻻﻳﻤﺎﻧﻲ ﺑﻞ ﺗﺼﺒﺢ ﻧﻔﺴﺎ ﺯﺍﻛﻴﺔ ﺗﺘﻘﺒﻞ ﻫﺪﻯ ﺍﻟﻠﻪ
ﻓﺘﺴﺒﺢ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﻠﻜﻮﺕ ﺍﻻﻟﻬﻲ ﺗﺴﻌﻰ ﺑﺸﻮﻕ ﻭﻟﻬﻔﺔ ﻟﺘﻨﻔﻴﺬ ﺃﻭﺍﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﺘﻜﻮﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﺃﻧﺘﺎﺟﺎ ﻭﺇﺻﻼﺣﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ .
ﻷﻥ ﻣﻦ ﺃﻫﺪﺍﻑ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻫﻮ ﺗﻌﺒﻴﺪ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻠﻪ
ﻭﺍﻻﻧﺘﺼﺎﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﻛﺒﺢ ﺟﻤﺎﺣﻬﺎ ﻭﻧﺰﻭﺍﺗﻬﺎ
ﻭﺗﻌﻠﻴﻢ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺘﻌﻮﺩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﺒﺮ ﻭﺍﻻﻣﺘﻨﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﻏﺒﺎﺕ ﻃﺎﻋﺔ ﻟﻠﻪ
ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻧﺸﺎﻫﺪ ﻓﺮﻳﻀﺔ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺮﺃﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻣﻨﺤﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﻣﻨﺤﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻌﺒﺎﺩﻩ ﻛﻲ ﻳﺘﺨﻠﺼﻮﺍ ﻣﻦ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﻴﺸﻮﻧﻬﺎ ﻃﻮﺍﻝ ﺍﻟﻌﺎﻡ
ﻓﻴﺒﺪﺃ ﺍﻟﻐﺬﺍﺀ ﺍﻟﺮﻭﺣﻲ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻻﺳﺘﺠﺎﺑﺔ ﻟﻠﻪ ﻻﺩﺍﺀ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻔﺮﻳﻀﺔ .
ﻭﺑﻤﺎ ﺃﻥ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻟﻪ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮﺓ ﻛﻮﻧﻪ ﺷﻬﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﺘﺮﺍﻓﻖ ﻣﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻜﺎﻧﺔ ﻋﻈﻤﺔ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﺰﻝ ﻓﻴﻪ . ﻓﻬﻨﺎ ﺗﺘﺠﻠﻰ ﻟﻨﺎ ﻋﻈﻤﺔ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻬﺮ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻷﻧﻪ ﺷﻬﺮ ﺍﻟﻘﺮﺃﻥ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﺷﺄﻧﻪ ‏( ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻧﺰﻝ ﻓﻴﻪ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫﺪﻯ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻭﺑﻴﻨﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﺪﻯ ﻭﺍﻟﻔﺮﻗﺎﻥ ‏) ﺻﺪﻕ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ
ﻓﻬﻮ ﺷﻬﺮ ﺍﻟﻬﺪﺍﻳﺔ ﻭﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﻐﻔﺮﺍﻥ ﻭﺍﻟﻌﺘﻖ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺭ
ﻭﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺟﻮﻫﺮﺓ ﺛﻤﻴﻨﺔ ﻫﻲ ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺛﻤﺮﺓ ﻟﺼﻴﺎﻡ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﺑﻞ ﻭﻋﻼﻣﺔ ﻟﻘﺒﻮﻝ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻣﻦ ﻋﺪﻣﻪ
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺟﻞ ﺷﺄﻧﻪ : ‏( ﻳﺎﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺀﺍﻣﻨﻮﺍ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ﻛﻤﺎ ﻛﺘﺐ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻜﻢ ﻟﻌﻠﻜﻢ ﺗﺘﻘﻮﻥ ‏) ﺻﺪﻕ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ
ﻫﺬﺍ ﻫﻮ ﺍﻟﻬﺪﻑ ﺍﻻﺳﺎﺳﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﺼﻴﺎﻡ ‏( ﺍﻟﺘﻘﻮﻯ ‏)

ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺘﻘﻴﻦ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺃﻧﻪ ﺑﺎﻉ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺣﻴﺎﺗﻪ ﻭﺃﺻﺒﺢ ﺗﻌﻠﻘﻪ ﻭﺣﺒﻪ ﻟﻠﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻱ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻳﺘﻄﻠﻊ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﺍﻟﻲ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﺍﻻﻛﺒﺮ ﻭﺍﻟﺪﺍﺋﻢ ﻓﻲ ﻣﺴﺘﻘﺮ ﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻓﻲ ﺩﺍﺭ ﻛﺮﺍﻣﺘﻪ ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﻧﻌﻮﺩ ﺍﻟﻲ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﻗﺮﻳﻦ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻻﻣﺎﻡ ﻋﻠﻲ ﺑﻦ ﺃﺑﻲ ﻃﺎﻟﺐ ‏( ﻉ ‏) ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻭﺻﻒ ﺍﻟﻤﺘﻘﻴﻦ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ :‏( ﻋﻈﻢ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﻓﻲ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻓﺼﻐﺮ ﻣﺎﺩﻭﻧﻪ ﻓﻲ ﺃﻋﻴﻨﻬﻢ ‏) ﻓﺎﻟﺼﻴﺎﻡ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﺇﻳﻤﺎﻧﻴﺔ ﻣﺘﻜﺎﻣﻠﺔ ﻳﺘﻌﻠﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻻﺣﺮﺍﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﻮ ﺍﻷﻛﺒﺮ ﻓﻼ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﻳﺮﻋﺒﻬﻢ ﺃﻭﻳﺨﻴﻔﻬﻢ ﻣﻬﻤﺎ ﺑﺪﻯ ﻛﺒﻴﺮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺃﻣﺎﻣﻬﻢ ﻷﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻗﺪ ﻣﻸ ﻧﻔﻮﺳﻬﻢ ﻋﻈﻤﺔ ﻓﻤﺎ ﺩﻭﻧﻪ ﺻﻐﻴﺮ ﻭﻗﺰﻡ
ﻋﺮﻓﻮﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﻓﻌﺸﻘﻮﻩ ﺑﻮﻟﻪ ﻭﺭﻏﺒﺔ ﻳﺪﻋﻮﻧﻪ ﺑﻘﻠﻮﺏ ﻓﻘﻴﺮﻩ ﺍﻟﻲ ﻋﻔﻮﻩ ﻭﺭﺣﻤﺘﻪ ﻣﻠﺘﺠﺌﻴﻦ ﺇﻟﻴﻪ ﻓﻲ ﻛﻞ ﺃﻣﻮﺭﻫﻢ ﻓﻬﻮ ﻣﻼﺫﻫﻢ ﻭﻛﻬﻔﻬﻢ ﺍﻟﺤﺮﻳﺰ
ﻭﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﺒﻴﺮﺍ ﻻﻳﺨﺎﻑ ﻭﻻﻳﻀﻌﻒ ﻭﻻﻳﺴﺘﻜﻴﻦ .

ﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻧﻌﺮﻑ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺍﻟﻤﺎﺳﺔ ﻟﻺﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻬﺮ ﺍﻟﻤﺒﺎﺭﻙ ﺑﺎﻻﺗﺰﺍﻡ ﺑﻤﺎ ﺃﻣﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺍﻻﺑﺘﻌﺎﺩ ﻋﻤﺎ ﻧﻬﻰ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻬﺮ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺗﺮﻭﻳﺾ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺠﻠﺪ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻻﻣﺘﻨﺎﻉ ﻋﻦ ﺍﻻﻛﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﺏ ﻭﻏﻴﺮﻫﻤﺎ ﻣﻤﺎ ﻧﻬﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻪ ﻓﻲ ﻧﻬﺎﺭ ﺷﻬﺮ ﺭﻣﻀﺎﻥ ﻭﻟﻴﻠﻪ ﻭﺍﻻﺳﺘﻔﺎﺩﺓ ﻣﻦ ﻗﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﻘﺮﺃﻥ ﻭﺍﻟﺪﻋﺎﺀ ﻭﺍﻟﺘﺴﺒﻴﺢ ﻭﺍﻻﺳﺘﻐﻔﺎﺭ ﻭﺍﻟﺬﻛﺮ ﺣﺘﻰ ﻳﺨﺮﺝ ﺍﻻﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﻬﺮ ﻭﻗﺪ ﺃﺻﺒﺢ ﻋﺒﺪﺍ ﻟﻠﻪ ﻳﺘﻮﻻﻩ ﻭﻳﺨﺎﻓﻪ ﻭﻳﺨﺸﺎﻩ
ﺭﺍﻓﻀﺎ ﻟﻜﻞ ﻣﻦ ﻧﺼﺐ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻟﻬﺎ ﻟﻠﻨﺎﺱ ﻣﻦ ﻋﺒﻴﺪ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﻌﻠﻨﺎ ﻟﻠﺒﺮﺍﺀﺓ ﻣﻨﻪ ﻭﻣﻤﻦ ﺗﻮﻻﻩ ﻭﺍﻃﺎﻋﻪ
ﺣﻴﻨﻬﺎ ﻳﺼﺒﺢ ﺣﺮﺍ ﺑﻌﺒﻮﺩﻳﺘﻪ ﻟﻤﻮﻻﻩ ﻭﺧﺎﻟﻘﻪ
ﻓﻴﻨﻄﻠﻖ ﺑﺼﺪﻕ ﻭﺃﺧﻼﺹ ﻓﻲ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﻴﻬﻮﺩ ﻭﺍﻟﻜﻔﺎﺭ ﻓﺎﻟﺼﻴﺎﻡ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻣﺪﺭﺳﺔ ﺇﻟﻬﻴﺔ ﻳﺘﺨﺮﺝ ﻣﻨﻬﺎ ﺍﻷﺣﺮﺍﺭ.